الهدوء يخيم بعد قصف استهدفها للمرة الأولى وأوقع ضحايا
مواجهات القامشلي غيّرت خارطة السيطرة.. ما سيناريوهات استمرارها؟
عنب بلدي – حسن مطلق
خيّم الهدوء على مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، بموجب هدنة بدأت ظهر الجمعة، 22 نيسان، بعد سلسلة من الاشتباكات جرت على مدار ثلاثة أيام بين الوحدات الكردية وقوات “الأسايش” من جهة، وبين قوات النظام السوري وميليشيا الدفاع الوطني “المقنعون” بقيادة محمد الفارس من جهة أخرى، وشهدت تغييرًا في خارطة السيطرة داخل المدينة.
وتحول القصف والاشتباكات إلى “هدوء حذر” وفق مراسل عنب بلدي في المدينة، بعد إعلان القيادة العامة لقوات “الأسايش” وقف إطلاق النار “تلبيةً لنداءات وجهاء المنطقة وشيوخ العشائر، اعتبارًا من ظهر الجمعة”، بينما تلتزم الأطراف بتمركزها داخل النقاط الجديدة التي سيطرت عليها خلال المواجهات، بحسب المراسل.
وتبدأ الهدنة بحسب قوات “الأسايش” في محاولة “للتوصل إلى صيغ مناسبة تضمن أمن أبناء المنطقة وأهلها”، بينما توعدت برد قاسٍ في حال استغلالها من قبل النظام، فيما تحدث ناشطون عن اجتماعات لرموز النظام داخل مطار القامشلي بخصوص القضية.
“الأسايش” عزت في بيانها، الجمعة، أنها تدخلت “بعد محاولات استفزازية من النظام التدخل في شؤون المجتمع وسَوق الشباب الكرد إلى جيشه واعتقالهم، إضافة إلى محاولات تسليح المدنيين، واستهدافه دوريات تابعة لقواتنا، ما تسبب باستشهاد ثلاثة من أعضائنا، واعتقال بعض الشباب”.
بينما قال المتحدث الرسمي باسم وحدات حماية الشعب، ريدور خليل، إن الوحدات تدخلت بعد هجمات النظام على المدنيين ومقتل عدد منهم، مشيرًا إلى أن “النظام يعيش حالة احتضار، ويرغب في إطالة عمره من خلال الهجمات وقصف مدينة القامشلي”، كما أكد “نحن مستعدون لحماية المواطنين إذا فكر النظام بتصعيد الموقف”.
بداية المواجهات وحصيلة اليوم الأول
الوحدات الكردية و”الأسايش” عزت تدخلها “لإفشال مخطط النظام في خلق الفتنة بين مكونات المنطقة”، وسيطرت على سجن القامشلي المركزي (علايا)، كما تقدمت باتجاه مواقع أخرى في المدينة، أبرزها سيطرتها على مواقع في الجهة الغربية من المربع الأمني الذي يسيطر عليها النظام.
وبدأت المواجهات ظهر الأربعاء، 19 نيسان، أصيب خلالها مدنيون نقلوا إلى مشفى “نافذ” الخاص في المدينة، إثر الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والدوشكا، وأوضح الناشط الإعلامي روهات محمد لعنب بلدي، أنها جرت في نقطة العبور بين شرق وغرب القامشلي، وبالتحديد عند دوار السبع بحرات.
وأضاف محمد أن قوات الحماية الكردية، طلبت المؤازرة من باقي معسكراتها القريبة، وفرضت طوقًا أمنيًا حول المدينة، كما نصبت حواجز تفتيش على جميع المداخل المؤدية إلى المدينة وخصوصًا في المنطقة الجنوبية، ما دعا أصحاب المحال التجارية إلى إغلاقها وسط إطلاق نار عشوائي.
الوحدات الكردية سيطرت بعدها على عدة مبانٍ حكومية وأجزاء من سجن القامشلي، في ساعات متأخرة من مساء الأربعاء، بينما هاجم عناصر من الوحدات دورية تابعة لفرع المخابرات الجوية بالقرب من المربع الأمني وسط المدينة، وأسرت كافة عناصرها، بينما قتل ثمانية عناصر من “المقنعين”.
وأشار سيان ماري، القيادي في الوحدات الكردية، أن عناصر تابعين للوحدات اقتحموا دائرة التأمينات الاجتماعية، التي تخضع لسيطرة النظام السوري، في وقت متأخر من مساء الأربعاء، ومزقوا صور بشار الأسد، مؤكدًا أسر خمسة من جنود النظام هناك.
وأضاف ماري، في حديث إلى عنب بلدي، أن عناصر الوحدات أسقطوا طائرة استطلاع تابعة للنظام بالقرب من حي المصارف، مؤكدًا أن “ميليشيا المقنعين يتبعون لحزب البعث الحاكم، وسلحهم النظام لتنفيذ أجنداته في المنطقة، ومنحهم رواتب شهرية كمرتزقة، ويحاول تحريك هذه الورقة ضد مكونات القامشلي”.
مجريات اليوم الثاني
وأحكمت الوحدات قبضتها على السجن، فجر اليوم الثاني الخميس 21 نيسان، وأوضح أوميد سيد لعنب بلدي، وهو عنصر في الوحدات التي شنت هجومًا على السجن، أن القوات سيطرت عليه بشكل كامل “بعد استمرار الاشتباكات لساعات طويلة، كما سلم جميع عناصر النظام الموجودون في السجن، وعددهم 45 عنصرًا، أنفسهم إلى وحداتنا”، وأطلق سراح جميع المعتقلين داخله.
وتركزت الاشتباكات الخميس، وسط القامشلي ولا سيما في السوق المركزي، مع تحليق للطيران الحربي التابع لقوات الأسد في سماء المدينة، وسماع أصوات المدفعية الثقيلة المتمركزة في المطار.
كما جرت اشتباكات في شارع الوحدة إضافة إلى المنطقة القريبة من دوار الخليج داخل المدينة، وفق العنصر، الذي أشار إلى أن أربعة من عناصر الوحدات جرحوا، بينما قتل عدد من عناصر النظام.
مسلسل قذائف الهاون بدأ في اليوم الثاني، واستهدفت الأحياء الكردية في المدينة القامشلي، لأول مرة منذ بداية الثورة السورية، ما خلف عددًا من الضحايا والجرحى، وتركز سقوط القذائف على كراج “كاتربيلر” في المنطقة الغربية من المدينة، فيما سقطت قذائف على أحياء الزيتونية والسياحي والعنترية، من قبل قوات النظام المتمركزة حول المطار الدولي، والفوج العسكري في طرطب جنوب القامشلي.
النظام يجند شباب القامشلي في اليوم الثالث
واستمرت الاشتباكات وسط المدينة لليوم الثالث على التوالي صباح الجمعة، 22 نيسان، بينما جند النظام السوري عددًا من شباب المدينة للقتال في صفوفه، في ظل امتداد الاشتباكات إلى حي الوسطى وشارع القوتلي، وصولًا إلى شارع الفرن الآلي، وشهدت المدينة حينها حركة نزوح وصفها مراسل عنب بلدي بـ “الكثيفة” باتجاه المناطق الآمنة والريف.
ونصبت قوات الأسد خيمة لتجنيد الشباب في حارة الطي (يقطنها العرب الموالون للنظام) داخل المدينة، بإشراف مباشر من مخابراته وميليشيات الدفاع الوطني (المقنعون)، بقيادة محمد الفارس. وأشار المراسل إلى أن شبابًا من عائلات الكريدي والتركي والبوعاصي والخزيم والشرمان، انتسبوا للقتال في صف النظام وتسلموا أسلحة كلاشينكوف مع ذخيرتها.
الاشتباكات أسفرت في نهاية المطاف عن قتلى وجرحى من الطرفين، وأعلنت قوات “الأسايش” مقتل سبعة من عناصرها، وثلاثة من عناصر الوحدات الكردية، إضافة إلى 17 مدنيًا، قتلوا إثر قصف النظام أحياء المدينة، بينما قتل 31 عنصرًا من الأخير، وأسر أكثر من مئة من عناصره، وفق “الأسايش”.
فيما اعتبر ناشطون من المدينة أن التقدم كان لصالح YPG، التي تمكنت من السيطرة على سجن علايا، والملعب ومنطقة الفرن والبريد، وشارع الوحدة، وبالتالي ضيقت الخناق على النظام، وقيّدت من حركته داخل القامشلي، ما يسمح للأهالي بحرية حركة أكبر بعيدًا عن مناطق النظام.
سيناريوهات استمرار المواجهات
مواجهات القامشلي طرحت تساؤلات عديدة حول سيناريوهات استمرارها، ورأى بعض المحللين السياسيين الأكراد، أنها تهدف إلى إبعاد النظام عن “مقاطعة الجزيرة”، دعمًا للمشروع الأمريكي في المنطقة، وخاصة في ظل وجود القاعدة الأمريكية في حقل الرميلان النفطي، التي تصلها وتغادرها مروحيات محملة بالأسلحة والذخيرة كل فترة.
الأكاديمي الكردي، وعميد كلية الفرات سابقًا، الدكتور فريد سعدون، اعتبر أنه ليس هناك حربًا مباشرة بين النظام و YPG، إذ لم تستخدم الأخيرة الأسلحة الثقيلة، وخاصة أنها تحاصر المدينة وتمتلك دبابات ومدافع وراجمات وصواريخ، كما لم يستخدم النظام الطيران ولا الراجمات ولا مدافع الميدان المتمركزة في المطار والفوج القريب من المدينة.
كما أن حي الطي الذي تعرض لقصف بالرشاشات، لم يقصف بالمدفعية أو الهاون، رغم أنه محاصر تمامًا من الوحدات وقوات “الأسايش”، ولفت سعدون إلى أن “قوات YPG تستطيع اجتياحه وتدميره بسهولة ولكنها لم تفعل”، إلا أنها فرضت طوقًا أمنيًا على الحي مع بدء الهدنة.
ومن الممكن أن يستفيد تنظيم “الدولة” من المواجهات في المنطقة، وفق سعدون، “إذ ستضطر YPG إلى سحب قواتها من جبهات القتال مع داعش، ونقلها إلى المدن للدفاع عنها ضد هجوم الدفاع الوطني والنظام، وهذا سيترك فراغًا كبيرًا لعودة داعش إلى المحافظة”.
وأوضح سعدون لعنب بلدي أن قصف القامشلي بالمدفعية والطيران (إن حصل)، “سيمهد الطريق لأن تقصف YPG المطار، وبالتالي تدمير صلة الوصل الوحيدة لإمداد قوات النظام والعشائر، وحصارها داخل المحافظة، كما ستتوقف رحلات الطيران مع إيران”.
الأكاديمي الكردي ألمح إلى أن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، “لا يقبل تدمير القامشلي، وبالتالي من الممكن فتح الحدود لتقديم المساعدة اللوجستية، وربما يتطور الأمر إلى إرسال قوات بشمركة”، معتبرًا أن “هذا الإجراء لا يحظى بقبول YPG ولا النظام “.
وفي رد فعل غير متوقع، قد تهاجم قوات YPG نصيبين (مدينة تركية على الحدود مع سوريا)، بحسب رؤية سعدون، وأضاف “سيختلط الحابل بالنابل، وعندها يتدخل الجيش التركي في مواجهات القامشلي، وتتورط تركيا في القتال بشكل مباشر”، مؤكدًا أن “العشائر العربية ستدفع ثمنًا باهظًا، وسيخسر الشعب بكل تأكيد من الطرفين”.
ولا يمكن التنبؤ بالسيناريو الأقرب إلى الواقع في الوضع الحالي، نظرًا لحساسية موقع مدينة القامشلي ومحافظة الحسكة ككل، وخاصة عقب تصريحات الزعيم الكردي صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي، لصحيفة “عكاظ” السعودية، منتصف نيسان الجاري، إذ اعتبر أن الوحدات الكردية (ممثل الحزب على الأرض)، مستعدة لقتال النظام السوري، مردفًا “أما عن مؤسساته في الحسكة فليس مهمتنا تخريبها، إذا كان النظام لا يهاجمنا، لأنها ملك للشعب وليس للأسد في النهاية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :