تتباين حالة الرضا عند القائمين على الإعلام السوري الجديد، لجهة القدرة على التأثير في الجمهور الذي يتجه إليه هذا الإعلام، سواء كان إذاعة، تلفزيون أو صحيفة، وبالرغم من أن الإعلام الجديد يعتبر الوصول إلى كل السوريين أينما وجدوا من المسلّمات، إلا أن أرض الواقع تكشف غير ذلك تمامًا، فأغلب الصحف التي تطبع في تركيا لا توزع إلا في مناطق شمال سوريا “المحررة”، وبعض المدن التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، في حين تغيب بشكل شبه كامل عن جنوب سوريا وشرقها وكذلك دمشق وريفها، ذات الشيء ينطبق على الإذاعات، والتي تتنافس على ما تبقى من سوريين في شمال سوريا، وخاصة حلب وإدلب وبعض مناطق ريف حماة واللاذقية.
فوسائل الإعلام الجديدة “شبه معدومة” في كامل مناطق سيطرة النظام، حيث لا صحف جديدة توزع وهناك، ولا مواقع إلكترونية يمكن الدخول إليها، بسبب الحجب من قبل وزارة الاتصالات والتقانة، وكذلك لا إذاعات، عدا بعض مناطق التماس في حلب المدينة.
كل هذه العوامل تجعل من التأثير في الجمهور السوري محدودًا، ومقتصرًا على قاطني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ورغم مضي خمس سنوات على التجربة الإعلامية، ماتزال أدوات قياس التأثير في الرأي العام “ضعيفة”، نظرًا للظروف الأمنية واللوجستية التي تخضع لها معظم المناطق السورية، بما فيها المحررة. وقد أجرت مؤسسات محلية ودولية عددًا من استطلاعات الرأي والمسوحات، بغية تشخيص جمهور وسائل الإعلام وتحديد حجم التأثير الذي أحدثته في رأيه، وقد نشر معظمها على نطاق ضيق وتم تناقلها بين وسائل الإعلام نفسها وبعض المؤسسات الداعمة.
يقول الصحفي عبسي سميسم “هناك مشاكل في عدم القدرة على التأثير بالجمهور وتأطير العمل الإعلامي عبر توجيه رسائل صحيحة فيها ميزات محددة”، ويعتبر جواد أبو المنى أن معظم المؤسسات غير قادرة على التأثير، لأن قسمًا منها لا يصل إلا إلى جمهور محدد، ”وهو جزء من المعارضة وعلى نطاق محدود”، مشيرًا إلى أن هناك مشاريع إعلامية جمهورها المنظمات فقط، ما يعني أنها “صحافة منظمات”، كونها تلبي متطلباتهم فقط، بحسب “أبو المنى”.
أما الصحفي رامي الجراح، أحد الإداريين في إذاعة “صوت دمشق”، فيؤكد لعنب بلدي أنه لا توجد طريقة لقياس التأثير على الرأي العام في الداخل، “رغم أن وسائل الإعلام في الداخل السوري متابعة أكثر من وسائل الإعلام الدولية”.
عدنان حداد، مدير إذاعة “حارة إف إم”، يعترف بأن هناك ضعفًا في تأثير وسائل الإعلام السورية الجديدة، ومنها الراديو، داعيًا إلى التفريق بين شيئين أساسيين، أولًا “إعلام ناضج إلى حد كبير ومتوازن لم تصله هذه المؤسسات بعد”، وثانيًا: “لولا الإعلام الجديد الذي يغطي في سوريا، لما أمكن الاستمرار بصمود السوريين”، مشيرًا إلى أن الإعلام الجديد ساهم في خلق حملات إعلامية أثرت على الرأي العام الدولي، مثل حملة “#حلب_تحترق”.
وقد أظهر استطلاع رأي أجراه “مركز عمران للدراسات” على صحف “الشبكة السورية للإعلام المطبوع” مطلع العام عبر مجموعات مركزة من جمهور الصحف في الشمال السوري، وشمل 725 عينة، أن 57.6% من المشاركين بالاستطلاع يثقون بدرجة عالية بالأخبار التي تصلهم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تليها الصحف بنسبة 53.5%، ثم التلفزيون 42.6%، ثم المواقع الإخبارية 34.5%، وأخيرًا الراديو بنسبة 16%.
الإعلام في الداخل لا يحظى بفرص الدعم والتدريب
في الوقت الذي تعيش فيه مؤسسات الإعلام السوري الجديدة والمؤسسة في الخارج، وخاصة تركيا، في “بحبوحة” بسبب قربها من الداعمين وتكوين علاقات تمكنها من التواصل معهم والحرص على إخضاع الكوادر لدورات مهنية وإدارية مختلفة، يعيش إعلاميو وناشطو الإعلام الجديد في الداخل في ضيق مادي، أثّر على جودة وأداء هذه الكوادر، وذلك بعد أن أمضوا قرابة الخمس سنوات في العمل الإعلامي الميداني. فبرغم الخطر الذي يتعرض له هؤلاء بسبب التضييق والاستهداف المباشر والخطف والاعتقال، إلا أنهم مايزالون مستمرين في العمل الذي مهّد وأسس لما بات يعرف اليوم بالإعلام الجديد، وكان هؤلاء الناشطون لبنة الأساس في مدماكه.
يقول محمد العبدالله، مدير مؤسسة “شاهد” الإعلامية في درعا، إن قلة الدعم والإمكانيات أخرت النهوض بالمؤسسة، لكن إعلام درعا يعيش حالة تكامل ويحقق الفائدة المرجوة، وبحسب العبدلله، فإن “أبرز ما يميز إعلام الثورة هو أنه ابن بيته، وقد تمكن من فضح جرائم نظام الأسد رغم صعوبة ظروفه التقنية والأمنية وقلة الخبرة في مواجهة آلة النظام الإعلامية ومن يساندها من حلفائه، ورغم افتقاده للدعم التقني والمهني”.
