عنب بلدي – العدد 60 – الأحد 7-4-2013
«الضياع والتخبط بالمشاعر» أقرب ما يوصف به حال السوريين الذي لخصته كلمات أم شادي: «أجُبرنا أن نعيش حياةً من التشتت والضياع ما كنا نعرفها به سابقًا»، فهي لا تعلم مع من تقف، فابنتها معارضة للنظام وملاحقة أمنيًا وقد اضطرت للسفر خارج البلد أما هي فمعارضة للثورة وأقرب لتكون موالية للنظام، وبرأيها فقد «كنا بخير» و»حكومتنا» ليست بهذا السوء، «نعم يوجد فساد ولكن كنا نعيش بأمان»، وتعارض ابنتها بكثير من النقاشات التي تدور بينهما.
أم شادي، وهي مسيحية، ترى أن «الطائفية» أضحت أكثر توغلًا في المجتمع السوري، فقد عايشت الناس طوال حياتها من خلال عملها كمديرة مدرسة، ولم تشعر باختلاف بين مسيحي أو علوي أو سني، وأن هذه الفوارق باتت جلية «بسبب الثورة». لقد أصبحت الأمور مختلطة ويصعب الفصل بين «الجيد والسيء» و»الصواب والخطأ» أمام واقع «فرض علينا» وهذا الانفصام الذي نعيشه كافٍ ليرهقنا ويجعلنا بحالة توتر دائم.
حال أم شادي كحال معظم السوريين الذين باتوا يشعرون بالضياع والخوف من المجهول، فريم التي استوقفها موت شقيق صديقتها «العلوية» رهف، شعرت بحيرة وتردد عندما أرسلت لها رسالة تقول فيها: «أخي أحمد مات بداريا يا ريم…»، وأحمد جندي يخدم في الجيش النظامي وقد طلب للاحتياط، وارسل من المنطقة الساحلية إلى داريا بمهمة قتالية.
لبرهة، فكرت ريم أن «أحمد» ربما يكون هو الذي اعتقل أخاها وضرب أمها أمام عينيها وقتل ابن عمها في الجيش الحر، وكان ربما سيقتل من بقي لها من أحبة، وربما يكون هو من سرق ونهب في بلدتها، ولكن بالمقابل أحمد هو أخ صديقتها التي تحبها وتعز عليها ولا تنكر فضلها عليها.
باتت ريم في حيرة، فهل تقف مع صديقتها وتحزن لموت أخيها، أو تخبرها بأنه كان على أخيها أن ينشق أو يتهرب من الخدمة ولا يأتي لمدينتنا ليمارس القتل! ربما هو الآخر جاء ليدافع عن «قضية آمن بها» كما أخبرتها صديقتها سابقًا، وهو الذي التحق بالجيش تاركًا دراسته كما ترك غيره زوجاتهم وأطفالهم «ليدافعوا عن الوطن» من شرور «الارهابيين».
لم تستطع ريم البوح بما تشعر به من حزن على صديقتها كما لم تستطع أن تسأل أحدًا ممن تعرفهم في داريا عن موت أخ صديقتها خوفًا من سؤالهم لها عن سبب استمرارها بمصادقة «علوية» لها أخ يقاتل أهلها في داريا، في حين تنتظر صديقتها جوابًا منها عن طريقة موت أخيها في درايا. وللحظات، شعرت ريم أن صديقتها ربما ستكرهها أو ستقطع علاقتها بها كونها من المدينة التي قتل فيها أخوها، وأدركت حجم اللعبة «القذرة» التي قام بها النظام ووقع ببراثنها الشعب السوري عندما زج الجيش في دائرة قتل المدنيين.
أما نور، الموالية للنظام، فقد باتت تتهرب من أي لقاء يجمع بينها وبين أهل زوجها المعارضين، وقد اضطرت للاجتماع بهم في عزاء شقيق زوجها الذي توفي بعد التحاقه بالجيش الحر، فهي مقتنعة أنه سلك الطريق الخطأ وأنهم هم من «خربوا البلد» ويستحقون العقاب لتدرك بعدها أن الذي مات هو أخ زوجها وعم أطفالها ولديه عائلة وأطفال.
مشاعرها وأفكارها المتخبطة بين كونه قريبها وكونه «مخربًا للبلد» لم تمنعها في النهاية من الحزن عليه بحكم صلة القرابة لأنها أدركت أن شقيق زوجها إنسان، والمشاعر الإنسانية تختلف تمامًا عن الاختلاف بالرأي، تلك المشاعر التي لم يتقبلها أهل زوجها ورفضوا أن تبكي عليه كما رفضوا وجودها بالعزاء حتى.
ووجدت رهف المعارضة، رغم أنها من الطائفة العلوية، وأخوتها ضباط في الجيش النظامي، صعوبة في ترك أهلها وبلدها والعيش بمفردها بعد تعرضها للملاحقة الأمنية، لتصفه بشعور قاتل، ولكنها بالمقابل لم تعد تطيق فكرة الوجود مع أهلها المؤيدين في منزل واحد وهي تعلم من يقتل ويذبح. وهي لا تستطيع مصارحتهم بأنها ناشطة بالثورة وليست لديهم معرفة بنشاطاتها، ولا تعلم ماذا يمكن أن يفعلوا لو علموا بما تقوم به، ولذلك فهي تشعر بالقلق والخوف الدائم من سماع خبر مقتل أحد أخوتها على يد الثوار الذين تقف معهم وتساندهم، وشعور بالذنب تجاه عائلتها يخلق داخلها صراعًا لا تستطيع التخلص منه.