حذام زهور عدي
تفاءل السوريون عندما أعلنت المملكة السعودية عن قيام “التحالف الإسلامي” لدحر الإرهاب، وبخاصة إرهاب داعش والقاعدة، واستبشروا خيرًا بعاصفة الشمال ومناوراتها التي برهنت على امتلاك التحالف قوة لا يستهان بها، وشعروا أن لتوقعاتهم الإيجابية ما يبررها عندما تكررت التصريحات الحاسمة لوزير خارجية المملكة الدكتور الجبير بأن على الأسد أن يرحل طوعًا أو كرهًا، فقد وجدوا في هذا التكرار ثقة بالنفس لابد أن تكون قائمة على معطيات مؤكدة تستند إليها، وليست وعودًا خلّبية من الدول الكبرى، فمثل المملكة بتجاربها الطويلة مع السياسات العالمية تستطيع التمييز بين السراب والحقيقي، وبين المناورات والمواقف الجدية.
ومع أن أكثر من سنة مضت على تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا، ومع أن طائراتهم المقاتلة تجوب سماء البلدين كل لحظة وتقصف الأهداف الإرهابية، قبل أن تلتحق بهم الطائرات الروسية الأحدث، إلا أن ما حققوه من انتصارات لم يساوِ إلى الآن مساحة أشبار مما تحتله داعش. والسوريون اليوم لا يناقشون آلية عمل التحالف الغربي الذي شطبوا إمكانية الانتفاع منه في ثورتهم ومعاناتهم، بل على العكس بدؤوا يشكون بنواياه الثعلبية تجاه قضاياهم، إلا أنهم يتساءلون- والسؤال مشروع – أين التحالف الإسلامي؟ وهل خمدت عاصفة الشمال؟
وهل بات سقف التحالف الإسلامي هو السقف الذي ترسمه الاتفاقات الروسية- الأمريكية؟ وبالتالي فإن التدخل الإيراني العلني المباشر بالقوى النظامية والميليشيات التابعة لها مسموح، بينما ممنوع تدخل التحالف الإسلامي حتى لو كان تحت يافطة محاربة داعش والإرهاب؟ ولماذا لم يسمح التحالف الغربي للتحالف الإسلامي بدعمه في محاربة داعش وهو الأكثر تضررًا منها؟ وهل هو تقصير منه عندما اشتم رائحة غير مطمئنة، أم هو مكره أخاك؟ ولماذا لا يستطيع التحالف الإسلامي بدوله المستقلة والغنية أن يمارس حقه بالدفاع عن مصالحه، مثلما يمارس على الأقل ملالي إيران عدوانهم على الشعوب العربية؟
تلك أسئلة أفترض أنها مشروعة، وبخاصة من السوريين الذين كانوا يأملون أن يُنقذهم ذلك التحالف من داعش والنظام الأسدي، إلا أن خفوت صوته شيئًا فشيئًا دفعهم أكثر إلى الإحباط والاعتقاد بشيء من فقدان المصداقية، وهو الأمر الذي لا يتمناه بكل تأكيد السوريون ولا قيادة التحالف الإسلامي نفسه.
والسوريون يستطيعون تفهم الموقف الدولي بحصر الدور الإسلامي على محاربة داعش والقاعدة، خوفًا من اختلال الموازين في سوريا التي حرصوا عليها بدقة غير عادلة في كثير من الأحيان، وهم يتقبلون برحابة صدر ذلك الدور المفروض لأنه يُزيح عن كاهلهم قتال داعش من جهة، وتنسيقها مع النظام الأسدي من جهة ثانية، وفتح أبواب أخرى للشباب المؤمن تُبعدهم عن أبواب داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة أو الأفكار المتطرفة، دون أن يتورط هذا التحالف بأي اقتتال مع الإيرانيين أو النظام الأسدي. إن قتالًا حقيقيًا لما يسمونه الإرهاب، لا شك سيكون حماية واضحة لظهر الثوار السوريين وتوفيرًا لكثير من إمكانياتهم التي تجابه الاحتلال الروسي- الإيراني، فلماذا لم يحارب التحالف الإسلامي داعش في سوريا والعراق؟
إن التصريحات الأمريكية والغربية عامة تشير إلى نقاط ضعفها الأساسية التي سببت تأخر الانتصار، وأهمها عدم وجود كتلة سكانية مؤهلة لحرب داعش على الأرض مستفيدة من تغطيتهم الجوية، ولذلك اعتمدت في العراق على الأكراد والحشد الشيعي والجيش العراقي، لكن الحشد الشيعي أثار من المشاكل أكثر مما قدّم من الحلول، والجيش العراقي بعدما سرّحه كرومر، لم تستطع الطائفية والفساد إعادة تشكيله وتأهيله بما يجعله قادرًا على تأمين أمن بلده وحمايته، أما في سوريا فلم يجد التحالف الغربي غير كتائب حماية الشعب الكردي ليعتمد عليها في محاربة داعش وتعامى عن رؤية تضحيات الجيش الحر التي استطاعت دحر داعش في أكثر من منطقة، وحاول استجلاب بعض أفرادهم ليدربهم ضد داعش واشترط عليهم ألا يمسوا النظام وهم الذين خرجوا لإسقاطه.
كل ما سبق يَفترض منطقيًا حاجة الغرب القصوى للتحالف الإسلامي الذي وحده يعدل الموازين في سوريا والعراق، ويدعم الحلول السياسية ليجعلها قابلة للتنفيذ ويُضفي عليها الواقعية.
فهل يقف الغرب بوجه هذا الحل الأمثل للإرهاب ولمشاكل المنطقة معًا، حاسبًا حساب روسيا وإيران وسلبية أوباما، مكتفيًا بالغارات وزحف الحشد الشيعي بالعراق والقصف المزعوم للطائرات الأمريكية والروسية في سورية، منتظرًا تمدد داعش حتى تصل إليه؟
أم أن التحالف الإسلامي نفسه قد استنزف في اليمن ويضن بجبهة أخرى يفتحها قبل أن يُغلق ملفات الجبهة اليمنية؟
أم هل سنفاجأ قريبًا بأصوات عاصفة الشمال تلعلع في سماء سوريا وأرضها لتنهي أنواع الإرهاب كافة وتُعيد إلى الشعب السوري أمله بحياة كريمة؟
بكل تأكيد، السوريون يحلمون بالحل الأخير فهل يصدق قول الشاعر: ولكن من الأحلام ما يتحقق.