محمد رشدي شربجي
في العاشرة من عمره غمره كرنفال “التحرير” مع الجمهور، متحلقًا حول تمثال “هبل”، كما يحلو لأهل الرقة أن يسموه، في الرابع من آذار 2013، ملء شدقيه لم يتمالك نفسه في نوبة ضحك هيستيري وهو يرى حسون المرندي (أبو طه) يتبول على رأس القائد الخالد أمام الحشد، مازال يستذكرها بأسى ومرح.
مايزال يذكر كثيرًا من التفاصيل خلافًا للمجتمع الدولي الذي لا يريد أن يذكر شيئًا، يذكر حديث الأهل عن تحرير تل أبيض في أيلول 2012، وتموضع جبهة النصرة في مدينة سلوك القريبة لترفع رايتها على سارية المدينة، ثم يذكر بعدها حديث الناس عن تحرير الطبقة في شباط 2012، وقرب الهجوم على الرقة.
سمع، كما الناس، عن عملية “غارة الجبار” التي شنتها كتائب المعارضة قبل التحرير بيومين، الكتائب التي توافقت قبل بدء العملية على منع دخول أي محافظة أو مدينة أخرى دون “مبايعة أحد الكتائب المشاركة في العملية”، وهي لواء ثوار الرقة وهو من أبناء المدينة، وجبهة النصرة، وحركة أحرار الشام الإسلامية التي بايعها لواء أمناء الرقة، وأن آثار متحف الرقة الموجودة في عهدة الحركة ستعود يومًا ما.
يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، تكاثرت عليه الأسماء، ولم يعد يعرف من منهم الكافر من المؤمن، جبهة النصرة في الرقة بايعت تنظيم الدولة، وأصبحت الجبهة كافرة بعدها، ثم فجر التنظيم مقر لواء أحفاد الرسول وقضى عليه، وأصبح هؤلاء كفارًا أيضًا، ثم ارتد لواء ثوار الرقة هو أيضًا، وهرب عناصره إلى عين العرب (كوباني).
اندلعت حرب شاملة داخل الرقة، بين الخوارج والمرتدين، لحىً طويلة قضت على أناس حليقين، ثم قضت لحىً طويلة جدًا على لحىً طويلة، يعرف الطفل أن تنظيم الدولة انحصرت سيطرته في مقرين فقط داخل الرقة في هذه الحرب الشاملة بداية 2014، ويعرف أيضًا أن “شيئًا غريبًا” دفع “أخوة المنهج” إلى انسحاب مفاجئ، سهل سيطرة التنظيم على المدينة إلى اليوم.
بطرفة عين أصبح الطفل من سكان العاصمة، لم تعد المدينة نائية كما كان يقول عنها النظام “النصيري”، باتت الكرة الأرضية نائية اليوم، لم نعد نحتاج إلى علامات إضافية في الشهادة الثانوية، نحن من سيعطي للعالم درجته، لا معاناة مع الأسماء وكثرتها بعد الآن، هناك اسم واحد فقط تقوم باسمه الحياة، شكرًا لخليفتنا أن هدانا “للتوحيد”، التصنيف بات مطلق السهولة اليوم، نحن الحق وما عدانا الباطل، نحن مسلمون وهم كفار.
ولكن من نحن؟ تساءل وهو يتم عامه الثاني عشر، نحن أشبال الخلافة، احترافنا جز الرؤوس، يا لروعة الخليفة الذي اصطفانا بحكمته لنصرة الخلافة، خليفتنا كاسر حدود سايكس بيكو، كفار هم أهلنا ومرتدون واجبو التأديب، المثبطون المتثاقلون إلى الأرض هم، يريدون أن يمنعونا عن الجهاد هؤلاء الضالون، وسيعلمون يومًا أي منقلب سينقلبون.
استفاق يومًا على قصف شديد، قالوا له إنه من فرنسا، يا إلهي! أو يحسن زيدان إطلاق الصواريخ أيضًا؟ هذا اللعين، ثم جاءت صواريخ من بحر قزوين، أين قزوين هذا؟ لا شك أنه بعد الفرات، أمم الأرض تأكل أرض الخلافة من أطرافها، والشمس تغيب عنا والصواريخ لا تغيب، أي أجسام حديدية لنا حتى تأتي حاملات الطائرة لتفتيتها؟
يسري في المدينة اليوم الحديث عن “التحرير” مرة أخرى، تل أبيض بيد الأكراد منذ سنتين، لواء ثوار الرقة انضم لهم، هم أيضًا يريدون دولة، مثل خليفتنا تمامًا، ولكن ما المشكلة أن نكون مع الأكراد، الرمد أحسن من العمى الذي نحن فيه، يقول الوالد، على الأقل سيريح ذو الأربعة عشر عامًا دماغه من معرفة أين يقع بحر قزوين؟ ولكنهم سيقسمون سوريا، سيقسمون المقسم، ولن يقبلوا بنا.
ولكن من نحن؟ نحن أبناء المحافظة النائية عاصمة الكون حديث مجلس الأمن اليومي، أتباع الخليفة الديمقراطيون، نحن راقصون جيدون، علمونا الرقص على كل الألحان بالحديد والنار، قتلنا الإرهاب والرد على الإرهاب والحرب على الإرهاب والمحرر من الإرهاب، نحن جيل العدم، نطق الفتى، قريبًا قريبًا سيرقص العالم على أنغامنا “نحن”.