عنب بلدي – العدد 58 – الأحد 31-3-2013
إنهاك المجتمع المدني هو إحدى الوسائل التي يعتمدها النظام لمعاقبة الثورة والمناطق الحاضنة لها، وتنوعت تلك الأساليب، وكان من أهمها التضييق الاقتصادي من خلال حرمان المناطق الثائرة من الخدمات والمواد الأساسية.
فبالرغم من غياب أي مظهر للنظام في ريف إدلب المحرر، إلا أن هناك فئة من السكان ما زالت مرتبطة بوظائفها، على الأقل من ناحية الرواتب التي يتم استلامها غالبًا عن طريق بطاقات الصراف الآلي الذي ألغي مؤخرًا في محافظة إدلب، أو عن طريق المعتمدين الموزعين في الريف. ومؤخرًا ظهر العديد من الإشاعات حول إمكانية تحويل قبض الرواتب على الأقل بالنسبة لمديرية التربية في محافظة إدلب إلى مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة النظام، وهذا ما أثار القلق عند العديد من أهالي الريف المحرر نتيجة الخوف من أن يكون ذلك استجرار لاعتقال المطلوبين منهم.
في الشهرين الأخيرين بدأ النظام بأسلوب جديد لمعاقبة المجتمع المدني في المناطق المحررة، وذلك بفصل بعض الموظفين من خدمتهم (حسب القرارين رقم 527 المؤرخ في 24-2-2013 و 678 المؤرخ في 10-3-2013 الصادرين عن رئاسة مجلس الوزراء) وتضم قوائم المفصولين 562 اسمًا، معظمهم من العاملين في مديرية التربية بمحافظة إدلب بنسبة ( 80%)، بينما يتوزع باقي الموظفين المفصولين (20%) بين مديريات ومؤسسات الدولة الأخرى. ويتوقع السكان ازدياد عدد المفصولين من عملهم خلال الفترة المستقبلية.
صدرت قوائم المفصولين دون الإشارة إلى أسباب الفصل، ولكن حسب توقعات المفصولين ممن تمت مقابلتهم من قبل مراسل «عنب بلدي» فإن الفصل يعود إلى أسباب أمنية نتيجة لمساندتهم للثورة أو مشاركتهم في الأعمال الإغاثية والإنسانية، أو حتى بسبب قرابتهم من أفراد تابعين للثوار والجيش الحر. ويرجح أن يكون سبب قرار فصل المدرسين يعود إلى محاولة الأساتذة في ريف إدلب «المحرر» إعادة أحياء عملية التعليم المتوقفة منذ أكثر من ستة أشهر. ونصت المادة الثانية من قرارات الفصل على وقف صرف المستحقات التقاعدية في ضوء النتيجة القضائية، وحسب أحد الموظفين المفصولين فإن موضوع مراجعة القضاء للحصول على المستحقات ما هي إلا إحدى «خدع النظام» كي يستجر الأهالي إلى حواجزه الموزعة حول مدينة إدلب لاعتقال المطلوبين.
وبالرغم من تواضع الراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظفون في الدولة والذي يبلغ ما بين 15000 إلى 30000 ليرة سورية تقريبًا، إلا أن البعض يعتبره في مثل هذه الظروف بمثابة القشة التي يتمسك بها الغريق. فقد تضاعفت الأسعار ووصلت إلى خمسة أضعاف بالنسبة لبعض السلع. وخلال عامين من الثورة نفذت معظم المدخرات النقدية والعينية لمعظم الأهالي.
ولدى لقاء «عنب بلدي» مع أحد الموظفين الذين تم فصلهم تبين أنه متزوج من اثنتين ولديه عشر أبناء وراتبه الشهري يقارب 16000 ليرة، وهو المورد الوحيد الذي تعتمد عليه أسرته. وصرح أحد سكان ريف المعرة الشرقي «لعنب بلدي» أن ورود اسمه في قائمة المفصولين عبارة عن «وسام شرف» يفتخر به، ويعتبر راتبه الشهري الذي سيحرم منه مجرد «تضحية» قليلة في سبيل الثورة، علمًا أن راتبه الشهري كان يبلغ 25000 ليرة وهو يعيل أسرة مكونة من سبعة أبناء، وهو الأن يخطط لبيع سيارته والتي تقدر قيمتها بمئتي ألف ليرة ليتمكن من إعانة اسرته حتى يفرج الله حسب ما ذكر.
معظم الناس في المناطق المحررة ينتظرون من الحكومة المؤقتة الجديدة والائتلاف المعارض أن يبدءا دورهما في إدارة المناطق المحررة، وينظرا بقضية الموظفين المفصولين، وأن يتخذا الإجراءات اللازمة لإعادتهم إلى عملهم وإنصافهم من ظلم النظام، حتى يكون لهم دورهم الفاعل في إدارة المناطق المحررة.