المقاهي والمطاعم.. أبواب للثراء في سوريا خلال الحرب
عنب بلدي – عمر حلبي
لا مجال للاستثمارات الضخمة، ولا مكان للأموال الأجنبية أو المحلية في سوريا حاليًا، فالشكل المتعارف عليه للاقتصاد انتهى مع استمرار الحرب في البلاد، وولد ما بات يعرف بـ “اقتصاد الحرب”، الذي أنتج شخصيات ترتزق على استمرار الصراع. على جانب آخر ظهرت الكثير من الأعمال والأشغال التي تجذب اليد العاملة وتتميز بالدخل المرتفع ولا تحتاج لرؤوس أموال كبيرة.
شهدت السنوات الماضية افتتاح مقاهٍ ومطاعم جديدة في مناطق النظام والمعارضة، وبات هذا النوع من الأعمال مقصدًا للباحثين عن فرصة للاستثمار في سوريا التي تمزقها الحرب.
ويرجع الإقبال على هذا النوع من الاستثمارات، إلى أسباب عديدة أبرزها، قلة التكلفة، والعائد المرتفع نسبيًا على رأس المال، وقلة المخاطر المرافقة لمثل هكذا مشاريع.
يقول علي إبراهيم، مواطن من دمشق، “لم تعد أجواء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، تمنع السوريين من ارتياد المقاهي والمطاعم من أجل الترفيه عن أنفسهم”.
ورغم حاجة هذه المقاهي والمنتزهات للموافقات الرسمية، ولتحقيق شروط محددة تضعها إدارات المحافظات ووزارتا الإدارة المحلية والسياحة، إلا أن الإقبال على افتتاح المنتزهات في نمو مطرد، وخاصة في مناطق سيطرة النظام كطرطوس واللاذقية، وقد أصبحت هذه الأماكن منتديات وصالونات سياسية في مناطق المعارضة، ومتنفسًا للمواطنين في مناطق سيطرة النظام.
وتشير أرقام وزارة السياحة في حكومة النظام، إلى أنه خلال العام الماضي، دخلت نحو 87 منشأة سياحية مجال العمل بكلفة استثمارية إجمالية بلغت 4.5 مليارات ليرة، وكذلك تم تأهيل 213 منشأة سياحية بما يزيد على تسعة مليارات ليرة.
وبلغت الإيرادات من المطاعم في دمشق وحدها 1.2 مليار ليرة، فيما بلغت إيرادات المنتزهات والمطاعم في محافظات أخرى نحو ملياري ليرة سورية.
وفي نفس الفترة، وحسب الإحصائيات المتوفرة، تم افتتاح 380 مطعمًا في مناطق يسيطر عليها النظام وهي ريف حمص الغربي، وطرطوس، واللاذقية.
السوريون قبل بدء الثورة السورية في 2011، التي تحولت فيما بعد إلى صراع مسلح، اعتادوا ارتياد المقاهي بمختلف أصنافهم، رجالًا ونساءً، مثقفين وباحثين، لأغراض عديدة، منها قضاء أوقات مع الأصدقاء وشرب فنجان قهوة أو “نفس نرجيلة”.
في بداية الثورة السورية أصبحت المقاهي مكانًا للقاءات وحوارات ونقاشات سياسية، حول ما يجري في سوريا، كما اتخذها بعض الناشطين مقرًا لاجتماعهم لتنظيم المظاهرات، أو توزيع مناشير ضد النظام خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة أمنية كبيرة من قبل شبيحة الأسد.
المقهى.. مشروع قليل التكلفة وكثير المورد
في أواخر العام الماضي فقدت المقاهي الكثير من زبائنها من فئة الشباب، بسبب الحملات الأمنية الكبيرة التي شنها النظام لسحبهم إلى الخدمة العسكرية، ولأن المقاهي هي أمكنة تجمع الشباب، وخاصة عند وجود مبارايات مهمة في كرة القدم، وقد داهمت قوات النظام العديد من المقاهي، واعتقلت عددًا من الشباب واقتادهم إلى الجبهات للقتال، ما دفع الكثير منهم إلى هجرانها خوفًا من الاعتقال.
