عنب بلدي – اقتصاد
يبدو أن المعلومات التي أكدها البنك الدولي حول التراجع الحاد في الاحتياطي النقدي لدى بنك سوريا المركزي، في تقريره “عنوان المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – ربيع 2016″، انعكس بشكل سريع على الدولار في السوق السوداء، حيث وصل تراجع سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة وبلغ قرابة 530 ليرة للدولار.
لكن اللافت في الأمر أنه للمرة الأولى يتم الإعلان من جهة رسمية دولية عن الاحتياطيات المتبقية في خزينة المركزي، بعد خمس سنوات من الصراع، جاهد خلالها المركزي ليبقي قيمة الليرة عند مستويات “معقولة” أمام الدولار، لكنه “فشل” وبشهادة خبراء ومحللين اقتصاديين كونه بدد الاحتياطي وأصبح في خزينته فقط 700 مليون دولار بعدما كانت 17 مليار ليرة في 2011.
المركزي السوري نفى هذه المعلومات، وأكد وجود قطيعة بينه وبين البنك الدولي، وبالتالي لم يزوده بأي معلومات، سلبية أو إيجابية، منذ خمس سنوات. فيما شبه رجل أعمال بارز في دمشق، معلومات البنك الدولي بأنها شبيهة بالتهمة التي وجهت للعراق بامتلاك الأسلحة النووية، حيث استخدمت ذريعة لغزوه في 2003.
خلال السنوات الماضية، ساهمت العقوبات الغربية وتراجع الاستثمارات في سوريا بإبطاء حركة التدفقات المالية إلى حكومة النظام، وترافق ذلك مع تراجع المداخيل من الصادرات والجمارك والضرائب والرسوم، وكل ذلك ضغط على حجم الموازنة العامة بشقيها الإنفاقي والاستثماري، ومهد لتراجع القدرة الشرائية لليرة بسبب ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية.
ولمواجهة ذلك سعى المركزي إلى اتباع سياسة “التدخل الإيجابي” عبر ضخ كميات من القطع الأجنبي في السوق لمواجهة الطلب على العملة في السوق الموازية، ولكبح جماح المضاربة على الليرة السورية، بالتوازي مع إطلاق حاكم المركزي، أديب ميالة، وفريقه النقدي تصريحات تكذّب ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، وتتهم الدول ووسائل الإعلام بتأجيج حالة السوق، معتبرين أن سعر الصرف وهمي وأن الليرة ستعود إلى مستوياتها الطبيعية، لكن ما حصل هو أن الليرة استمرت بالتراجع واستمر نزيف القطع الأجنبي حتى أصيب بـ”الجفاف”.
يقول الخبير الاقتصادي، جهاد اليازجي، في معرض تعليقه على المعلومات التي أوردها البنك الدولي عن نفاد الاحتياطي من القطع الأجنبي، إن “هذا يعني بوضوح أن الاحتياطي جف”.
أما البنك الدولي، فاعتبر أن “انهيار الصادرات والاحتياطي أديا إلى تراجع قيمة العملة الوطنية”.
وتابع البنك الدولي “إن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في سوريا تراجع بنسبة 19% في العام 2015 ويفترض أن يشهد تراجعًا جديدًا بنسبة 8% في 2016”.
تراجع الليرة يهدد إعادة الإعمار
تشير أرقام البنك الدولي، إلى أن العجز الحكومي في الموازنة العامة ارتفع بشكل كبير، من 12% من إجمالي الناتج الإجمالي خلال الفترة بين 2011 و2014 إلى 20% في 2015، ويفترض أن يصل إلى 18% في العام الحالي.
ففي العام 2010، كان سعر صرف الليرة السورية 47 ليرة للدولار الواحد، في حين وصل اليوم إلى 462 ليرة للدولار بحسب النشرة الرسمية التي يصدرها المركزي، أما في السوق السوداء فيتراوح السعر بين 520 و 530 ليرة.
وزاد من الضغط على الاحتياطيات تراجع الواردات من النفط، الذي خرج بالمجمل من سيطرة النظام لصالح تنظيم “الدولة”، وباتت سوريا تعاني تراجعًا للعائدات النفطية من 4.7 مليار دولار في العام 2011 (4.1 مليار يورو) إلى 0.14 مليار دولار (0.12 مليار يورو) في 2015.
وتقدر الأمم المتحدة أنه لابد من استثمار 158 مليار يورو لإعادة إجمالي الناتج المحلي (GDP) إلى مستواه قبل الصراع، فيما يقدر المركز السوري لأبحاث السياسات، كلفة الدمار في البنى التحتية بحوالي 75 مليار دولار (66 مليار يورو)، وأنه من المتوقع أن يكون الاحتياطي النقدي في سوريا انخفض الى ملياري دولار فقط العام 2013. ووضع رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، تصورًا لتكاليف إعادة إعمار المناطق التي تدمرت في سوريا، وقدر حجم التكاليف بحوالي 180 مليار دولار، واعتبر أن انخفاض أسعار النفط سيصعب إعادة إعمار البلاد. أما رئيس النظام السوري، بشار الأسد، فقد قدم وخلال إحدى مقابلاته التلفزيونية رقمًا قريبًا لرقم البنك الدولي من أجل إعادة الإعمار وحدده بحوالي 200 مليار دولار.
الكلمة للمضاربين
يؤكد خبير اقتصادي من دمشق لعنب بلدي، أن المعلومات التي أوردها البنك الدولي حول انهيار الاحتياطي في مصرف سوريا المركزي “صحيحة”، لكنها لن تؤثر على سعر الصرف حاليًا، وما سيؤثر بشكل كبير هو سعر المضاربين لاستغلال هذه المعلومات من أجل الضغط على الليرة والعمل على جني الأرباح بعد تدهور الاحتياطي.
ويشير الخبير إلى أن الليرة ستواصل التراجع، وسيكون سعر الدولار في السوق السوداء هو المتحكم بسعر الصرف على المدى المنظور.
وردًا على سؤال حول الموارد المالية والقطع الأجنبي الذي سيتم توظيفه، وضخه في السوق لضبط سعر الصرف وتلبيه احتياجات التجار والمستوردين مع نفاد الاحتياطي الحالي، أكد المحلل الاقتصادي أن المركزي سيلجأ بشكل أساسي إلى الحوالات المالية القادمة إلى المواطنين بالعملة الصعبة، والدعم الدولي المقدم لحكومة دمشق من الحلفاء.
ولفت الخبير إلى أن المتأثر الأول والأخير من تدهور سعر الليرة، ونفاد الاحتياطي الأجنبي، هو المواطن، كونه سيتحمل تبعات ذلك، والمتمثلة بغلاء تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار.
التصرف باحتياطي الذهب
بعد أن تراجع الاحتياطي إلى مستويات غير مسبوقة، تبقى مخزونات سوريا من الذهب على حالها، وهو ما يطرح سؤالًا عن احتمالية توجه حاكم مصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، لبيع هذا المخزون أو التصرف به للحصول على القطع الأجنبي غداة إفراغ الخزائن من الدولار والعملات الصعبة، إذ كشفت بيانات مجلس الذهب العالمي أن حيازة مصرف سوريا المركزي من الذهب بلغت 25.8 طنًا، وسجلت سوريا المركز 56 في الحيازة الرسمية للذهب من أصل 100 دولة شملها التصنيف، وبذلك حافظ المركزي على هذه الحيازة خلال السنوات الـ 14 الماضية دون تغيير.
بدوره، الخبير الاقتصادي، رسلان خضور، أكد في تصريح صحفي، أن “احتياطات سوريا من الذهب إنما تعتبر صمام أمان لليرة السورية وحتى للاقتصاد، وخاصة أن بيانات مجلس الذهب العالمي تبيّن استقرار حيازة مصرف سوريا المركزي من الذهب، ما يثبت عدم اضطرارنا لبيع الذهب من أجل دعم الليرة، وهذا مؤشر إيجابي إلى المستوى الاقتصادي”. لكن وبعد نفاد الاحتياطي الأجنبي بات الباب مشرعًا أمام استخدام احتياطي الذهب، ما لم يستمر شريان الإمداد من طهران وموسكو مستمرًا للحفاظ على توازن العملة وبقاء النظام واقفًا.
وبالعودة إلى تقرير مجلس الذهب العالمي، يبلغ احتياطي الأردن 16.8 طن، في حين بلغت 12.4 طن لقطر و6.8 طن لتونس و4.7 طن للبحرين و1.6 طن لليمن، فيما بلغت احتياطيات العراق 89.8 طن ومصر 75.6 طن والكويت 79 طن وليبيا 116.6 طن، والجزائر 173.6 طن ولبنان 286.8 طن والسعودية 322.9 طن.