تزوير الوثائق شرق دير الزور نافذة لهروب الأهالي

  • 2016/05/22
  • 3:16 ص

بهار ديرك – عنب بلدي

اشتهرت قرى وبلدات عديدة في ريف دير الزور الشرقي منذ أكثر من عقدين بتزوير الوثائق الرسمية، التي اعتمد عليها أبناء هذه القرى في السفر خارج سوريا، ما أنتج سوقًا واسعًا ومراكز، احتضنت قرية الشحيل أكبرها، وحافظت المراكز على مكانتها بعد بدء الثورة السورية، وحتى بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميةعلى المنطقة، بحسب الأهالي.

استمرار عمل المراكز جاء مدفوعًا بعوامل عدة، وفق أحمد الحسن، وهو من أبناء مدينة الميادين، وقال إنها تعمل حتى الآن نظرًا لاتساع الطلب وانعدام الرقابة على الأوراق الرسمية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إضافة إلى غياب العقوبة على هذه الأفعال.

“وجود الفصائل المختلفة وبالأخص جبهة النصرة، دعم سوق الوثائق المزورة”، وفق الحسن، واعتبر أنه لقي تشجيعًا من الفصائل التي كانت “تستفيد ماليًا عبر شبكات الحماية والسمسرة التي تحصل على جزء من الأرباح، وفنيًا من خلال حصول عناصر الفصائل على ما يحتاجون إليه من أوراق ثبوتية وهويات ووثائق ملكية وغيرها”.

تزوير أذونات السفر في مناطق التنظيم

الحسن أوضح لعنب بلدي أن “انتشار ظاهرة التزوير أفرز رموزًا برعوا في عملهم الذي لا يمكن كشفه”، مشيرًا إلى أنه ورغم فرار أغلب المزورين بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المنطقة، إلا أن العشرات مازالوا يعيشون من وراء هذه الصنعة رغم خطورتها، على حد وصفه.

وعادة ما يكون التعامل مع الأشخاص الثقات، بحسب الحسن، بينما تستفيد أطراف مختلفة من الوثائق المزورة منهم المطلوبون للتنظيم، “والذين يغيرون أسماءهم وهوياتهم، كما يلجأ بعض الأهالي إلى تزوير الأوراق الصادرة عن التنظيم، ومنها أذونات السفر”، ولفت إلى أن فئة قليلة تعتمد على ذلك “نظرًا لخطورة الأمر الذي قد يؤدي بمن يرتكبه إلى الإعدام”.

التنظيم يستفيد من تزوير الوثائق

بعد موعد مسبق والعديد من الإجراءات الأمنية، استطاعت عنب بلدي التواصل مع أحد العاملين في مجال التزوير بريف مدينة البوكمال، شرق دير الزور، وأكد أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يستفيد بدوره من تزوير الوثائق.

الشاب، الذي رفض كشف اسمه مختارًا لقب “جبر”، أنهى دراسته الثانوية قبل سنوات، وقال إنه يعمل كسمسار لدى أحد المزورين، واصفًا عمله بأنه “مجرد صلة وصل بين الزبون والبائع، وأحصل على نسبة معينة من المال بينما تذهب البقية إلى جيب المزور”.

ورغم أن “جبر” اعتقل أكثر من مرة من قبل التنظيم، إلا أنه مايزال يسمسر، معتبرًا عمله خطرًا، “نتعرض لعقوبات شديدة تصل إلى السجن والجلد والغرامات المالية وحتى الإعدام”.

التنظيم الذي يمنع عمليات التزوير في مناطقه، يستفيد بدوره من الوثائق المزورة، وأكد الشاب وجود مجموعات تعمل في مجال التزوير بالتعاون مع التنظيم أو بعلمه، وقال إنهم يزورون الوثائق التي يحتاجها التنظيم لتغيير هويات مقاتليه.

أختام رسمية تستخدم في التزوير

عشرات الأختام الرسمية وماكينات الطباعة في مدينة دير الزور، والتي كانت تستخدم في دوائر الهجرة والنفوس، نقلت إلى الريف وبيعت بأسعار مرتفعة لتستخدم في عمليات التزوير، وفق “جبر”.

وأكد نقل كميات كبيرة من الوثائق وجوازات السفر ونماذج أوراق الملكية، إضافة إلى هويات شخصية، وقال الشاب إنها تباع بأسعار وصفها بـ”المرتفعة”، مضيفًا “يصل سعر جواز السفر إلى 400 دولار أمريكي بينما يباع إخراج القيد بـ 20 دولارًا، ويبلغ ثمن الهوية 50 دولارًا”.

التزوير نافذة للهرب

أبو معاذ، نازح من مدينة دير الزور، اضطر إلى تزوير اسم جديد لأحد أبنائه، بعد أن طلبه التنظيم، ويرى أن عمليات التزوير “انعكست إيجابًا على الأهالي إذ ساعدتهم على الهرب من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، والوصول إلى دول أخرى.

واعتبر أبو معاذ في حديثه إلى عنب بلدي أن ما يمر به السوريون اليوم يبرر ما يفعلونه رغم أنه غير قانوني، مردفًا “في النهاية نحن بشر ونريد أن نعيش، تكفينا كل هذه الخسارة البشرية والمالية”.

النازح الذي تخرج في كلية الحقوق وعمل في مجال القضاء لسنوات عديدة، قبل نزوحه إلى ريف المدينة، حيث تحول إلى بائع على بسطة خضار هناك، يرى أن التزوير “أمر ضروري للهرب من قبضة التنظيم، ويشكل طوق نجاة للكثير من شباب المناطق التي يسيطر عليها”، إلا أنه لا يشكك في اعتباره جرمًا ينص القانون على معاقبة من يعمل فيه.

يعاقب القانون السوري على التزوير بحسب “أبو معاذ”، وفق المادة 445 من قانون العقوبات، بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان السند المزور من الوثائق الرسمية التي يعمل بها الموظف، على أن يقر بتزويرها.

كما تتضمن المادة 444 من القانون نفسه، عقوبة لمن يستخدم الأوراق المزورة، ونصت على أن تكون نفس عقوبة مرتكب التزوير الوارد ذكرها في المادة السابقة، وتشمل من يستخدمه وهو يعلم أنه مزور، وفق “أبو معاذ”.

ويرى الأهالي هناك أن التزوير أمر إيجابي، نظرًا لحاجتهم إليه، إذ تمكن العديد من الشباب الذين يلاحقهم التنظيم، من الهرب عن طريق وثائق مزورة، كما تمكنت الكثير من النساء مغادرة مناطق سيطرته عبر تزويرهن تقارير طبية وإقامات في الخارج تبرر خروجهن، في ظل منع جهاز “الحسبة” الذي يتبع للتنظيم خروج أي امرأة بدون إذن مسبق منه.

ورغم الفائدة التي تعود عليهم، يؤكد العديد ممن استطلعت عنب بلدي آراءهم أن التنظيم يعتبر أحد المستفيدين من الأمر، والذي يعتمد إلى حد كبير على تزوير وثائق عناصره ومنحهم أسماء وهويات جديدة، الأمر الذي يسمح لهم بإخفاء شخصياتهم الحقيقية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع