أحمد الشامي
بضمانة من الولايات المتحدة وروسيا تم توقيع “هدنة” لا يحترمها سوى الجيش الحر!
من كان يتوقع لهذه الهدنة أن تكون مفتاحًا لحل الأزمة السورية قد خاب أمله، فهذه الهدنة ليست سوى مهزلة جديدة تضاف إلى سلسلة المهازل الدموية التي عرفها السوريون وخبروها جيدًا.
أثناء “الهدنة” تمكن الجزار الأسمر من التباهي بنجاحات سياسته الصعلوكية التي “أوقفت القتل في سوريا”!، وتمكن السفاح “بوتين” من مقايضة “إيقاف الأعمال العدائية” التي لم تتوقف، باتفاقات يأمل لها أن تؤدي لوقف انهيار أسعار النفط الذي يغذي المافيا العملاقة المسماة “روسيا الاتحادية”.
ما اعتبره البعض “هدنة” أسميناه في مقالة سابقة “فاصل ونواصل”، لكنه لم يكن فاصلًا ولا حتى استراحة قصيرة.
معلوم أن أي هدنة أو توقف للأعمال العدائية هي في صالح الجهة الأكثر تنظيمًا، والتي ستكون قادرة على تحسين مواقعها والاستفادة من غباء الطرف الآخر للعودة للقتال في الوقت والظرف الذي يناسبها. هذا بالضبط ما حصل عام 1948، والذي لم نتعلم منه شيئًا لدرجة تدفع لليأس من عجزنا كعرب عن الارتقاء إلى حد أدنى من العقلانية.
كما استفادت الحركة الصهيونية من هدنة 1948 ثم من الهدوء الذي ساد المنطقة ما بين 1949 و1956 لبناء دولة حديثة وقوية وحيازة سلاح نووي، استفاد الأسد وأصدقاؤه الكثر من غبائنا واستمر في الأعمال الحربية كأن شيئًا لم يكن، وها هو يستعد لاجتياح حلب وسحقها.
الأسابيع السابقة سمحت لإيران بالدخول جهارًا نهارًا وبجيشها، وليس فقط بحرسها الثوري، إلى سوريا، الروس لم يسحبوا شيئًا يذكر من قواتهم وأعادوا انتشارهم بما يناسب المرحلة المقبلة للقتال. الأسد أجرى انتخابات لمجلس المصفقين وهو مطمئن لصلابة موقف داعميه.
وحدهم الثوار السوريون لم يستفيدوا شيئًا من هذه الهدنة، والتي سندفع ثمنها أضعافًا مضاعفة، تمامًا كما ندفع اليوم ثمن “الهدنة” التي تلت مجزرة “حماة”.
سيقول قائل “وما الضير في الاستفادة من بضعة أيام من الهدوء؟ ثم إن الأمريكي والروسي يضمنان الهدنة”.
لا نقول برفض الهدنة، لكن الثورة السورية ليست حربًا بين جيشين لكي يتهادن المقاتلون أو حتى يتصالحوا. الثورة السورية هي انتفاضة شعب تعرض للذبح البطيء منذ أربعين عامًا وهو يتعرض لذبح متسارع منذ خمسة أعوام.
الصراع مع الأسد وعصابته وكل من لف لفهم هو صراع وجود لا هدن فيه ولا أمل في مصالحة، لا اليوم ولا غدًا. هذا ليس صراعًا بين مشروع حضاري “صهيوني” وشعب يتعرض للاقتلاع، فالصراع مع الأسد هو لب مستقبل النظام العالمي كله، وهو النظام الذي أوكل للأسد وزبانيته مهمة إبادتنا عن سابق إصرار وتصميم.
يكفي أن نعرف أن نظام العصابة هو المولود الشرعي لنكاح الزنا بين الروس والأمريكيين وإسرائيل، لندرك أن لا فرق على الإطلاق بين الروسي الذي يقصف من الجو، والأمريكي الذي يحاصر على الأرض، والإسرائيلي الذي ينسق حركات الجميع.
هؤلاء هم “أهل الصبي” ولن يناله منهم أي ضرر وكل مايفعلونه أو يقترحونه أو “يضمنونه” هو في صالح استمرار “الصبي” في ذبح السوريين، في ظل لامبالاة تامة من “أمة المليار” المشغولة بتفاهات “ذي فويس” وبرامج “أحلام”.
ماالعمل إذن؟
إن كان أهل الصبي بهذه الوحشية فالمطلوب ليس خفض درجة العنف بل رفعه إلى أقصى الدرجات، وهو ما بدأ بعض الشباب المستنير في “دمشق” بفهمه فقاموا بتنظيم أنفسهم في “فرق عقاب” تستعمل أسلحة خفيفة وسكاكين لذبح زبانية الأسد من حيث لا يعلمون.
هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الصبي، وأهله، ولحرق الأرض تحت أقدامهم، مرة وإلى الأبد، دون أسلحة نوعية ودون “هدن”.