انتفاضة داخل سجن حماة.. والمطلب الرئيسي: الحرية

  • 2016/05/08
  • 2:05 ص

عبادة كوجان – عنب بلدي

يتفرّد سجن حماة المركزي بتمرد هو الأول من نوعه خلال سنوات الثورة ضد النظام السوري، والأكبر منذ مجزرة سجن صيدنايا العسكري في ضواحي العاصمة دمشق قبل ثمانية أعوام، ويدخل حتى ساعة إعداد التقرير، السبت 7 أيار، يومه السادس، يسيطر فيه المعتقلون على معظم مرافقه، بينما تحكم القوى الأمنية المختلفة حصاره بالكامل.

ظهر الاثنين 2 أيار، بدأ معتقلو سجن حماة المركزي تمردًا (استعصاء) مفتوحًا، بغية ثني النظام السوري عن تحويل بعض المعتقلين إلى سجن صيدنايا العسكري (ذي الصيت السيئ)، وهو ما قد يعرضهم لأحكام تعسفية تصل إلى الإعدام، كما حصل مع عدد من المعتقلين سابقًا.

يتّبع النظام السوري سياسة ناعمة في تعامله مع التمرد، وفقًا لما رصدته عنب بلدي خلال الأيام الماضية، فلو استخدم القوة المفرطة لاقتحمه فورًا، لكن ذلك قد يسبب مجزرة كبيرة بحق المنتفضين ضده، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة.

في اليومين الثاني والثالث لـ “الاستعصاء” أخلى النظام سبيل 46 معتقلًا على دفعتين، بعضهم نقل إلى الريف الشمالي الخاضع للمعارضة، وآخرون عادوا إلى منازلهم، وكان ذلك بجهود منظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر، كطرف ثالث، قبل أن يخرجوا من معادلة الصراع بأوامر النظام، الخميس 5 أيار الجاري.

نورس وأبو محمد وأبو راشد، هم معتقلون من مدينة حماة، تحدثوا إلى عنب بلدي عبر الإنترنت، وأقروا بصعوبة الموقف، والحالة الإنسانية التي وصل لها المعتقلون جراء قطع الكهرباء والماء عنهم منذ اليوم الثاني، ومنع دخول الغذاء والدواء كوسيلة ضغط يحترفها النظام السوري، لكنهم أصروا على الاستمرار بـ “الاستعصاء” حتى يخلى سبيل نحو 480 معتقلًا، كان قد وعد النظام بإخلاء سبيلهم، منذ “الاستعصاء” السابق في آب 2015.

يرى أحد المعتقلين الثلاثة، في حديثه مع عنب بلدي عبر “واتساب”، أن للقائمين على الاستعصاء وسائل ضغط ناجعة إلى حد ما، هي التي تكبح القوى الأمنية عن الاقتحام المفرط، كاحتجاز ثمانية عناصر من عاملي السجن، بينهم صف ضابط برتبة “مساعد أول”، إلى جانب وجود سجناء من موالي النظام “هم تحت السيطرة”.

تحرك على المستوى الدولي

وحذر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” من مجزرة يُحضّر النظام السوري لارتكابها في سجن حماة المركزي، وطالب في بيان، الجمعة، بـ “رقابة دولية دائمة ومنظمة على السجون السورية، من خلال هيئة تابعة للأمم المتحدة تقيم في سوريا، وتقدم تقارير دورية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن عنها”.

ودعا “الائتلاف”المنظمات الدولية الموجودة في سوريا، ومنها الهلال الأحمر والصليب الأحمر، إلى التحرك الفوري، والتوجه إلى السجن والوقوف على الوقائع، مؤكدًا أن منظمة “الأمم المتحدة” مطالبة بالضغط الفوري على النظام بخصوص هذا الملف الجزئي.

وعلمت عنب بلدي من مصادر داخل “الائتلاف”، أن اتصالات أجراها رئيسه، أنس العبدة، مع المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، طالبه من خلالها بالضغط على النظام السوري بهذا الخصوص، دون معلومات إضافية.

من جهتها نشرت “الهيئة العليا للمفاوضات” بيانًا عبر موقعها في “تويتر”، الجمعة، قالت فيه “الهيئة تشارك نداء الناشطين السوريين، وتدعو جميع الجهات الدولية للتدخل في منع مذبحة في سجن حماة المركزي”.

على خطى سجن صيدنايا

وأصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا بعنوان “سجن حماة 2016 على خطى سجن صيدنايا 2008″، تحدثت فيه عن تفاصيل استعصاء المحتجزين في سجن حماة المركزي.

ووثق التقرير احتجاز النظام السوري قرابة 762 معتقلًا في السجن الذي تخضع ملفات المعتقلين فيه لمحكمة “مكافحة الإرهاب” في مدينة دمشق بالدرجة الأولى، ثم للمحكمة العسكرية ومحكمة الميدان العسكرية.

كذلك سجلت الشبكة وفاة معتقل واحد في اليوم الرابع للاستعصاء بسبب رفض إدارة السجن إخراجه لتلقي العلاج، وأكدت أن النظام نشر آليات عسكرية في محيط السجن مع مئات قوات المشاة، بينهم ميليشيات لها “صبغة طائفية”، ما يهدد حياة السجناء، وأوصى التقرير “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بالضغط على النظام السوري، كي تكون زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر متكررة ودورية ومفاجئة، ودون وجود لعناصر الأمن.

القانون السوري والاستعصاء

وفي رده على كيفية تعامل القانون السوري مع حالات التمرد في السجون، أوضح المحامي عبد الناصر حوشان، أنه وفي مثل هذه الحالات يتدخل القضاء بإرسال رئيس النيابة العامة إلى السجن للبحث في مطالب المعتقلين، ويتم تنفيذها إن كانت محقة، كما يتم استبعاد القوى الأمنية في التعامل مع المعتقلين أثناء الاستعصاء.

وتابع حوشان، في حديث إلى عنب بلدي، أنه غالبًا ما كانت تشكل لجنة من وزارة العدل ووزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، للبحث بمطالب المعتقلين، وترفع توصية إلى مجلس الوزراء ليتخذ القرار المناسب فيها.

لكن المحامي المنحدر من ريف حماة الشمالي، أشار إلى أنه وأثناء عمله في المحاكم العسكرية لمدة عشر سنوات، كانت جميع الاستعصاءات تفض بالقوة، ثم يحاكم المعتقلون بجرم “إثارة شغب”، وتابع “إن الحلول الأمنية هي التي يتم سلوكها من قبل السلطات السورية في أي تحرك في السجون.. وما مجزرة سجن صيدنايا عام 2008 ببعيدة”.

 

سجن حماة المركزي

أنشئ سجن حماة المركزي عام 1987، بأوامر مباشرة من وزير الداخلية في عهد حافظ الأسد، محمد حربا، ليكون بديلًا عن السجن السابق في حي البارودية وسط المدينة.

ويقع السجن في الناحية الشرقية لمدينة حماة، وتحده المنطقة الصناعية من المحور الشرقي، وحي القصور شمالًا، ومن الغرب أحياء منطقة الحاضر، في حين يحده جنوبًا حي الشريعة وبساتينها المطلة على نهر العاصي.

تبلغ المساحة الكلية للسجن نحو 850 مترًا مربعًا، وينقسم إلى بناءين رئيسيين، ويضم عدة أجنحة مختلفة التسميات، أبرزها “الإرهاب، الشغب، المخدرات، الإيداع”، إلى جانب قسم النساء الذي لم يفعّل أبدًا منذ إنشائه.

شهد السجن عدة حالات تمرد على إدارته (استعصاء)، فسجلت أربع حالات في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب حالتين خلال الثورة ضد النظام السوري، آخرها تجري منذ مطلع أيار الجاري.

ووفقًا لمصادر عنب بلدي، فإن جميع “الاستعصاءات” فضّت باستخدام القوة المفرطة، ووجهت لمنفذيها اتهامات “إثارة شغب”، وحوكموا وفقًا لهذا الاتهام.

الاتصال الخارجي عبر الإنترنت مع الصحفيين والناشطين في وسائل إعلام مقروءة ومسموعة، كان له دور كبير في تصدّر قضية السجن المركزي في حماة، المشهد السوري برمّته، فانتشرت عشرات الصور والتسجيلات المصورة والصوتية من داخل السجن، تزامنًا مع حملات إعلامية سوّق لها الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد تضامني ربما يكون وسيلة الضغط الوحيدة على الأسد.

 

أنا قلق إزاء التطورات في سجن حماة المركزي، حيث حصلت أعمال شغب يوم 1 أيار بعد أن حاولت السلطات إخراج خمسة معتقلين ونقلهم إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة، حيث زُعِم أنهم سيعدموا هناك.

نجح المعتقلون في السيطرة على جزء من السجن واحتجاز بعض الحراس كرهائن، الأمر الذي دفع بالسلطات إلى قطع إمدادات المياه والكهرباء، كما تحاصر قوات الأمن المسلحة السجن ونخشى من أن هجومًا قاتلًا قد بات وشيكًا. مئات الأرواح على المحك، وأنا أدعو السلطات إلى اللجوء للتفاوض أو أي بديل آخر عوضًا عن استخدام القوة“.

 المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين

الجمعة 6 أيار/ مايو 2016

 

لقد مرت ساعات طويلة على قطع إدارة السجن الماء والكهرباء عن المعتقلين، ويجب علينا ألا ننسى أن هناك العشرات من المرضى داخل السجن هم بحاجة أن تصلهم أدويتهم، وخاصة مرضى القلب والسكري، وفي حال إصرار السلطات السورية على إنهاء الاستعصاء عبر الاقتحام بالقوة، فنحن بلا أدنى شك أمام مذبحة شبيهة بما حصل في سجن صيدنايا، تموز 2008، حيث تسبب اقتحام السجن بمقتل العشرات، وفي ذلك الوقت ادعى المجتمع الدولي أنه لا يعلم شيئًا مسبقًا، وهو الآن يعلم“.

 مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني

السبت 7 أيار/ مايو 2016

 

المعتقلون وصلوا إلى مرحلة الانفجار تحت ضغط لا يحتمل، ولا شك أنهم لم يجدوا أي وسيلة أو خيار آخر أمامهم.

أمام فشل المجتمع الدولي والشرعية الدولية في حماية المدنيين من الموت القادم من كل اتجاه، يبدو أن مصير المعتقلين في سجون وأقبية النظام رهن بما يقدرون على تحقيقه بأنفسهم“.

نائب رئيس الائتلاف الوطني، موفق نيربية

الخميس 5 أيار/ مايو 2016

مقالات متعلقة

سياسة

المزيد من سياسة