تبعات خطيرة والأهالي يتذرعون بالفقر
زواج القاصرات السوريات في أورفا.. “جريمة تستحق العقاب”
سيرين عبد النور – أورفا
“الزواج قدر الفتاة في النهاية فماذا يمنع إن جاء مبكرًا ، كما أنه ستر على البنت ويبعد همها عن أهلها“، عبارات طرحها أهالي قاصرات سوريات في مدينة أورفا التركية، مبررين ظاهرة زواج القاصرات التي انتشرت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة بين السوريين في المدينة.
ويتذرع الأهالي الذين التقتهم عن بلدي بأنه “لا يوجد مانع ديني أو قانوني، وأن الحرب جعلت من كل شيء مسموحًا”، بينما يقول آخرون إن الأمر كان منتشرًا عندما كانوا في سوريا، ويرى بعضهم أن الحديث في الأمر “يصب ضد المجتمع والدين”.
الفقر سبب رئيسي
“سمر أكبر أطفالي وأحبهم إلي، وأنا أريد سترها في بيت زوج يحافظ عليها من هذه الغربة، ويوفر لها ما أعجز عنه”، عبارة جاءت على لسان الحاج علي، الذي نزح من ريف حلب إلى تركيا، وأوضح لعنب بلدي أن فكرة زواج ابنته التي لم تكمل الـ 15 من عمرها، “ليست خطأ”، مبررًا “نحن مجتمع عربي ومسلم وهذا طبيعي”.
ولا يرى علي حرجًا في تزويج ابنته، معتبرًا أن الأمر مشروع دينيًا، وعُرف متبع في سوريا منذ فترة طويلة، فيما أقر أنه ورغم انخفاض أعمار الفتيات اللواتي يتزوجن، والذي قد يصل إلى 13 عامًا، “إلا أن ما نمر به واقع علينا أن نتقبله، فالكثير من أقاربي في الشمال السوري زوجوا بناتهم بمثل هذا العمر”.
يعيش علي (45 عامًا) داخل غرفة لا تتجاوز أربعة أمتار مع زوجته وثلاثة أطفال أكبرهم سمر، في حي الهاشمية، وتبيع سمر وشقيقها الأصغر المناديل في الشارع، بينما يعمل والدهم في مطعم صغير بأجر لا يتجاوز 500 ليرة تركية، ولا يكفي لتغطية تكاليف علاج زوجته المريضة إضافة إلى أجرة الغرفة وثمن الطعام، على حد وصف علي.
ويعلق أحد جيران الحاجي علي (رفض كشف اسمه) في حديثه لعنب بلدي مشيرًا “الفتاة لا تعرف الكثير عن الزواج، لكنها تعرف جيدًا أنها ستخفف عن أهلها، وتساعدهم بمهرها في تغطية مصاريفهم”.
زواج السوريات من الأتراك.. “كل شيء حدث بسرعة“
في مكان غير بعيد عن سمر، تسكن ريم ذات الـ 17 عامًا مع زوجها التركي، في منطقة الأيوبية بأورفا، بعد أن تزوجت قبل عامين برجل يكبرها بـ 20 سنة، واعترفت الشابة في حديثها لعنب بلدي أنها عجزت عن فهم ما جرى حينها، وتضيف “كل شيء حدث بسرعة، ووجدت نفسي بين ذراعي رجل لا أفهم لغته “.
ورغم ما جرى تعتبر ريم أن العمر ليس مشكلة، مشيرةً إلى أن “خروج الفتيات إلى منازل أزواجهن، حل مثالي لتخليصهن من حياة الشقاء وخاصة في المخيمات، كما أنه اتقاء للعار الذي يمكن أن يلحق بهن، خلال ظروف النزوح وفي ظل تعرضهن للتحرش المستمر”.
ضياع حقوق الفتيات
وبحسب ريم فإن المعضلة الأساسية، “هي ضياع حقوق الزوجات في حال حدوث فراق لأي سبب كان”، وأشارت إلى أن الزواج يجري بدون سند قانوني، سواء بين السوريين أنفسهم، أو حتى مع الأتراك، عازية السبب “لغياب جهة رسمية سورية توثق عقود السوريين، فيما يمنع القانون التركي زواج القاصر تحت 16 ويجرمه ويعاقب عليه “.
ورصدت عنب بلدي حالات أخرى من التجارب التي مرت بها الفتيات السوريات، ومنها عبير ذات الـ 16 عامًا، والتي زوجها أهلها لرجل مسن في إحدى المدن التركية، إلا أنها هربت وتعمل حاليًا خادمة لدى عائلة سورية في حي “سرين” بأورفا.
وأوضحت عبير لعنب بلدي “هربت من زوجي وأهلي الذين باعوني لرجل مسن يضربني يوميًا”، مشيرةً إلى أنها بقيت معه حوالي أربعة أشهر، عانت خلالها مرارًا، وطردت خارج المنزل عدة مرات كما أجبرت على الإجهاض، على حد وصفها.
حاولت عبير شرح معاناتها لأهلها، لكنهم رفضوا استقبالها وأعادوها إلى زوجها، وقالت “كانوا يقولون منا اللحم ومنك العصا، وهذا مادعاني إلى الهرب إلى أورفا وحاليًا أعمل في خدمة العائلة التي أمنت لي مكانًا للسكن مقابل ذلك”.
لزواج القاصرات تبعات ومشاكل نفسية
عنب بلدي تحدثت إلى مدير أحد المعاهد الشرعية في تركيا، الشيخ جمال البدري، واعتبر أن زواج القاصرات رغم مشروعيته الدينية والاجتماعية “وثبوته في أغلب المراجع الفقهية”، إلا أنه شخصيًا لا يشجع عليه لما يحمله من عواقب على الفتاة والأسرة والمجتمع، مشيرًا “رغم كل ذلك هناك فتاوى حديثة تضع شروطًا مشددة على مثل هذا الزواج، من بينها استعداد الفتاة وقدرتها الجسمية”.
بدورها رفضت الدكتورة فاطمة، وهي اختصاصية في التعامل الأسري، وتعمل مع إحدى المنظمات في أورفا، زواج القاصرات ونادت بإيقافه “لأنه مدمر”، وأوضحت لعنب بلدي أن الظاهرة انتشرت في المجتمع السوري منذ سنوات، “بينما تضاعفت الأعداد مؤخرًا نتيجة عدة عوامل أبرزها انتشار الأفكار المتطرفة والعسر المادي”.
وأكدت الطبيبة ارتفاع عدد الفتيات المتزوجات اللواتي يراجعنها بسبب مشاكل صحية، لافتةً إلى أن تزويجهن قبل عمر 16 سنة، “يتسبب لهن بأذىً جسدي لأن نموهن لم يكتمل، إذ يتعرضن للأذى ليلة الزفاف، وإما يجبرن على الذهاب إلى المشفى أو ملازمة الفراش، بسبب النزيف أو تضرر الرحم الذي ينتج عن صغر الجسم وضعف البنية”.
“تحذيرات ومخاطر لا تبدو مقنعة بشكل كاف لكثير من الأهالي، لتوقفهم عن تنفيذ هذا الجرم بحق بناتهم”، يقول المرشد النفسي، علي الحسين، ويؤكد في حديثه لعنب بلدي خطورة الأزمات النفسية التي تتعرض لها الطفلة، “بسبب مرورها بتجربة جنسية في سن مبكرة”.
ويعتبر الحسين الذي يعمل مع إحدى المنظمات السورية في المدينة، أن أغلب حالات الزواج لا تستمر، “لأنها غير قادرة في عمرها”، لافتًا إلى أن “أغلب الفتيات يعدن إلى أهلهن مطلقات بعد فترة زمنية قصيرة، ما يزيد الأزمة النفسية للطفلة”.
ورغم أن العديد من المبادرات للتوعية حول خطر زواج القاصرات، أطلقت من قبل المنظمات والناشطين المدنيين في أورفا، إلا أنها بقيت “هشة” في ظل الأوضاع المعيشية السيئة، ويرى عبد الله العلي، وهو ناشط مدني سوريا في المدينة، في حديثه لعنب بلدي أنه من الضرورة العمل بشكل أكبر بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية، للحد من الظاهرة التي اعتبرها “رد فعل اجتماعي وجريمة كاملة الأركان ترتكب بحق القاصرات “.
تجارب عديدة مرت بها أولئك الفتيات بعد تزويجهن في سن مبكرة، إلا أن أكثرها يبقى طي الكتمان، “فالسوريون كتب عليهم الصمت والصبر في كل شيء”، كما تختم سمر حديثها لعنب بلدي، بينما تنتظر ريم مولودها الثاني مؤكدة أنها سعيدة رغم خطبة زوجها لفتاة سورية أخرى، وتحاول عبير تجاوز أزمتها، إلا أنها ماتزال تخاف من أي شخص يقترب منها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :