طفولة معتقلة

  • 2013/04/08
  • 8:02 ص

عنب بلدي – العدد 59 – الأحد 7-4-2013

محمد داريا
لم تقتصر المعتقلات الأسدية على ما يمكن أن يقال عنها معتقلات بالمفهوم السائد لدى الدول والمنظمات العالمية بل إنها بلغت في التطرف مالم تبلغه أعتى الأنظمة القمعية وأكثرها إجرامًا، حيث لم تقتصر على أشخاص اعتقلوا للاتهام أو للمشاركة في حراك اجتماعي وشعبي ضد السلطة، فرغم ما يقع عليهم من ظلم فإن ذلك متعارف عليه لدى جميع الأنظمة الاستبدادية، ولكنها تعدت ذلك إلى فرض ظلمها على جميع فئات المجتمع ووصل إلى براءة الطفولة. فما حال أطفالنا في معتقلات الأسد؟
يستخدم التعذيب في المعتقل وفق خطة منهجية تهدف إلى إذلال المعتقلين وتدميرهم نفسيًا وجسديًا، تمهيدًا لانتزاع اعترافات منهم، أو من أجل الضغط عليهم على التوقيع على ما يدينهم أو يدين رفاقهم. وقد تم توثيق عشرات الحالات التي كشفت عما يتعرض له الأطفال في أقبية المعتقلات التابعة لنظام الأسد.
لقد نصت المادة رقم (37) من اتفاقية حقوق الطفل على «ألا يعرض أي طفل للتعذيب، أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة…» وعلى أن يعامل كل طفل محروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، ومع ذلك.. نجد أمن النظام يقوم بتقييد الأطفال المعتقلين، وتعصيب عيونهم وضربهم بوحشية لحظة اعتقالهم وقبل وصولهم إلى مراكز التحقيق التي ما إنْ يصلوا إليها، حتى تبدأ مرحلة أخرى من العذاب والمعاناة، فالضرب القاسي لساعات طويلة ولمرات عديدة على مختلف أنحاء الجسم، خصوصًا الرأس والوجه، والهز العنيف المتواصل لدرجة تؤدي إلى فقدان الوعي واضطرابات في عمل المخ تدخل الطفل في دوامة من حالة اللاشعور والهذيان والانهيار، وشبح الأطفال وإجبارهم على الوقوف أو الجلوس في أوضاع غير مريحة لفترة طويلة، هذا .. إلى جانب تركهم في العراء، أطرافهم مقيدة، وأعينهم معصوبة، بلا طعام أو شراب، ودون السماح لهم حتى بقضاء الحاجة.
يعتبر الاغتصاب، أو التهديد به، والإساءة الجنسية للأطفال المعتقلين من أكثر أساليب التعذيب التي تخلف آثارًا مدمرة على صحة الأطفال النفسية، إضافة إلى الأضرار الجسدية الجسمية التي تلحقها بهم.
إن التعذيب المنهجي الذي تمارسه عصابات أمن النظام بحق الأطفال المعتقلين لديها، يخلف آثارًا صحية بالغة الخطورة عليهم، وخاصة أن عمليات التعذيب لا تنتهي مع انتهاء التحقيق، بل على العكس، إن انتهاء التحقيق يعني بداية مرحلة من الألم والمعاناة لهؤلاء الأطفال، الذين يتم عزلهم عن العالم الخارجي في زنازين معتمة وقذرة، لا تدخلها الشمس… يقدم لهم فيها طعام لا يكفي إلا لمجرد بقائهم على قيد الحياة، إضافة إلى كونه ملوثًا وخاليًا من العناصر الغذائية اللازمة لنموهم وتطورهم في هذه المرحلة العمرية البالغة الدقة، إضافة إلى الازدحام الشديد والتعرض للبرد والحر الشديدين والتعرض للأمراض المعدية والحرمان التام من الرعاية الطبية والعلاج.
إن عتبة الألم عند الأطفال والصغار بشكل خاص أدنى منها عند البالغين، فالحبس الانفرادي لفترة طويلة مثلًا، يمكن أن يعتبر نوعًا من سوء المعاملة في حالة الكبار، بيد أنه بالنسبة للأطفال الصغار يمثل تجربة رهيبة تصل إلى حد التعذيب، وربما يكون صحيحًا أن الأطفال يتعافون بصورة أسرع من البالغين من الإصابات السطحية، إلّا أنهم يعانون بصورة أشد من الصدمات النفسية التي يمكن أن توقف أنماط نموهم الطبيعي لدرجة أن بعض الأطفال المفرج عنهم قد أخذت تظهر عليهم نوبات هستيرية ونفسية وعقلية، وبعضهم يعاني من الكوابيس الليلية، إضافة إلى تغيير في النطق اللفظي، وحالات من القشعريرة والخوف والعدوانية، ومحاولة تطبيق اللحظات الغريبة التي مروا بها أثناء التحقيق معهم في أقبية التحقيق ما يستدعي من المجتمع المحيط بهم العمل على مساعدتهم بمختلف الأشكال المتاحة وإحاطتهم بالرعاية والأمان الضروريين لمساعدتهم على تخطي ما مروا به من ألم وجرح قد يطول أثره على مستقبلهم.
هذه لفتة بسيطة علّنا نتنبه لما يعترض ثورتنا من مشكلات مستقبلية علينا جميعًا السعي للإحاطة بها قبل وتطويقها لحماية ثمار المستقبل التي يقع عليها أملنا في حياة حرة وكريمة.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب