فراس علاوي
في مشهد مقتضب وسريع أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، عن تشكيل التحالف الإسلامي المكون من 32 دولة إسلامية، بقيادة الرياض.
الخبر قد يكون عاديًا بإعلانه في وقت سيطرت فيه التحالفات على المشهد الدولي، وشهدت الساحة الدولية تراجعًا كبيرًا في الدور الإسلامي والعربي، خاصة منطقة الشرق الأوسط، التي تزدحم فيها الأحداث من القضية الفلسطينية التي طالما اعتبرت قضية العرب الأولى، إلى التغيير المتسارع والمتعاقب للأنظمة في المنطقة ابتداءً من تونس مرورًا بسوريا ومصر وليبيا والحرب في اليمن.
بدأ التحالف بتنفيذ السعودية وبعض حلفائها ما أطلق عليه “عاصفة الحزم”، وحققت مكاسب سياسية وميدانية على الأرض، ولجمت تطلع إيران لتحويل اليمن إلى عراق آخر تسيطر عليه، خاصة أن اليمن يشكل الحديقة الخلفية للسعودية أكبر الدول العربية نفوذًا وتأثيرًا سياسيًا.
إن نجاح هذا التحالف المقتضب جعل القيادة السياسية في المملكة تفكر في توسيعه ليشمل دولًا أكثر، خاصة بعد استمرار الحرب في سوريا وتدخل دول إقليمية ودولية فيها ووصول لهيبها حتى مناطق الخليج ودول المحيط السوري كتركيا.
الحافز الأساسي للتحالف هو إيقاف التغوّل الإيراني في المنطقة خاصة بعد دخولها بشكل واضح ومباشر وصريح في الحرب السورية، وظهور جنرالاتها على جبهات القتال، كذلك التدخل الروسي الذي جاء رغم الامتعاض الشديد من دول المنطقة، والصدام الروسي التركي جراءه.
سياسيًا
يعتبر هذا التحالف من الناحية السياسية، إن نجح، قوة ضغط كبرى في العالم خاصة إذا استعرضنا أهم الدول المشاركة فيه.
فالمملكة العربية السعودية تعتبر قوة سياسية كبيرة ومؤثرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ولها تأثيرها المباشر على عدد من الدول، كدول الخليج ومصر ولبنان وبعض الدول في أفريقيا، وخاصة العربية منها، كالسودان وموريتانيا وغيرها وبذلك تشكل قوة سياسية وتصويتية في الأمم المتحدة.
تركيا العضو الفاعل في حلف الناتو ومن الدول المؤثرة في القرار السياسي لدول المنطقة، وهي قوة سياسية لا يستهان بها في المحافل الدولية مع ما تملكه من تأثير على بعض الدول الأخرى.
باكستان الدولة الكبرى والقوة النووية التي لها باع طويل في العلاقة مع أمريكا، والطرف الموازي للهند على الخريطة الدولية، وتملك تأثيرًا على دول أخرى في المحيط.
أندونيسيا وماليزيا وهما دولتان كبيرتان ولهما دور سياسي كبير في منطقة جنوب شرق آسيا.
هذا التنوع الجغرافي للدول المؤثرة في التحالف، والتي تشكل مركزًا وثقلًا سياسيًا في محيطها، يعطي الحلف قوة سياسية ودافعًا للتأثير في السياسة الدولية، خاصة إذا تبنى سياسة خارجية موحدة، في مواجهة ما يحدث في المنطقة والعالم، فإذا شكل كتلة سياسية ضاغطة في اتجاه معين فإنه سيحقق اختراقًا سياسيًا فيها.
جاء التحالف ليبعث بعدة رسائل سياسية للعالم أجمع وللقوى العظمى فيه يمكن تلخيصها في:
- إيران دولة مارقة في المنطقة وهي لا تمثل العالم الإسلامي، بل هي بمثابة العدو لهذه الدول.
2- هذه الدول تمثل الإسلام الحقيقي، وما تقوم به بعض التنظيمات المتطرفة هو إساءة للإسلام، ومن يقمع هذه الظاهرة هم المسلمون أنفسهم، ولن تكون هذه التنظيمات ذريعة لتدخل الدول في شؤون الدول الإسلامية.
3- التحالف قوة سياسية كبيرة مهمتها حل النزاعات في الدول الإسلامية، دون الحاجة لتدخل خارجي قد يعقّد الأزمة بدلًا من حلها، كما حدث بالتدخل الروسي في سوريا.
اقتصاديًا
يشكل التحالف، في حال توحد قراره، قوة اقتصادية لا يستهان بها، بل ربما تكون الكتلة الاقتصادية الأقوى في العالم.
فدول الخليج الداخلة ضمن هذا التحالف تعد الأقوى اقتصاديًا في العالم، كما أن موقعها من خارطة الاقتصاد العالمي إذا ما أضيف إليها القوة الاقتصادية للدول الأخرى المشاركة كباكستان وتركيا وماليزيا وأندونيسيا وغيرها من الدول المشاركة فيه، وكذلك بتوزعها الجغرافي وتأثيرها في أسعار النفط والغاز العالمية.
وبذلك فإن التعويل على هذا التحالف، إن قدر له الاستمرار، هو ظهور تكتل اقتصادي مهم وقوي يقود الاقتصاد العالمي وبالتالي يملك قرارًا سياسيًا مستقلًا وقويًا.
وهي رسالة واضحة توجهها دول التحالف للعلاقات المستقبلية مع دول العالم، فأي مقاطعة اقتصادية لأي دولة من قبل هذه الدول حتى لو كانت دولة عظمى لا بد وأن يتأثر اقتصادها وبقوة.
عسكريًا
تملك دول التحالف قوة عسكرية لا يستهان بها، فجيوش الدول الرئيسية في التحالف تملك قوة عسكرية بشرية واستراتيجية متمثلة بالعتاد وتكنولوجيا الحرب،
السعودية تمتلك أسطولًا من طائرات “إف 16″، كذلك تركيا تملك جيشًا يعتبر من أقوى الجيوش في المنطقة تسليحًا وتدريبًا، أما باكستان الدولة النووية فجيشها يعتبر من أقوى جيوش العالم.
بالمجمل فإن هذا التحالف إذا ما قيض له الاستمرار فإنه سيشكل تغييرًا كبيرًا على الساحة الدولية، لأنه يعني ظهور لاعب جديد يملك كل أوراق القوة استراتيجيًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، هذا اللاعب سيفرض نفسه وبقوة في لعبة الأمم، بل وربما يغير من قواعد اللعبة والتوازنات الدولية في المنطقة.
لذلك فعلى ساسة المنطقة وشعوبها الدفع باتجاه إنجاح هذا التحالف، وألا يكون مجرد رد فعل لوجود إيران القوي في المنطقة، بل أن يكون ردًا على سياسة التجاهل التي عاشتها المنطقة ردحًا من الزمن، وتركت زمام المبادرة لدول أخرى تكون أقل بمقدراتها العسكرية والاقتصادية من دول كثيرة بالمنطقة.
هذا التحالف سيكون اختباره الأول، وأتمنى ألا يكون الأخير، الحرب في سوريا فإن نجح فيها فسيكون تاريخًا جديدًا لشعوب المنطقة واستقلالًا سياسيًا واقتصاديًا لها.
فهل جاء الدور ليكون لشعوب تلك الدول دور حقيقي في لعبة الأمم؟ هذا ما ستثبته الأحداث المقبلة، خاصة الحرب في سوريا، التي قدر لثورتها أن تكون بداية لعهد جديد، في علاقات الدول وفي المسرح السياسي العالمي.