أهالي حوض اليرموك يرزحون تحت حصار فصائل المعارضة

  • 2016/05/08
  • 1:43 ص

محمد قطيفان – درعا

دخلت منطقة حوض اليرموك، المتاخمة للحدود مع الأردن والجولان المحتل في أقصى غرب محافظة درعا، حصارًا مطبقًا فرضته فصائل “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”، بغطاء من محكمة “دار العدل”، منذ 10 نيسان الماضي، ويهدف إلى تضييق الخناق على التحالف العسكري القائم بين “لواء شهداء اليرموك” و”حركة المثنى الإسلامية”، والذي يسيطر على المنطقة عقب انسحابه من عدة مدن وبلدات تقدم لها في وقت سابق.

حصار على المدنيين لا العسكر

الحصار الذي بدأ بهدف منع وصول الإمدادات العسكرية لداخل المنطقة، تجاوزها ليصل إلى منع المحروقات والطحين والأدوية وحفاضات وحليب الأطفال، ويتحول الحصار من محاولة لتضييق الخناق على الفصيلين إلى حصار أكثر من 50 ألف نسمة تسكن قرى وبلدات، أبرزها الشجرة وجملة ونافعة وغيرها من القرى المتناثرة في حوض اليرموك.

الحواجز العسكرية على مداخل بلدة تسيل، المنفذ الوحيد إلى خارج حوض اليرموك، منعت مرور السيارات والدراجات النارية، وفرضت على المدنيين المقيمين في حوض اليرموك والراغبين بشراء حاجياتهم من خارجه، السير على الأقدام لمسافة تتجاوز خمسة كيلومترات، يقطعون فيها 800 متر تحت رحمة رصاص الاشتباكات بين الطرفين، في حصار استمر 23 يومًا قبل أن يتم السماح بحركة جزئية للسيارات، استمر يومًا واحدًا فقط ولمدة ساعتين.

عنب بلدي تحدثت إلى “أبو عمر”، وهو مراسل “وكالة يرموك الإخبارية” المقربة من “شهداء اليرموك”، وأوضح أن الحصار بدأ يستهدف المدنيين والحاضنة الشعبية للفصيل المتهم بمبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقال “بعد الفشل العسكري باقتحام المنطقة نتيجة مقاومة أبنائها، تحولت الفصائل لسياسة الحصار على أمل إخضاع أبناء المنطقة لشروطهم”.

واعتبر أبو عمر أن العلاقة التي أصبحت تربط “شهداء اليرموك” و”المثنى” بالمدنيين باتت أقوى مما كانت، نتيجة سياسة الحصار والقصف العشوائي الذي تشنه الفصائل على المنطقة، مشيرًا إلى أن “هذه المنطقة تحت سيطرة شهداء اليرموك منذ خمس سنوات، واللواء من أبناء المنطقة ولديه علاقة قوية مع جميع أهلها، واليوم أصبحت العلاقة أقوى بكثير”.

انعكاس الحصار المفروض، وتحديدًا على الأطفال، بدأ يدق نواقيس الخطر، حيث أكد أبو عمر أن المنطقة أصبحت شبه خالية من حليب الأطفال وأصناف كثيرة من الأدوية، وأضاف “الفصائل تمنع وصول حليب الأطفال إلى حوض اليرموك، وهذا دليل إضافي أن الحصار يستهدف المدنيين لا اللواء”، أما عن الوضع الطبي، فإن “لواء شهداء اليرموك” يملك مشفىً خاصًا لمعالجة عناصره، وهي غير مرتبطة بالمشافي والنقاط الطبية في المنطقة والتي تشارف على إغلاق أبوابها، بحسب الناشط.

وامتدت المعاناة لتطال الفلاحين في أوج مواسم الحصاد للأراضي الغنية بالخضراوات في المنطقة، وأشار أبو أحمد، وهو مزارع من أهالي بلدة الشجرة في حوض اليرموك، إلى أن انقطاع المحروقات عن المنطقة تسبب بتوقف مضخات المياه عن العمل، ما أدى إلى استعجاله في قطف المحصول الزراعي قبل تلفه عطشًا، وأضاف “بعد قطف المحصول تم منعنا من إخراجه خارج المنطقة لبيعه، وتوقفت السيارات بسبب إغلاق الجيش الحر في بلدة تسيل للحواجز، ما تسبب بفساد الخضراوات لارتفاع درجة الحرارة”.

