جريدة عنب بلدي – العدد 57 – الأحد – 24-3-2013
مالك أبو إسحق -إدلب
بات مما لا شك فيه أن الإنسان السوري أصبح رمزًا للمعاناة بكافة أشكالها وأبعادها، ومن رحم كل معاناة يولد الأمل ومن الأمل يأتي الإبداع للبقاء على قيد الحياة. ففي إدلب، ومن وحي معاناتها مع متطلبات الحياة الأساسية من الوقود كالبنزين والمازوت والغاز، المعاناة المشتركة في كافة المحافظات السورية، بسبب قلة إنتاجها خلال العامين الأخيرين وغلاء أسعارها إضافة إلى صعوبة نقلها من مراكز إنتاجها التي يسيطر عليها النظام، وقيام «الشبيحة» بمصادرة قسم كبير منها أثناء مرورها على الطرق متوجهة لمراكز توزيعها.
هذه الأسباب وغيرها دفعت بأهالي ريف إدلب عمومًا للاعتماد على مادة «الفيول» وتكريرها محليًا واستخراج المواد اللازمة منه. ويقول أبو أحمد، وهو أحد الأشخاص الذين يعملون في مجال التكرير المحلي «يتم التكرير عبر آلة تسمى (فرازة الحليب) والتي كانت تستعمل في الماضي لفرز مشتقات الحليب عن بعضها.» والآلة عبارة عن خزان كبير موصول بعدة براميل عبر أنابيب. ويوضع تحت الخزان الرئيسي «حرَّاق» (مكان اشتعال النار) ويتم وضع «الفيول» في الخزان الرئيسي وتشغيل النار تحته وبنفس الوقت يتم تبريد الأنابيب بواسطة مياه باردة حتى لا يحدث انفجار. وبذلك يتم تكاثف المواد لتخرج بعد التكاثف والتبخير بدءًا من الأخف فالأثقل إذ يخرج الغاز في البداية وبخار الماء ثم البنزين ثم المازوت ويبقى مترسبًا ما يعرف بـ «شحم المحركات» إضافة لمخلفات لا تصلح للاستعمال.
وبهذه الطريقة البسيطة حُلت مشاكل عديدة إذ تم توفير المواد اللازمة للمواطنين بأسعار مقبولة نوعًا ما. وفي الفترة الأخيرة، ازدهرت هذه التجارة كثيرًا ولاقت رواجًا كبيرًا وأصبح الوقود يباع من خلال ما بات يعرف «ببسطة الفيول» وأصبحت هذه البسطات منتشرة بشكل كبير. ووفقًا لأبو زهير، وهو أحد أصحاب هذه البسطات، «بجهد بسيط ومال قليل يتم توفير المستلزمات الضرورية للمنازل والسيارات وتحل مشاكل الناس و»الحمد لله تلاقي هذه المهنة سوقًا رائجًا.»
ويحصل الناس على «الفيول»، وهو مادة النفط الخام الذي يستخرج من آبار النفط التي يسيطر عليها الجيش الحر ولا سيما في دير الزور والحسكة وتباع كمادة خام للسكان الذين يقومون بدورهم بتكريرها.
إلا أن عملية تكرير الـ «فيول» تحمل جوانب سلبية جدًا، بدءًا من مرحلة تكريره وانتهاءً بمرحلة الاستمال. إذ تعتبر مرحلة تكرير «الفيول» مرحلة خطيرة لأنه معرض للانفجار بأي لحظة وقتل من حوله، عدا الضرر الذي تتركه عملية التكرير على البيئة إذ تتضمن العملية احتراقًا شديدًا يترافق مع هباب أسود.
وبالنسبة للغاز، يترافق أثناء التعبئة بأسطوانات مع بخار الماء ليتكاثف داخل الأسطوانة وبالتالي يجعل من اشتعال النار لفترة طويلة أمرًا صعبًا أحيانًا. وهناك مؤشر خطورة كبير يغيب عن أذهان من يكرر النفط محليًا وهو أن الغاز المنزلي عديم الرائحة لذا تقوم الشركات المصنعة بإضافة مادة له بغية شم رائحة الغاز في حال حدث تسرب للغاز، بينما لا تتم الإضافات وبالتالي نسبة الأمان ضعيفة.
أما عن البنزين فإنه مائل للون الأحمر وغالبًا يحدث مشاكل للآليات ويتم استعماله لتشغيل المولدات الكهربائية في أغلب الأحيان والحال نفسه بالنسبة لمادة المازوت.
ويشكل استعمال «الفيول» دون تكرير في المدافئ الخطر الأكبر الذي أودى بعائلات كثيرة، إذ يحل محل مادة المازوت، ولكن نتيجة لانحباسه في حيز صغير، فإنه ينفجر ويؤدي غالبًا لقتل من حول المدفأة أو يحدث تشوهات لديهم.
وبحسب شهادة الطبيب مصطفى، وهو يعمل في إحدى النقاط الطبية في المحافظة فلقد تم توثيق وفاة عائلتين وعددهم 10 أشخاص لاستعمالهم مادة «الفيول»، كذلك تم تسجيل 4 حالات تشوه وحروق من مادة «الفيول» الأمر الذي يشكل خطرًا كبيرًا وبالتالي يزيد من المعاناة ومن يدفع الثمن هو الشعب السوري ولكن لسان الحال يقول: «العور خير من العمى».