عنب بلدي – العدد 59 – الأحد 7-4-2013
محركات التحول في التنمية
محمد حسام حلمي
تحدثنا في العدد (57) الصادر بتاريخ 24 آذار 2013 عن تقرير التنمية البشري لعام 2013 الصادر بعنوان «نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم متنوع» وكيف كانت نهضة الحنوب ظاهرة فريدة لأول مرة في التاريخ المعاصر من حيث السرعة والنطاق. وأشار التقرير أن عوامل التنمية البشرية لا تقاس فقط بتحسن المؤشرات الاقتصادية، وإنما تقاس بمدى وضع خطط وسياسات اقتصادية واجتماعية مناصرة للفقراء، وتركز على منطق المساواة والعدالة في الحقوق من حيث التعليم والصحة وتامين العمل اللائق بالفرد.
سنتحدث في هذا العدد عن محركات التحول في التنمية التي حصلت في دول الجنوب وعن القواسم المشتركة التي كانت سبب تحول آفاق التنمية البشرية في هذه الدول، وهي الدولة الإنمائية الفاعلة، واختراق الأسواق العالمية، والابتكار في السياسات الاجتماعية.
فقد كان سر نجاح تجربة التنمية في هذه الدول هو عدم اتباعها الإملاءات الخارجية وعدم نسخها وتقليدها للنماذج التنموية العالمية المعروفة.
المحرك الأول:
الدولة الإنمائية الفاعلة
يتوقع من الدولة الناجحة وضع الخطط والسياسات التنموية ذات النظرة المستقبلية المبنية على فهم الواقع الاقتصادي والإمكانيات المتاحة للدولة، ودعمها بالقوانين والمؤسسات والكوادر والقيادات القادرة على تحقيق التماسك المستقبلي. ولكن ما كان يميز الدول التي حققت نموًا مستمرًا في مستويات الدخل وعلى صعيد التنمية البشرية أنها لم تتبع هذه الوصفة. فقد ركزت هذه الدول على سياسات تحل المشكلة التي تواجهها من حيث تنظيم السوق وتشجيع الصادرات وغيرها. ومن الأفكار البارزة التي ساهمت بتحقيق التنمية هي الاستثمار في الإنسان وجعله أساس وحجر التنمية، وليس ملحقًا وتابعًا لها. فالإنسان هو محرك التنمية وليس العكس. وهذا عكس ما كانت تركز عليه الحكومة في سوريا، فلم يكن منطلق التنمية هو الإنسان والاستثمار في التنمية البشرية، فقد سعت الحكومة إلى تغيير القوانين وتقديم تنازلات ضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية ومحاولة تسهيل الاستثمارات.
المحرك الثاني:
اختراق الأسواق العالمية
المبدأ الأساسي الذي اعتمدته الدول الحديثة العهد في التصنيع هو «استيراد ما للعالم خبرة به وتصدير مايحتاج إليه». ولكن آليات وشرط التعامل مع الأسواق العالمية تبقى محورًا مهمًا في تحديد نسبة العائدات التي تبقى متواضعة مالم يكن الاستثمار في الأفراد أساسها ومحورها الأول. فنجاح الدولة في الوصول إلى الأسواق العالمية يجب أن يكون محصلة اندماجها التدريجي في الأسواق العالمي القائم على الاستثمار في الأفراد والمؤسسات والبنى التحتية.
المحرك الثالث:
الابتكار في السياسات الاجتماعية
يجب أن يكون هناك ارتباط وثيق بين النمو والسياسات الاجتماعية، فقد استطاعت البلدان التي لا تعاني من فوارق كبيرة في الدخل الاستفاد بفعالية من النمو في تقليل الفقر مقارنة بالدول التي تشتهر بالفوارق الكبيرة. إن تحقيق المساواة بين المجموعات العرقية والدينية والإثنية يساعد أيضًا في القضاء على الكثير من مظاهر الصراعات الاجتماعية. ويلعب التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والتمكين القانوني دورًا بارزًا في مساهمة الأفراد في التنمية. ويركز تقرير التنمية على ضرورة إعطاء الأولوية والإهتمام بالقطاع الريفي. وفي حال فشل السياسات الاجتماعية في تحقيق أهدافها، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الاحتقان الشعبي وينتفض المحرومين للاحتجاج على هذه السياسات كما حصل في معظم دول الربيع العربي، كتونس، مصر، ليبيا، اليمن وسوريا.
في العدد القادم (إن شاء الله) سنتكلم عن أهمية إعلاء صوت الناس والشباب بشكل خاص وماهي الآثار الناجمة عن تجاهل أصواتهم، وما مدى أهمية المشاركة ومحاسبة الحكومة في حال فشل سياستها في تحقيق برامجها وأهدافها.