يعرف “اقتصاد الحرب” بأنه مجموعة التدابير التّي تتخّذها الدولة خلال الحروب أو عند اندلاع الأزمات والنزاعات الداخليّة كي يصمد اقتصادها، وترافق ظهور هذا المفهوم مع الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ ابتكرت الدول المنخرطة في القتال، تدابير لتحويل اقتصادها إلى خدمة اقتصاد الحرب، كرفع نسبة الضرائب، واعتماد نظام إنتاجي يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية التماسك على المستوى الداخليّ المدنيّ وكسب المواجهة العسكريّة.
“اقتصاد الحرب” في الحالة السورية، كان له توظيف آخر، عبر رفع الأسعار للمواد الأساسية والبحث عن واردات ورسوم جديدة لخزينة حكومة النظام، بغض النظر عما تسببه من آثار على المواطنين، ما أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر إلى حدود 90% من السكان.
وبعد سنوات من الحرب وصل الاقتصاد السوري إلى أسوأ حالاته، أوشك على الانهيار لولا دعم حلفاء النظام، روسيا وإيران، اللذين ساهما بشكل كبيرة في منع انهياره، إضافة إلى لجوء النظام إلى السحب من الاحتياطي للعملة الأجنبية بمعدل أكبر مما يصُرَّح به، من أجل الاستمرار في الحفاظ على مستويات سعر الصرف ومنعه من الانهيار، وكذلك اللجوء إلى طباعة الليرة السورية دون وجود التغطية الكافية، ما يعني ازدياد السيولة دون وجود سلع مقابلة لها، الأمر الذي سيرفع مستويات التضخم.
تراجع الإنتاج إلى مستويات دنيا، وانعدمت الموارد الاقتصادية، وتسببت حملة النظام، من أجل القضاء على الثورة، بتدمير معظم مراكز الإنتاج الزراعي والصناعي، وهجّرت الأيدي العاملة، وأجبرت أغلبية رؤوس الأموال على الخروج من البلاد، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وانتعاش الاقتتال على مساحة الأرض السورية وخاصة في حلب حيث أكبر مدينة للإنتاج الصناعي في سوريا، وكذلك في حمص ودمشق حيث معامل الأدوية والنسيج والصناعات التحويلية.
طول مدة الحرب في سوريا أنتجت نوعًا من الاقتصاد يسمى “اقتصاد حرب”، الذي تعددت أشكاله، فثمة رجال أعمال استفادوا من الحرب، ومؤسسات وشبكات جديدة نمت معها.
ومن أشكاله، التفنن في “نهب” المواطنين السوريين عن طريق مصادرة مدخراتهم بطرق متعددة، منها رفع الأسعار مع إبقاء الأجور على حالها دون زيادة في وقت انخفضت القيمة الشرائية للعملة بنسبة 90%، إضافة إلى السرقة والنهب وأعمال الخطف الذي تقوم به عصابات تابعة لقوات النظام وميليشياته، وفصائل محسوبة على المعارضة السورية المسلحة.
يضاف إلى ذلك المكاسب المادية التي تحصل عليها الحواجز التي ينشرها النظام في المدن، والتي تقوم بابتزاز المواطنين وإجبارهم على دفع رشاوى وأتاوات من أجل تمرير البضائع، وخاصة في المناطق المحاصرة، ومنها ميليشيات الدفاع الوطني التي تلعب دورًا كبيرًا في الإشراف على الحواجز، وتكسب أموالًا طائلة من خلال وجودها على الطرق الدولية التي تربط بين المحافظات السورية. ويمكن أن تضاف إلى اقتصاد الحرب كل الأعمال غير المشروعة التي تؤدي إلى كسب غير مشروع، كتضخيم الثروات من أعمال التهريب والإتجار بالآثار والاحتكار والسرقة وغيرها.