إلا أنه في الفترة الأخيرة وبعد تراجع خفيف للحملة وقدوم فصل الصيف، بدأت المقاهي في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تعج بالزوار بالرغم من ارتفاع الأسعار، كما شهدت هذه المناطق افتتاح العديد من المقاهي الجديدة، فهي مشاريع قليلة التكلفة، وكثيرة المردود كما تعتقد، نور محمود، وهي مواطنة دمشقية، مؤكدة وجود إقبال كبير عليها، وخاصة المقاهي المعروفة والتي اشتهرت في آخر فترة بسبب أسعارها المتوسطة والمقبولة.
انتشار واسع للمقاهي.. ومعظم العاملين فيها فتيات
وعن أسباب الإقبال، أوضحت محمود أن المواطن السوري اعتاد مع بداية فصل الربيع القيام بجولات سياحية في أماكن مختلفة في سوريا، إلا أن أغلب هذه المناطق أغلقت نتيجة الأحداث الأمنية التي تعصف في البلاد، فلم يجد المواطن السوري سوى المقاهي والمنتزهات داخل دمشق، للترفيه والخروج من حالة الحرب التي يعيشها منذ خمس سنوات، فتراها مكتظة بالزبائن، وخاصة في الربوة ووسط العاصمة.
انتشار المقاهي لاحظته أميمة محمد (مواطنة)، وقالت لعنب بلدي، إن أكثر ما يلفت في هذه المقاهي وجود فتيات يعملن بها، خاصة وأن أصحابها يطلبون في الإعلانات أن يكون المتقدم للعمل فتاة، بسبب ندرة الشباب وهجرتهم إلى خارج سوريا.
الحرب تنهي وجود الطبقة المتوسطة في سوريا
وعن الإقبال الكبير بالرغم من ارتفاع أسعار المقاهي أوضحت أميمة أنه لم تعد هناك طبقة متوسطة بين أفراد الشعب السوري، والتي كانت موجودة قبل 2011، وقد أدت الحرب إلى انقسام الشعب إلى قسمين، الأول يعاني من الفقر الشديد ولا يستطيع أن يؤمن قوت يومه، وهذه الفئة لا تقترب من المقاهي ولا تفكر بها لأنها لا تملك القدرة المادية، والثاني فئة توصف أوضاعهم المالية بـ “الجيدة”، أو الغنية، وهؤلاء هم أهل المقاهي.
وارتفعت أسعار المشروبات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة نتيجة تدهور الليرة السورية، ووصول سعر الصرف إلى حدود 650 ليرة سورية أمام الدولار الواحد، ففي المناطق التي توصف بالراقية في دمشق كالمالكي والروضة، وصل سعر فنجان القهوة إلى حدود 600 ليرة سورية، كما تقول نور محمود، بينما في مناطق متوسطة مثل ساروجة وصل سعر الفنجان إلى 300، ليرة و”نفس الأركيلة” بين 450 و500 ليرة.
ظاهرة انتشار المقاهي لم تقتصر على دمشق، بل انتشرت بشكل لافت في اللاذقية وطرطوس وبعض أحياء حلب الخاضعة لسيطرة النظام، وكانت هذه الظاهرة منذ ثلاث سنوات مستنكرة من قبل بعض السكان، إذ لم يكن مقبولًا لديهم رؤية الناس في المقاهي، في الوقت الذي تتعرض فيه الأحياء المحررة للقصف والتهجير.
شيئًا فشيئًا اعتاد الناس عليها وزاد انتشارها، بسبب كساد التجارة وتوقف الصناعة، لا سيما في مدينة حلب، فصار الناس يتجهون لهذا النوع من الاستثمار.
“لا يرتاد المقاهي بداية في مدينة حلب سوى المؤيدين وجماعة الله يطفيها بنوره، ممن لا يكترثون بالثورة”، وفق شهادات بعض أهالي تلك المناطق. أما لاحقًا فأصبح جميع السكان يرتادونها، لا سيما من فئة الشباب، مع ضيق الظروف المعيشية والضغوط النفسية، وبعد أن صارت أحياؤهم تتعرض للقصف، فقد غدت المقاهي إحدى طرق “التنفيس”، كما يروي أبو عبدو، وهو ناشط حلبي، ويخص بالذكر “الأراكيل” التي يعتادها الكثيرون.
أحياء الموكامبو والشهباء في حلب مازالت إلى الآن تشهد افتتاح مقاه جديدة، خاصة بعدما أصبح حي الخالدية، والذي كان يحوي الكثير من المقاهي، غير آمن، ويليه شارع النيل الأقل خطورة، فصار أصحاب المقاهي في الحيين ينقلون مقاهيهم إلى تلك الأحياء.
غلاء الأسعار لم يمنع من ارتياد المقاهي
أبو عبدو الحلبي أشار إلى ارتفاع الأسعار بشكل مضاعف، ويقول “بالرغم من ضيق موارد الكسب، إلا أن ذلك لم يمنع الناس من ارتياد المقاهي للهروب من الواقع المأساوي”.
وقد تضاعفت الأسعار في المقاهي خمس مرات وأحيانًا أكثر من ذلك، بحسب نوع المقهى وتصنيفه بين الراقي والمتوسط، وفي هذا الصدد يقول الحلبي “الأركيلة كان سعرها 260 ليرة سورية، الآن نجدها بـ 1500- 1600، وقد تصل إلى 2000 ليرة في بعض المقاهي”، كما شهدت المشروبات الساخنة ارتفاعًا أيضًا، مثل النسكافيه والكوباتشينو، إذ وصل سعرها إلى خمسة أضعاف، في حين صارت علبة الكولا بـ 500 ليرة، وسطيًا، بعد أن كانت بـ 100 ليرة سورية.
الأركيلة “نفس” العاطلين عن العمل
المناطق الساحلية، والتي تشهد هدوءًا نسبيًا مقارنة مع مدينة حلب، لا تختلف كثيرًا، فـ”سكانها يعيش ضغوطًا نفسيةً كبيرةً بسبب غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء والماء، ويعيشون حالات اكتئاب بسبب أخبار الحرب، وإن كانت مدنهم لا تتعرض للقصف”، كما تقول هند اللاذقاني، إحدى سكان اللاذقية، لعنب بلدي.
وترى اللاذقاني أن ارتياد المقاهي صار المتنفس الوحيد للسكان، إذ تشهد البلاد حالة بطالة كبيرة، تلجئ شبابها إلى المقاهي لأخذ “نفس”، مشيرة إلى”أن المقهى بات الاستثمار الأنجح، في ظل كساد التجارة في البلاد”.
تعج المقاهي بالزوار بشكل كبير، لا سيما في أوقات المباريات، كما تروي هند لعنب بلدي، وتضيف “ارتفاع الأسعار في اللاذقية يعتبر قليلًا مقارنة بالمدن السورية الأخرى، أما أسعار المطاعم فشهدت ارتفاعًا كبيرًا، لأن أسعار الدجاج واللحم، ارتفعت أكثر من مدينة حلب على سبيل المثال”.
وتتفاوت الأسعار بحسب هند وفقًا لمستوى المقهى ومنطقته، ففنجان القهوة يبلغ 150 ليرة بالمقهى العادي، في حين يصل إلى 300 بالمقهى الراقي، ونجده في فندق روتانا مثلًا بـ 500 ليرة سورية”.
وتضيف هند “كذلك الأمر بالنسبة للأركيلة، فوسطي سعرها 300 ليرة، وممكن أي يصل إلى 700 بأرقى المقاهي.. أما أركيلة التنباك بـ 250 ليرة، وكأس العصير بـ 600، ليرة ” ما تصفه هند بالأسعار المقبولة.
وتبقى المقاهي في سوريا تستقبل روادها الذين تختلف ذكرياتهم وقصصهم وأحلامهم، لكن يجمعهم فنجان قهوة أو “نفس أركيلة” في مقاه شاهدة على ممارسة السوريين لحياتهم الطبيعية، التي اعتادوها قبل 2011، بالرغم من استمرار الحرب منذ سنوات.
مقهى النوفرة في دمشق
من أقدم المقاهي في سوريا، ويتجاوز عمره 500 سنة، وسمي بالنوفرة نسبة إلى النافورة التي كانت تتدفق بارتفاع أربعة إلى خمسة أمتار في بحرة مجاورة للمكان.
ويقع المقهى في حي النوفرة الذي يطل على الجهة الخلفية الجنوبية للجامع الأموي، ويتكون من صالة داخلية تبلغ مساحتها 60 مترًا مربعًا تتسع لـ 24 طاولة، ومن صالة خارجية مساحتها 30 مترًا تتسع لـ 12 طاولة.ويتميز النوفرة بعمارته العريقة، إضافة إلى إطلالته المميزة، وساحته المرصوفة بأحجار البازلت السوداء، ويحتفظ المقهى بالتراث العريق للمقاهي الدمشقية القديمة المتمثل بوجود الحكواتي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :