حمص – أمير الحمصي
بينما تسير التحركات السياسية بخطوات بطيئة، تُطيل من عُمُر الأزمة السورية، وفي ظل انتظار التسليح الموعود منذ أشهر طويلة، يقبع السوريون عامة وأهالي حمص خاصة في ظروف قاسية، المتضرر الأكبر منها هم المدنيون، الذين فقدوا منازلهم وعملهم، والشعور بالأمان في الأماكن التي لجؤوا إليها داخل سوريا.
فالمدنيين في حمص قد هجّروا من أحيائهم مما يقرب من السنة والنصف، ويُقدّر عدد المهجّرين إلى أحياء أخرى داخل حمص ومسجلين في الهيئات الإغاثية بما يقرب من ثلاثمئة وخمسين ألف (حسب مصدر مطلع في الهيئات الإغاثية في حمص)، يضاف لهذا العدد المهجرين إلى أحياء حمص الغير مسجّلين وهؤلاء لا يمكن معرفة عددهم بدقة ـ لكن لا يزيد عددهم عن خمسين ألف (حسب نفس المصدر).
ويبقى عدد المُهجرين الحمصيين بباقي المدن السورية غير معروف لكنه قليل بالمقارنة بالأعداد السابقة، وعدد الحمصيين الموجودين كلاجئين خارج سوريا غير دقيق.
إن عدد سكان حمص الكلي حسب إحصاءات حكومية سورية، مليون نسمة، وعدد المهجرين داخل حمص يقارب نصف هذا العدد، وهذا يعطي صورة عن معاناة مستمرة لا أمل في إنهائها لنصف المدينة، طبعًا إذا تجاهلنا عدد المهجرين في لبنان والأردن أو الموجودين في دول الخليج ومصر، وهذا يجعل تفاقم المعاناة بأشكال مختلفة أمرًا لا مفر منه.
جميع ما ذُكر ربما لا يشكّل الصورة الكاملة، فما يعايشه الحمصي ذاته يعطي عُمقًا أكبر للواقع، وأعتذر إن غاب فيما سأذكر أرقام ذات مصادر موثوقة لعدم وجود جهات تهتم بهذه الجوانب.
إن معظم المهجرين «المُسجلين» داخل حمص هم من الطبقة الفقيرة، والمنتمين لها لا يستطيعون العيش بأمان بسبب أعمال النظام من الاختطاف والاعتقال، وبالتالي فإن بعض هؤلاء الفقراء، لن يستطيعوا الانتظار طويلاً حتى يبحثوا عن أماكن آمنة خارج سورية، حتّى لو عنى ذلك لهم معاناة مالية كبيرة، لكن كل الصعوبات تهون مقابل الحصول على مكان آمن يبيتون فيه. وهذا يعني أول خسارة في عدد سكان حمص.
الصنف الثاني للمهجّرين لداخل حمص هم الغير مُسجلين، ويُعتبر هؤلاء من الطبقة الوسطى، وعامل الزمن يرخي بثقله على هذه الطبقة، فوجودهم باللاأمان، وعدم قدرتهم على إيجاد العمل الذي يكفل عدم انتقالهم للطبقة الفقيرة، يدفعهم أيضًا لتجميع ما بقي من مالهم، والانتقال لبلد عربي بحثًا عن بداية جديدة، وهذا يعني انفصالهم الكامل عن مدينة حمص.
الطبقة الغنية أيضًا من أوائل الطبقات التي فكّرت بالهجرة، بل ونفذّت (معظم أبناء هذه الطبقة لم يهجّر من أحيائه). ولأن طبيعة هذه الطبقة تجعلها بعيدة عن تحمّل المعاناة، فقد هاجر الكثير منها عن المدينة بشكل نهائي!. حتى أن بعضها باعت جميع أملاكها -حتى المنزل- ونقلت جميع أموالها إلى الدولة التي تنوي الهجرة إليها.
وتقدّر وتيرة هجرة هذه العائلات من الطبقتين الوسطى والغنية، بمعدّل عائلة كل يوم! وهذا العدد هو من معاينة يومية لمدة تزيد على ستة أشهر.
هذا سرد من منظور الطبقات الماديّة! فماذا عن الكفاءات البشرية؟
إن الغالبية العظمى من الفئات المتعلمة في حمص، قد هاجرت إلى دول الخليج، بعد أن جفّت فرص العمل داخل سورية. حتى أن هجرة العقول وصلت إلى جامعة حمص، حيث انتقل عدد كبير من طلاب الجامعة للدراسة في دول عربية وأجنبية.
هذان الأمران يعنيان أن حمص فقدت الفئة الشابة المتعلمة، وينبّه لخطورة هذه الهجرة على مستقبل المدينة، فخسارة الأموال ربما تُعوَّض، لكن خسارة العقول والفئة الشابة، لا تعوض إلا بعد سنوات طويلة.