عنب بلدي – العدد 59 – الأحد 7-4-2013
مالك أبو إسحق – إدلب
تعج محافظة إدلب بالآثار القديمة وتشكل رصيدًا أثريًا لا يستهان به لتوالي حضارات عديدة عليها، وخير شاهد على ذلك حضارة مملكة إيبلا. لكن هذا الرصيد الأثري لم يحظ سوى بجزء يسير من اهتمام وزارة السياحة والآثارسابقًا. أما اليوم وبعد معارك «التحرير» أصبحت معظم المناطق الأثرية خارجة عن سلطة نظام الأسد، ولكن بنفس الوقت لم تحل محله هيئة ثورية فعلية تهتم بالآثار وتحافظ عليها. ما أدى إلى استغلال كثير من «تجار الحروب» لهذه الثغرة ليقوموا باستخراج الآثار الدفينة والآثار الظاهرة وبيعها خارج البلد بأسعار مرتفعة ضمن ما يعرف باسم «تهريب الآثار» واستغلال ثمنها لمصالح شخصية، دون حتى رد شيء من مردودها لصالح الثورة أو الجيش الحر.
هذه التصرفات (من بعض الأفراد) يدفع ثمنها غاليًا تراث أجدادنا، سرقة الآثار لم تكن من قبل تجار الحروب فقط، فقد كان لجيش النظام الأثر الأكبر في نقل هذه الآثار عبر ضباط كانوا متواجدين على حواجز في مناطق أثرية أو قريبة منها وتهريبها عن طريق شبكات أشبه بالعصابات إلى خارج البلد مقابل مبالغ طائلة، فعلى سبيل المثال، شهد متحف معرة النعمان الأثري سرقة جميع محتوياته من قبل جيش النظام بعد دخوله لمعرة النعمان وتحويل المتحف لمنطقة عسكرية تستهدف المدنيين. وبعد تحرير المتحف تبين أن المتحف قد أفرغت محتوياته تمامًا، وأكد أبو معتز، وهو موظف في المتحف، أن «المتحف كان يحتوي على قطع أثرية ثمينة بقيمتها التاريخية والمادية وقد سرق جيش النظام منها ما سرق ودمر ما دمر .»
لم يكتف جيش النظام بـ «محو تراث حضارات الشعوب الماضية» عبر السرقة فقط، وإنما كان يستهدفها بالقصف ليقضي على أجزاء كبيرة ومهمة من آثار المحافظة، إذ دُمرت أعمدة الأبنية بشكل شبه كامل في آثار مدينة البارة في نية لتدمير البناء بتدمير دعائمه حين استهدفت البارة بمختلف أنواع الأسلحة، بحسب ناشطين.
لم يتوقف انتهاك حرمة التاريخ والآثار عند النهب والتهريب، فهناك بُعدٌ آخر لتهميش الآثار، ألا وهوتحويل أراضي المناطق الأثرية لمخيمات نزوح والقيام بعمليات البناء عليها، إذ لا تتبع هذه الأراضي لملكية أفراد معينين، وكانت خاضعة إما لوزارة الإدارة المحلية أو وزارة الآثار والسياحة، فقام بعض من النازحين والمهجرين أو ممن فقدوا بيوتهم بإقامة خيامهم أو الشروع ببناء منازلهم في تلك المناطق. ومن المعروف أن عمليات البناء تتطلب عمليات جرف وحفر الآثار، إضافة إلى ذلك فإن وجود النشاط البشري المستمر المحتك بالآثار يترك آثارًا سلبية عليها. يقول أبو عمار، أحد مشرفي المخيمات الداخلية بمحافظة إدلب والمبني ضمن منطقة أثرية، «اضطررنا بسبب القصف واستهداف التجمعات السكانية ونزوح الأهالي لبناء مخيمات ضمن الأراضي الأثرية مما سبب تدميرًا كبيرًا للأبنية الأثرية فيها، ولكن لم يكن لدينا خيار آخر فالأرواح أولًا.» ولأن غالبية المناطق والأراضي الزراعية تكون متطرفة-أي بعيدة عن التجمعات السكانية-وعن القصف فإن ذلك يجعلها مكانًا يجذب الأنظار للسكن فيها.
هنا تتهافت الأسئلة إلى الأذهان، أين المنظمات من تدمير التراث؟ وأين الحساب لضعاف النفوس لسرقتهم التاريخ؟
تبقى هذه الأسئلة في فلك الإجابة ولكن الصرخة الأكبر تبقى «أرواح أم آثار!»