أبو أحمد، الذي أبدى استغرابه الكبير من سياسة الحصار المفروضة بالاتجاهين على المنطقة، وتحديدًا منع المزارعين من تسويق محاصيلهم، وما تسببه هذا المنع من خسائر مادية كبيرة، قال “قد أفهم بصعوبة منع دخول المواد إلى المنطقة، لكن ما سبب منعنا من تسويق محاصيلنا خارجها؟ ماذا ستفيد خسائرنا وفساد محصولنا هذه المعركة؟”، وقارن أبو أحمد فساد المحاصيل في المنطقة مع انعدامها بشكل كامل عن أهالي مضايا، وتابع “مفارقة مؤسفة أن الجيش الحر في درعا يتسبب بفساد أطنان من الخضراوات، بينما الجيش الحر في مضايا يدفع روحه ثمنًا للحصول على بضعة كيلوغرامات منها”.

عمل جراحي وليس حصارًا

هذه المعاناة الكبيرة أثارت جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تم اتهام “دار العدل” وفصائل “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” بانتهاج نهج النظام في الحصار والتضييق على المدنين، ما دفع الشيخ عصمت العبسي، رئيس محكمة “دار العدل” للرد بوصف هذه الإجراءات المتخذة بـ “الضرورية والعلاجية”، وقال “العمل في منطقة حوض اليرموك عمل جراحي اضطراري، لأن المنطقة منذ عام ونصف لم تشهد حياة مستقرة”، ووصف العبسي الوضع الحالي بـ “الطفل الصغير الذي يحتاج لعمل جراحي عاجل، وأن مثولنا لابكائه وخوفه من العملية هو بمثابة قتله لا إنقاذه مما يخاف منه”.

وأوضح العبسي في سرده للدفاع عن موقف “دار العدل”، خلال تسجيل صوتي حصلت عنب بلدي على نسخة منه، أنه “من غير المقبول كلما شارف العمل على نهايته نقوم بالتدخل تحت الضغط بحلول تساهم في إطالة العمل أكثر، ونحن أشبه من يأخذ المسكنات ويرفض العلاج الصحيح”، وأضاف أن السياسة المتبعة حاليًا محددة، موضحًا في كلامه “نحن نستهدف منع دخول السلاح للمنطقة في المقام الأول، ثم نستهدف منع دخول المحروقات”، مشيرًا إلى أن “دار العدل” ضبطت شحنات أسلحة يتم تهريبها داخل سيارات تحمل مواد غذائية، كانت متوجهة لمنطقة حوض اليرموك.

واستطرد العبسي في دفاعه عن الإجراءات التي تتخذها “دار العدل”، وقال “مهما طبقنا من إجراءات أمنية، فدائمًا سيتم اتهامنا بأنها إجراءات قاسية وتعسفية”، لكنه أطلق وعودًا بأن المحكمة ستساعد منظمة “تكفيل” بإيصال كميات من الخبز إلى داخل حوض اليرموك كبديل عن الطحين، علمًا أن هذا الإجراء لم يتم حتى ساعة إعداد التقرير، وحاول العبسي التخفيف من حدة الآراء المتداولة، بالقول “نحن لا نعيش حالة مستقرة، وحالتنا هي حالة ثورة، ولا يوجد أي بلد قامت به معارك لم يكن لها آثار جانبية”، واختتم بالإشارة إلى أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى حصار المنطقة لفترة طويلة، بل إن “دار العدل” وفصائل “الجبهة الجنوبية” تعمل على إنهاء هذه الحالة بأسرع وقت ممكن وخلال أيام قليلة.

وكان وفدٌ من أهالي منطقة حوض اليرموك وعدد من البلدات المحيطة بها، التقى رئيس “مجلس محافظة درعا الحرة”، لنقل معاناة أهالي المنطقة وإيجاد حل لها، إلا أن واقع الحصار على الأرض لم يتغير في ظل تجدد المعارك بشكل يومي بين الطرفين، لتصبح منطقة حوض اليرموك هي المنطقة الثانية في سوريا التي تتعرض لحصار المعارضة، بعد بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام في إدلب، رغم اختلافها بأنها قدمت مئات الضحايا في سبيل طرد النظام السوري منها قبل أعوام.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا