هنا الحلبي – عنب بلدي
اصطحب نزيه البرازي والدته التي اشتكت من ألم في بطنها إلى مشفى سراقب، وبعد أن وصف لها الطبيب الدواء، اكتشف الشاب أنه دواء للمفاصل بعد أن تأكد من عدة مصادر، منهم صيدلي متخصص في المدينة، ولولا معرفته بذلك لكان وقع ضرر الدواء على والدته المريضة.
هذا حال الكثير من المرضى في المناطق السورية المحررة، ممن يتداوون عند أطباء غير مختصين، أو عند فنيين ليسوا أطباء، فيصفون لهم الدواء “دون خبرة” استنادًا إلى ما يقرؤونه في الوصفة المرفقة بالدواء.
نسبة كبيرة من المرضى في الداخل السوري المحرر، لا يستفيدون من الخدمة الصحية التي تُقدم لهم، لأسباب كثيرة إلى جانب ما ذكر أعلاه، تؤدي بالنهاية إلى عدم التجاوب مع الدواء وبالتالي استمرار الحالة المرضية التي يعانونها، إضافة إلى أضرار الدواء الذي يستخدمونه بطريقة خاطئة كونه بالنهاية مادة كيميائية تدخل أجسامهم.
وتحصل بعض حالات تضاد الأدوية مع بعضها بسبب تغير الأدوية المستمر، إذ إن كافة الأدوية التي تصل للداخل مقدمة على شكل “هبات” وتبرعات متبدلة باستمرار.
غياب المؤسسات الطبية الشاملة
يُشخص الطبيب جواد أبو حطب، استشاري في جراحة القلب والأوعية، وعميد كلية الطب في جامعة حلب، حالات كثيرة لمرضى قلب يتناولون أدوية للقلب غير مناسبة بسبب وصفها لهم من قبل أشخاص ليسوا أطباء، ما يعتبره “مصيبة كبيرة نواجهها كل يوم”، على حد تعبيره.
يعزو أبو حطب، في حديث إلى عنب بلدي، انتشار مثل هذه الحالات إلى عدم وجود مؤسسات طبية وطنية، تضع خطة استراتيجية شاملة لجلب الدواء وتحديد المستهدفين، ومتابعة نتائج العلاج ومستوى الخدمة وقيمتها، إضافة إلى تأمين الكوادر. إذ “مازالت حتى اللحظة، وبعد خمس سنوات من الثورة، تتولى المنظمات الداعمة هذا الدور” كما يقول أبو حطب، مضيفًا “آن الأوان لإنهاء موضوع الجمعيات الخيرية وإبقائها في حجمها، والانتقال من الإغاثة الطبية إلى ما يُدعى بالتنمية الشاملة”.
وأشار إلى عدم قدرة المنظمات على تغطية الجانب الطبي بشكل كامل، موضحًا “مازال عملها (حتى اللحظة) يقتصر على حالات الإسعافات الأولية (دون الثانوية)…فلا متابعة إلى الآن للأمراض المزمنة”.
فعالية الرعاية الصحية
أجرى الطبيب جواد أبو حطب، دراسة طبية عن “كيفية علاج مرضى الضغط الشرياني” بالأدوية، كمثال لتقييم الرعاية الصحية المقدمة، وتحديد مدى كفايتها وماهية نتائجها.
وتناولت دراسته تحديد مدى ملاءمة الدواء للحالة، ونسبة المرضى الذين يتناولون الدواء المتوفر، وهل من يقوم بوصف الدواء طبيب أم فني، إضافة إلى تحديد نسبة المرضى ممن تستمر متابعة حالتهم من قبل اختصاصي.
وخلصت الدراسة، التي أجراها على مناطق محددة “غير محاصرة” شملت جبل التركمان وجبل الأكراد وريفي إدلب وحماة الغربي، والتي استمرت منذ أيلول حتى نهاية كانون الأول من 2015، إلى أن 39.4% من المرضى يستفيدون من العلاج، في حين 66.7% منهم لا يستفيدون منه.
كما أوضحت الدراسة أن 23.8% من المرضى يعالجون عند طبيب اختصاصي، و47.9% منهم يعالجون عند طبيبٍ عام، في حين يتعالج 28.4% منهم عند فني (ليس طبيبًا) مشيرًا إلى الأثر السلبي لدى المريض من الفئة الأخيرة.
ويرى أبو حطب، أن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه النتائج هي “معاناة المشافي من نقص في الاختصاصات والمعدات، إضافةً إلى غياب القوانين والتنظيم بسبب عدم وجود مؤسسة مراقبة وناظمة للمهنة كنقابة أطباء”.
ويضيف “تفتقر المنظمات الداعمة إلى التوصيف الوظيفي” موضحًا “من الممكن مثلًا أن توظف (داية شعبية) للمعالجة في العيادة النسائية، وهي لاتحمل سوى شهادة خبرة من منظمة أخرى، أو تُعين فنيًا يقوم بعمل طبيب كما في التخدير”.
ويشير إلى أن آلية واعتبارات تحديد الرواتب مجحفة بحق الأطباء، بحيث يُعطى الإداري المقيم في تركيا أضعاف راتب الطبيب في الداخل، منوهًا إلى أن غالبية الأطباء عائلاتهم تقيم خارج سوريا، مطالبًا بضرورة رفع الرواتب، وزيادتها كلما زادت خطورة مكان التوظيف بهدف تثبيت هؤلاء الأطباء.
ويؤكد أبو حطب في نهاية حديثه على ضرورة بناء مؤسسات تعليمية ومشاف ضمن إطار وطني شامل، وهو ما عبر عنه بـ”التنمية الطبية” كحل وحيد للارتقاء بمستوى الرعاية الصحية في المناطق المحررة.