سيرين عبد النور – الرقة
“عار يعيش بيننا“، يقول أحد العراقيين من جبل سنجار باكيًا، ويتساءل “ماذا فعلنا لتؤخذ نساؤنا سبايا؟“، مشهد تضمنه تقرير نشرته شبكة BBC، بعد انسحاب تنظيم “الدولة الإسلامية” من سنجار، تشرين الثاني الماضي، بينما تتكرر تلك العبارات على ألسنة أقرانه متسائلين عن مصير نساء وأطفال الطائفة الإيزيدية الذين غدوا “سبايا” لدى التنظيم داخل مناطق سيطرته في كل من العراق وسوريا.
ويعرض التقرير جوانب من حياة “السبايا” داخل مدينة الرقة، المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا، بينما تتباين آراء من تحدثت إليهم عنب بلدي، بين مؤيد للأمر ومعارض له باعتباره “العار الذي يغطي وجه القرن الواحد والعشرين”.
رفض مدني ومحاولات إنقاذ
تتحدث أم محمد (اسم وهمي)، وهي ممرضة كانت تعمل في إحدى مشافي الرقة، عن جارها في حي الثكنة داخل المدينة، وقالت إن لديه “سبيتين”: الأولى بعمر 19 عامًا، والثانية طفلة لم يتجاوز عمرها 13 عامًا.
وكشفت أم محمد طبيًا على الفتاتين ذات مرة، عندما شارفت الطفلة على الموت إثر نزيف حاد، نتج عن الضرب الشديد، وفق الممرضة، وأوضحت أنها توفيت بعد يومين بعد رفض “مالكها” توفير العناية الطبية لها داخل المشفى “لأنها كافرة وكاذبة”، مؤكدةً “فارقت الطفلة الحياة دون أن يعلم بمصيرها أحد”.
تضيف أم محمد لعنب بلدي “كل يوم كنا نسمع أصوات الفتاتين تصرخان من الضرب والتعذيب، دون أن نتمكن من مساعدتهما خوفًا من مالكهما الذي يعمل في الشرطة الإسلامية لدى التنظيم، ويعرف بحدة طباعه وسوء أخلاقه”، معتبرةً أن مايحدث “عبودية واسترقاق وفعل مشين لايرضاه عبد ولا رب”.
وأكدت الممرضة تعاطف السوريين المحليين مع الأسيرات الإيزيديات، مشيرةً إلى أنهم يعتبرونهن “ضحايا لهمجية مرفوضة وغريبة عن السوريين، ولأفعال دخلت مدينتهم مع العناصر العراقية المهاجرة وتوسع التنظيم في المنطقة”.
أم محمد لفتت إلى أن أهالي الرقة “ساعدوا عشرات السبايا على الهروب، كما أن بعض الميسورين منهم حرروا بعض الفتيات بعد شرائهن من عناصر التنظيم”، مشيرةً إلى أن الأمر “أغضب العناصر إذ تعرض بعض الأهالي للمساءلة، وكانوا محل اتهام بتعاملهم مع جهات خارجية، كما نال آخرون عقوبات قاسية”.
ومايزال بعض الأهالي يحاولون حتى اللحظة مساعدة أولئك الأسيرات بطرق مختلفة، وفق من استطلعت عنب بلدي آراءهم من المدنيين في المدينة، واعتبروا أنهم يساعدون “على الأقل في كشف مصيرهن ونقل أخبارهن إلى عائلاتهن”.
آراء مؤيدة لأن “السبي تطبيق لشرع الله”
تتنوع الآراء حول سياسة “السبي” الذي ينتهجها التنظيم، إلا أن هناك أنصارًا لهذه “الفتوى” يشددون على مرجعيتها الدينية وجذورها التاريخية، ومنهم أبو معاذ (اسم وهمي) وهو أحد النازحين من بلدة السخنة في الرقة، ووصف في حديثه إلى عنب بلدي أن ما يجري هو “تطبيق لشرع الله”.
ويرى الشاب أن “كثيرًا من الدسائس دخلت على قصة السبايا، ضمن الحرب التي يشنها المجتمع الدولي على التنظيم، ويلفق عليه القصص لتشويه سمعة عناصره”، معتبرًا أن العناصر “يعاملون السبايا كما أمر الله، ولا يؤذونهن بل يعلمونهن الصلاة والصيام “.
أبو معاذ تحدث عن أسعار “السبايا”، وأوضح أنها “تختلف بحسب ميزاتهن، فقد تكون بضعة دولارات أو تتخطى ألف دولار”، مشيرًا إلى أنها “أسعار فردية يتفق عليها البائع والمشتري، ومن الممكن أن تقدم السبية كهدية”، إلا أنه نفى وجود سوق للنخاسة داخل مدينة الرقة، رغم تأييده لفكرة إنشائه.
التأثير النفسي على “السبايا”
“أكبر عار يغطي وجه القرن الجديد”، عبارة وصف بها المرشد النفسي حسن العلي، الذي يعمل في إحدى المدارس السورية في مدينة أورفة التركية، وقال لعنب بلدي إنه اطلع وسمع عن عشرات الحالات لفتيات استطعن الخلاص من قبضة التنظيم، “وجميعهن تعرضن للعنف والاغتصاب المتكرر”، مضيفًا “تحاول الكثيرات منهن الهرب، وتلجأ إلى تشويه نفسها أو الانتحار طلبًا للخلاص في حال فشلت”.
ويعتبر العلي أن ما يجري يتنافى مع أبسط المعايير الإنسانية والقيم الأخلاقية، بينما أكدت مصادر طبية مختلفة لعنب بلدي، أن العديد من السبايا يحملن ويجهضن بسب الممارسات الجنسية اليومية والعنف الذي يتعرضن له، كما يجبرن على اعتناق الإسلام وأداء عباداته.
ورغم أنه لا توجد أرقام محددة لأعداد “السبايا” لدى التنظيم، إلا أن أغلب المصادر التي تحدثت معها عنب بلدي، أكدت أن عدد الإيزيديات في سوريا لايتجاوز 300 بأعمار مختلفة، موزعات بين مدينتي الرقة ودير الزور، وبينهن أطفال دون سن 13 عامًا، بعضهن حملن وأنجبن خلال فترة وجودهن لدى التنظيم.
عدد قليل من هؤلاء الفتيات استطعن الهرب، خلال الأشهر الأولى من قدومهن إلى سوريا، بعد مساعدة الأهالي لهن حين كانت الرقابة أقل مما هي عليه الآن، بينما أوضحت المصادر أن التنظيم يمنع خروج النساء حاليًا إلا بإذن خاص مايجعل فرارهن مهمة شبه مستحيلة.
ويتساءل وائل العلي، وهو أحد الناشطين الكرد في الجزيرة السورية، ومهتم بقضايا حقوق الإنسان، عن شعور ذوي الفتيات الأسيرات قائلًا “لابد أن لهم أهلًا وإخوة يحاولون الوصول إلى أي معلومة حول مصيرهن”.
الناشط الكردي تحدث إلى عنب بلدي عن قصة لمياء (19 عامًا)، وقال إنها إيزيدية هربت من أسر التنظيم قبل تسعة أشهر، إلا أنها تعثرت بلغم انفجر بها، ما أفقدها بصرها، معتبرًا أن فقدان الفتاة البصر “لم يفقدها حب الحرية والرغبة بالخلاص من العبودية”، متمنيًا “الخلاص لكل الأسيرات المستعبدات عند التنظيم”.
تتكشف يوميًا قصص جديدة من قصص الإيزيديات، اللواتي اختطفهن التنظيم، ونقلهن من جبال سنجار وبعشيقة في العراق، إلى مناطق مختلفة من سوريا والعراق، بينما تتحدث إحصائيات المنظمات الحقوقية الدولية، عن مذابح نفذها التنظيم بحق الإيزيديين، وضبط أكثر من 24 مقبرة جماعية، أكبرها في قرية كوجو شمال العراق، إذ قتل هناك أكثر من 700 رجل، بينما سبيت أكثر من 800 امرأة وطفلة.
العفو الدولية: الإيزيديات يقدمن على الانتحار
قالت منظمة العفو الدولية في كانون الأول 2014، إن الإيزيديات يقدمن على الانتحار، بعد تعرضهن للسبي على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعدما سيطر على مناطق الأقلية الدينية في العراق.
وتعرض أبناء الأقلية الإيزيدية لعملية “إبادة”، بحسب الأمم المتحدة، على يد عناصر التنظيم المتطرف الذي سيطر على مناطقهم شمال العراق، شملت قتل المئات واتخاذ “سبايا”.
وقالت كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو دوناتيلا روفيرا، في تقرير “العفو الدولية”، إن “العديد من اللواتي وقعن ضحية عمليات استعباد جنسية، يبلغن من العمر 14 عامًا أو 15، وحتى أقل من ذلك”.
ما هي الإيزيدية؟
الإيزيدية واحدة من أصغر الأقليّات الدينية في العراق وسوريا، وعدد معتنقيها في أرجاء العالم يقدر بنحو 250 ألفًا، قرابة 50% منهم يتركزون في شمال شرق مدينة الموصل وفي جبل سنجار غرب الموصل العراقية.
توصف هذه الديانة بأنَّها ديانة توفيقية، تدمج عناصر إيرانية قديمة وزرادشتية مع تقاليد مسيحية ويهودية وإسلامية.
ورغم تشابهها في عددٍ من التقاليد مع باقي الأديان، إلا أنها تعتبر دينًا مستقلًا بذاته، ويحاول الإيزيديون أنفسهم وضع معتقدهم في حقبة زمنية سبقت الإسلام، ويطلق على الديانة اسم “الدين الإيزيدي” أو “داسن”.
وتعتبر المعاناة التي تعرض لها الإيزيديون في العراق خلال آب 2014، أحد الأسباب المعلنة لتشكيل الولايات المتحدة التحالف الدولي لشن ضربات ضد مواقع التنظيم في سوريا والعراق.