ويعتبر العبدالله أن السبيل لتحقيق نهضة إعلامية في الداخل هو “إيجاد أرضية صلبة تجمع شتات الناشطين، وتكون مرجعًا لهم في مواجهة التحديات الكبرى والانتقال لمرحلة متطورة من العمل بالتوازي مع إعطاء كل ذي حق حقه وعدم دعم جهات أو أفراد على حساب مؤسسات”.
أما الناشط الإعلامي ومراسل جريدة “عين على الوطن” في إدلب، حسن مختار، فيرى أنه لا يمكن مقارنة إعلام النظام بالإعلام الثوري من حيث الإمكانيات، ويرى أن هناك ضرورة لإخضاع الناشطين في المناطق المحررة لدورات إعلامية مكثفة، من أجل توعيتهم أكثر بالعمل الصحفي، ولإعداد ناشطين أكثر حرفية ومنحهم معدات تساعد على إنتاج مواد صحفية أكثر حرفية في المستقبل.
يقترح مختار إدخال جامعات افتراضية تعليمية للمناطق المحررة من قبل منظمات داعمة تتبنى جيلًا جديدًا من الصحفيين السوريين بشهادات أكاديمية، ما سيعزز “إعلام الثورة” من وجهة نظر الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية، ويدفعه للأمام.
وتلقى الناشطون الإعلاميون داخل سوريا جملة تدريبات صحفية عبر الإنترنت (أون لاين)، كان أبرزها برنامج “الأصوات السورية” الذي أداره الصحفي غسان ابراهيم، وبرنامج “سيريا نيوز” للتدريب الذي دعمته منظمة internews الأوروبية، لكن هذه البرامج لم تحقق النتائج المطلوبة نظرًا لقصر مدتها، واصطدامها بعوائق تقنية، مثل غياب شبكات الإنترنت وتخلف حضور الإعلاميين.
“مصداقية” تحتاج إلى “حماية” داخل سوريا
يعتقد معظم الناشطين الإعلاميين الذين التقتهم عنب بلدي في المناطق السورية المحررة، أن الإعلام الجديد تمكن فعليًا من مجاراة إعلام النظام وتفوق عليه من حيث الموضوعية والمصداقية، بعيدًا عن الضغوط، وقد عمل على مواجهة دعاية إعلام النظام وسعيه المستمر عبر الرسائل التي يقدمها للجمهور من أجل قلب الحقائق، من خلال الشفافية التي اعتمدها كمنهج، فنقل الأحداث بدقة، وأصبح في حالات كثيرة مصدرًا لوكالات عالمية.
يقول أبو البراء الإدلبي، الصحفي في مركز إدلب الإعلامي، “أعتقد أن المصداقية بنقل الأخبار هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاح هذا الإعلام بعيدًا عن الإملاءات، لكن ما يحتاجه الصحفيون والناشطون هو الدورات التدريبية لإكمال تكوينهم الإعلامي، إضافة إلى الحماية داخل الأراضي السورية، فمعظمهم يتعرضون لضغوطات في التنقل من قبل فصائل وكتائب، وهناك صعوبات في التصوير ما يضطر المصور في منطقة معينة للتوجه إلى المسؤول والحصول على إذن لتحديد الأماكن المسموح التصوير فيها، وإلا نتعرض للاعتقال”.
تابع قراءة ملف: الإعلام “البديل” في “الغربال”.. تحسّس رؤوس مع انطفاء بريق الداعمين
الصحافة الورقية الجديدة.. طفرة ما بعد الثورة
هل مؤسسات الإعلام الجديد “غير وطنية”؟
دور الإعلام السوري الجديد “ملتبس”
“إعلام جديد” مقابل تنظيم “داعش” والنظام
الإعلام السوري الجديد في “غربال” المنظمات الداعمة
منظمات دولية دعمت الإعلام السوري الجديد
تأثير في مناطق المعارضة.. وغياب عن “مناطق النظام”
درعا.. تجارب إعلامية محلية تشوبها “المناطقية” وتنقصها الخبرات
“حلب اليوم” تلفزيون “ثوري”.. ينقد الثورة
الإذاعات السورية.. صراع من أجل البقاء ومسيرة يعرقلها “مزاج الداعم”
مرحلة “تحسس” رؤوس.. هل يستمر الإعلام الجديد؟
تجربة شبكة أبراج.. الأولوية “ليست للعمل الجماعي“
تجارب إعلامية تتأسس في الحسكة بعد ارتخاء قبضة النظام
“شام”.. أقدم شبكة إعلامية في الثورة بدون تمويل
استمرارية الإعلام السوري الجديد على المحك
ناشطون: الإعلام الجديد.. يشبه كل السوريين “الأحرار”
تطور آليات التوظيف في المؤسسات الإعلامية الجديدة
الوضع القانوني شرط أساسي لاستدامة المؤسسات
تجارب جديدة في التمويل الذاتي.. “التفكير خارج الصندوق”
شبكات ومجموعات عمل للنهوض بالمؤسسات الإعلامية إداريًا وتنظيميًا
إعلاميون: “الإعلام الجديد” سيقود القاطرة في سوريا
لقراءة الملف كاملًا في صفحة واحدة: الإعلام “البديل” في “الغربال”.. تحسّس رؤوس مع انطفاء بريق الداعمين
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :