طه الرحبي
من أجل حلب الكل بكى وانتحب، من أجل حلب الكل انتخى واجتهد وأرعد وأرغى وأزبد وتضرّع بالدعاء، وشتم من وقف متفرجًا على الصارخين من تحت الأنقاض والمحترقين ببراميل الحقد.. وماذا بعد؟
لسنا من هواة جلد الذات، ولكن لا بد من أخذ العبر والتفكير والتحليل، فحال حلب اليوم يقول أمام كل هذا الدمار “أكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، وحال حلب، أكبر تجمع سكاني واقتصادي، يقول ماذا لو كنت مع البلد منذ البداية، هل كان سيبقى الأسد؟
بعد أن انتهى البكاء والعويل والدعاء بالويل والثبور على النظام وأنصاره وكل من والاه، وطلب العون من القريب والبعيد لإنقاذ حلب، هل يتحمل نظام الأسد والمجتمع الدولي والأصدقاء والأعداء المسؤولية عما يجري في سوريا وحلب، أم أن المعارضة الخارجية، التي ارتهن “أشباه الوطنيين” فيها لإملاءات الدول الممولة والتحق بهم غالبية قادة فصائل الجيش الحر المتشرذمة، تتحمل المسؤولية الكبرى؟
الأسد عدو وكل من يناصر الثورة عدو له، وهو مايجعل الأسد متحفزًا للقضاء على كل أعدائه دون استثناء “وفقًا لمفهومه”، والمجتمع الدولي منغمس في حالة صراع ساحته سوريا، ولا يعنيه كل ما يحدث للشعب.
كما أن “الأصدقاء” يتصرفون وفقًا لمصالح بلادهم على حساب الدم السوري دون استثناء، والأدلة تكاد لاتحصى، وهذا ما لم نتعلمه بعد سنين من الدمار، فالكل يدور في الفلك الأمريكي الذي غض الطرف عن تصرفات روسيا والنظام ومنحهما الضوء الأخضر.
وهنا نسأل لماذا نحّمل أخطاءنا للغير؟ فما قلناه ليس مبررًا لأفعال هؤلاء ولكنه توصيف حقيقي للواقع، وحتى نصل إلى نتيجة مفادها أننا كسوريين علينا تحمل مسؤولية ما يجري. فالقيادة السياسية المتمثلة بالمعارضة الخارجية تحولت إلى مجرد مستغيث لا يجيد إلا لغة الاستنكار والتنديد وإطلاق الشعارات الفضفاضة، بعيدًا عن أي مشروع سياسي وطني مستقبلي يستمد قوته من الثورة القادرة على إسقاط النظام، وبالتالي فإن هذه القيادة فقدت العمق الداخلي وأضحت في حالة تبعية مطلقة للدول، كما أنها افتقدت إلى فن الإقناع والتوجيه والتحفيز والتخطيط للوصول إلى الهدف المنشود.
وتقع المسؤولية الأعظم على عاتق الفصائل التي خرجت من رحم الثورة، وأضحت عالة عليها بعد أن غيرت مسارها وارتهنت للداعمين واكتفت بالشعارات، وحولها الصراع على المناصب والمكاسب إلى وحش مفترس لايهتم إلا لصيده.
الأدهى من ذلك يتمثل في تغير مسار البندقية من القتال ضد النظام، إلى اقتتال الفصائل فيما بينها. وما يحدث في الغوطة الشرقية والجنوب والشمال من اقتتال بين الفصائل أمر يندى له الجبين، بل يندرج تحت مسمى الخيانة للوطن والثورة والدماء.
القادة المتصارعون على القيادة في الداخل والخارج يتحملون المسؤولية الأولى تجاه الوطن والشعب السوري، وتفرقهم وصراعهم وانحيازهم للإملاءات الخارجية يعد السبب الرئيسي في ما نحن عليه الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه أخيرًا: أليس من الظلم أن نحمل النظام والعالم فقط مسؤولية ما يحدث في سوريا؟