جناية الأمم في داريا زمن الوحوش

  • 2016/05/15
  • 1:33 ص

محمد رشدي شربجي

قد يبدو الكلام أشبه بدعاية حزبية، إلا أن المطلعين على التجربة والمشاركين بها يدركون عدم وجود عبارات تفيها حقها، بدأت داريا حراكها المعارض مبكرة مقارنة بغيرها، ففي 2003 زمن الصمت الأعظم خرجت المدينة بمسيرات صامتة ضد الرشوة والفساد تنبه لها النظام مبكرًا فاعتقل منظمي تلك المسيرات لسنوات.

من أصل أربعين معتقلًا في اعتصام وزارة الداخلية، الشهير، بعد انطلاق الثورة بيوم واحد في 16 آذار 2011 (أو قبل انطلاقها بيومين) كانت حصة المدينة خمسة معتقلين، ثم ما لبثت أن انتفضت المدينة كاملة بدءًا من الأسبوع الثاني في مظاهرات أسبوعية ثم يومية لم تتوقف.

رغم أن الحراك السلمي كان السمة الأساسية للثورة طوال ستة أشهر، إلا أن المدينة اشتهرت بحراكها السلمي الخاص مثّله ربما غياث مطر بتقديم الماء والورود لقوات الأمن والشبيحة، ولكن هذا لم يشفع للمدينة طبعًا، وعاملها النظام بنفس المقدار من العنف والوحشية، ولعلّ المدينة هي آخر من تحول من المدن نحو العمل المسلح.

بدءًا من تشرين الثاني  2012 تعيش المدينة على وقع حملة عسكرية لا ترحم، تلقت خلالها أكثر من أربعة آلاف برميل أحالتها خرابًا، وبالرغم من الفاقة والضغوطات وقلة الكوادر، أدار المجلس المحلي شؤون المدينة والنازحين خارجها، وهم حوالي 97% من سكانها الأصليين، بكفاءة عالية إذا ما قورن بغيره من التجارب، كما استطاع لفترات طويلة أن يكون صاحب اليد الطولى في قرار العسكر الذين حرصوا بدورهم على التعاون مع المجلس المحلي ما شكل سابقة على المستوى الثوري السوري، وهو ما جعل المدينة عصية على الاختراق من قبل تنظيم “الدولة” أو جبهة النصرة أو غيرها.

ليست التجربة مثالية بكل تأكيد، فقد شابتها أخطاء كما يحصل مع كل تجربة مهما كانت رائدة، ولكن المدينة استطاعت، بالرغم من ألفي شهيد وألفي معتقل لدى المخابرات الجوية، والدمار الهائل، أن تحافظ على اعتدالها في محيط يدفعها يوميًا نحو الجنون.

ماذا فعلت داريا حتى تستحق من هذا العالم القميء كل هذا الحقد والتجاهل؟ هل يقول العالم لكل قابض على جمر العقل في سوريا أن ليس أمامك إلا داعش مأواك الأخير؟ ألا تشعر الأمم المتحدة بالخزي وهي تعود أدراجها بشحنة أدوية لا تحوي غذاءً بعد أن منعها النظام من دخول المدينة المحاصرة منذ ثلاث سنوات ونصف، ثم ينتقم النظام من المدينة ويقتل رجلًا وابنه من أبناء المدينة؟ هل علينا أن نصدق أن الأمم المتحدة العاجزة عن إدخال علبة دواء للمدينة، قادرة على إجبار الأسد على التنازل عن الحكم في عملية انتقالية؟

لا عزاء ولا بواكي لداريا وأهلها، وليس كافيًا أن فيها بشرًا عاديين يريدون الحياة والحرية، حظ المدينة عاثر فعلًا فلم يحاصرها تنظيم “الدولة” ليتفاخر العالم وهو يلقي لها المساعدات الغذائية من الجو، وليس سكانها من أبناء الأقليات لتتصدر المجازر بحقها الشاشات، ولينقذهم العالم بطائراته من كل حدب وصوب، هم بشر عاديون ملعونون، هم فائضون عن اللزوم من أبناء الأكثرية المتوحشة المتمردة على النظام الشرعي صاحب المؤسسات العريقة التي يتهافت العالم للحفاظ عليها من الانهيار، هم بشر عاديون ولذلك استحقوا جناية الأمم زمن الوحوش.

مقالات متعلقة

  1. على هامش ألف شهيد
  2. كم كان الحلم عظيمًا!
  3. داريا الأم
  4. "غاندي الصغير" يذكّر بسلمية الثورة زمن غياث مطر

رأي

المزيد من رأي