جودي عرش – حمص
لم تعش نساء مدينة حمص، المجتاحة عسكريًا من قبل قوات الأسد، الأمان سوى على التلفاز التابع للنظام، أو على مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة، ولم يكن خوفهن الوحيد هو العبوات الناسفة التي يزرعها في الشوارع المكتظة بين الفينة والأخرى، بل زاد على ذلك حوادث الخطف والاعتقال التي تعترضهن بشكل شبه يومي، إضافة الى جرائم القتل التي ازدادت في الآونة الأخيرة، والتي وصفها الناشطون بأنها باتت “غير محتملة” على الإطلاق.
هذا ما يحدث في كنف النظام
لم تمنع القبضة الأمنية “الصارمة” في أحياء حمص الواقعة تحت سيطرة النظام من تفشي الانحلال الأخلاقي في المنطقة، أو الحد من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين هناك، بما فيها من جرائم السرقة والنهب، إضافة إلى جرائم القتل التي ازدادت بشكل واضح في الآونة الأخيرة، بحسب محمد الحمصي، عضو مركز حمص الإعلامي، الذي قال لعنب بلدي إن جرائم القتل والتجاوزات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ازدادت، رغم محاولات السلطات التكتم عليها وضبط سريتها، “وهذا الأمر ليس بجديد، فقد شاهدنا في الآونة الأخيرة تذمرًا واضحًا من قبل المدنيين الذين كانوا قد اختاروا سلطة النظام، وتظللوا تحتها ظنًا منهم أنه قادر على حمايتهم، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم مخطئون”.
ولم تقتصر الجرائم المرتكبة بحق القاطنين في المنطقة على الرجال، بل كانت تستهدف النساء بشكل رئيسي ومتكرر، بسبب انتشار السلاح بأيدي الشبان غير العسكريين، وانعدام الرقابة والمحاسبة عليهم، وقلة وجود الرجال والشبان في المنطقة، بحسب رأي الحمصي، “لاحظنا أن أغلب الجرائم التي ارتكبت كانت قد استهدفت النساء بشكل مباشر لاعتبارهن نقطة الضعف الوحيدة بالنسبة للمعارضة، كما أن معظم الشبان الحاملين للسلاح في المدينة هم من المرتزقة والذين جعلتهم الحكومة في موقع قوة في ظل غياب اللجان الشعبية ووجود نسبة تتجاوز الـ75% منهم على الجبهات”.
غياب الرقابة، وكثرة الرشاوى، والفلتان الأمني، مكّن هؤلاء الشبان من اتباع أهوائهم وبالتالي الحصول على ما يرغبون، ما جعل الأوضاع في هذه الأحياء “كارثي”، كما يصف الحمصي، مضيفًا “الفلتان الأمني في هذه المناطق أتاح لهؤلاء المرتزقة تنفيذ كل رغباتهم والحصول عليها بأي طريقة، طالما أن السلاح موجود والأجهزة الأمنية تغض النظر وتنشغل بقصف الأحياء الثائرة”، ولم تقتصر الأعمال التشبيحية على الأحياء، فوصلت إلى الحرم الجامعي، كما حصل مع الطالبة الجامعية مروة الأتاسي، التي اختطفت وقتلت في نفق الجامعة قبل أيام، “وقد مرت هذه القصة مرور الكرام، ولم يتم ذكرها في وسائل الإعلام، وكأن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة غابة واللجنة الأمنية تبارك هذا”، يقول الحمصي.
إهانات داخل “المركزي”
يحوي سجن حمص المركزي على مئات السجينات المعتقلات على خلفية الأحداث في جناح خاص تحت إشراف عدد من السجانات، بحسب “أ.م”، أحد المعتقلين الموجودين في السجن المركزي، وقال لعنب بلدي “يحوي السجن المئات من المعتقلات اللواتي أُخذن من منازلهن أو من الحواجز التابعة لقوات النظام، بسبب قرابتهن لمن يصفونهم بالإرهابيين، هذا ما يؤكد أن الأخير لا يستثني أحدًا من طغيانه وأنه ليس من المهم أن تكون رجلًا أو امرأة أو طفلًا كي تصنف ضمن قائمة الإرهاب لديهم، بل يكفي أن تكون من حمص لكي تنال ثمن الحرية التي طالب بها السوريون جميعًا”.
مضايقات كثيرة تتعرض لها المعتقلات في السجن المركزي، ويعمد النظام فيها إلى إثارة غضب المسجونين الرجال وإخضاعهم، كما يوضح “أ. م”، مضيفًا “تعيش المعتقلات في السجن تحت الذل ووابل من الشتائم اليومية التي يسمع صداها في جناحنا الخاص، كما أن نوعية الطعام المقدمة لهن سيئة ورديئة، وأغلب المعتقلين الرجال هنا لديهم أخت أو قريبة في السجن، ولا يتمكنون من رؤيتها أو التحدث إليها، كما يمنع عليهم إرسال المبالغ النقدية أو مساعدتهن في أي شكل من الأشكال”.
تعرية النساء قبل الزيارة
أطلق المعتقلون من داخل السجن المركزي، مناشدات واستغاثات، طالبوا فيها بضرورة تدخل الأمم المتحدة لرؤية ما يحدث داخل السجن من إهانة للنساء، والحد من كارثة على وشك الحصول، يكمل “أ. م”، “لا نستطيع الصمت على معاملة إداريي السجن لنسائنا القادمات من الخارج لزيارتنا، فالقائمون على إدارة السجن كالعميد عبدو كرم، والرائد ويليام كنعان، والنقيب حسان، يقومون بتعرية النساء بحجة التفتيش، كما يقومون بشتمهن وإهانتهن، ولهذا فإننا نطالب الأمم المتحدة بإرسال وفد للاطلاع على أحوال السجن و رؤية المعتقلين وسماع طلباتهم والحد من تصرفات النظام الاستفزازية قبل حدوث المجزرة”.
تهديد بقوة “التشبيح”
“س. ل” طالبة تعرضت لتهديدات مباشرة من أحد حاملي السلاح في المدينة، وشاركت عنب بلدي قصتها قائلة “لقد تعرضت لتهديد ومحاولة ابتزاز بدأت بعدما حصل شاب في الحرم الجامعي على رقم هاتفي من إحدى صديقاتي عنوة، وبدأ بمراسلتي وتهديدي بأنه سوف يقتادني الى الأفرع الأمنية بتهمة المعارضة”.
ولم تكن قصة “س. ل” هي الوحيدة التي جعلتها تغادر البلاد بسرعة خوفًا من التهديدات، بل زاد على ذلك عشرات القصص التي روتها الطالبة، “في كل يوم تسمع حكايات جديدة تحاكي الذل والخوف الذي نعايشه في كل لحظات وجودنا في كنف النظام، فصديقتي تعرضت لسيل من الشتائم من شبيح بعدما اقتادها عنوة إلى منطقة دوار الرئيس وقام بشتمها و ضربها وتهديدها مباشرة بالقتل، دون تدخل الشرطة أو أي أحد من القوة الحكومية رغم وجودهم بكثرة في تلك المنطقة”.
وكانت قوات المعارضة، خسرت منطقة باب السباع في آذار عام 2012 بعد مجزرة كرم الزيتون الشهيرة، فيما خرج مقاتلو أحياء حمص القديمة في نيسان 2014 إلى الشمال، في حين بقي حي الوعر ومنطقة الريف الشمالي تحت سيطرة المعارضة السورية حتى اللحظة.