سكان داريا يطورون بدائل لتصنيع وتصليح الإلكترونيات
زين كنعان – داريا
دفع غياب الفنيين المختصين بالصيانة الموهوبين في هذا المجال إلى التعلم وتنمية خبراتهم لسدّ حاجة المدينة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من الأجهزة الإلكترونية، معتمدين مبدأ “الحاجة أم الاختراع“.
وتشهد المدينة أعطًالا متكررة في الأدوات الكهربائية والمولدات التي تولد التيار، بسبب غياب الكهرباء والاعتماد على “خلطة البلاستيك” كبديل عن المازوت، الأمر الذي وفّر طاقة غير منتظمة.
يقول محمد أبو عمار، خريج كلية الفنون الجميلة، والذي يعمل حاليًا على إصلاح الأدوات الكهربائية والإلكترونية في ورشته المتواضعة، “قد لا يكون عملي اختراعًا جديدًا أبصر النور في العالم، لكن في هذه الظروف التي نعيشها وسط انعدام لكل شيء، استطعت إصلاح أعطال في الأجهزة الإلكترونية، كانت مصنفةً قبل ذلك بحكم التالفة”.
درس الشاب الفنون الجميلة، وعمل في الإعلان قبل الثورة السورية، ولم يسبق له أن عمل في صيانة الإلكترونيات، بل كانت مجرد هواية، ويقول “مع بداية الحملة تابعت أعطال الأجهزة الكهربائية في المنازل، وبدأت بمحاولة إيجاد حلول لها، والاتصال مع أصدقاء مختصين في هذا المجال، لأتعلم كيفية فحص الدارات للوصول للأعطال، بالإضافة إلى جمع المعلومات عن طريق الإنترنت”.
وبعد تجارب كثيرة أخذت مجهودًا ووقتًا كبيرًا، استطاع محمّد جمع الكثير من المعلومات عن كيفية فحص الأعطال وصيانتها، وأغلبها شواحن البطاريات والمحولات، والتي أصبحت من الخدمات الأساسية في المدينة لعدم توفر الكهرباء وغياب القدرة على توفير بديل لها بسبب الحصار.
أعطال نوعية واختراعات من لا شيء
تطويق داريا، ومنع إدخال التجهيزات والسلع الأساسية إليها، زاد الطلب على المنتجات الكهربائية وأصبحت الحاجة ماسة لصيانة حتى أبسط الأدوات لأن التالف منها لا يعوض. ويلفت أبو عمار، إلى أنه بعد مرور كل هذا الوقت، أصبح من المستحيل الحصول على بطارية صالحة أو جديرة بالاستخدام داخل المدينة، ومعظم الموجود حاليًا بصلاحيات محدودة أو دنيا، وحتى الأجهزة المتعلقة بالشحن وأجهزة الكومبيوتر الشخصية ومقويات الشبكة والأجهزة التي تقوم بالتقاط وبث إشارة الإنترنت أصبحت أعطالها كثيرة، بسبب عدم توفر الكهرباء المنتظمة.
أغلب هذه الأعطال التي يواجهها أبو عمار لم يسبق أن حصلت في الحالات الطبيعية، وعند التواصل مع فنيين مختصين ووكالات الصيانة، يقولون إنه لم يمر عليهم مثل هذه الأعطال، ويضيف الشاب “لم يبقَ أمامي إلا إجراء الكثير من التجارب، إذ استطعت صيانة مقويات الشبكة وأجهزة النت الفضائي والراوتر وحتى شواحن الجوالات التي تعمل على الكهرباء المتناوبة والمستمرة، ومن خلال بعض القطع الإلكترونية تمكنت من صناعة شواحن جوالات قد لا تكون بكفاءة عالية، ولكنها تخدم المدينة وتسد حاجتها”.
أجور زهيدة وشغف كبير
لم يتلق أبو عمار أي دعم أو مساندة على هذه الأعمال بل كانت مجهودًا فرديًا، بحسب تعبيره، ويضيف “تمكنت من خلال شغفي بهذا المجال أن أخدم مدينتي وأتلقى أجورًا زهيدة لأستطيع الاستمرار في هذا العمل”.
أصبح الشاب اليوم مقصد جميع الأهالي المحاصرين لصيانة الأجهزة التي تتعرض لأعطال، ويوصف بأنه “الشخص الذي لا يصعب عليه شيء”، وذلك بحسب أحمد أبو ياسر، وهو شاب عشريني، يقول “الحصار الذي نعيش فيه جعل من أبسط الأشياء أو الأجهزة التي نستخدمها بشكل يومي ذات قيمة عالية جدًا، وتعطلها يعني فقدانها بسبب استحالة الحصول على بديل، وهنا جاء دور بعض الأشخاص الذين تحملوا مسؤولية تخطي هذه العقبة ومواجهة الحصار والإبداع في عملهم”.
فراس أبو كنان (25 عامًا)، مقاتلٌ في الجيش الحر، وحاصل على شهادة التعليم الثانوي في المجال الأدبي، تعلّم أيضًا كيفية صيانة بعض الأجهزة الإلكترونية وتصنيع الدارات بالاعتماد على الإنترنت، وإجراء الكثير من التجارب. ويقول “أصنع شواحن البطاريات والجوالات بالإضافة إلى صناعة المحولات وذلك بعد تجارب كثيرة والبحث على الإنترنت”.
ويضيف الشاب “الإلكترونيات لم تكن يومًا من اختصاصي، ولكنها مجرد هواية، استطعت في هذه الحملة تنميتها وإثبات قدرتي على العمل بها”.
النجاح في تطوير الإلكترونيات وإصلاحها لم يكن هو الأول في المدينة المحاصرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، كالتحوّل إلى زراعة المحاصيل الزراعية للتغلب على منع المواد الغذائية، وتكرير المازوت من البلاستيك، وتصنيع لواقط إشارة لغياب شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة عن المدينة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :