مقابلات المتهمين بالجرائم.. خطوات لا بد منها

tag icon ع ع ع

علي عيد

خلال السنوات الأخيرة، تعاملت وسائل إعلام عربية وغربية مع متهمين بالانتماء إلى جماعات مسلحة أو منتمين إلى تنظيمات تصنف على أنها “إرهابية”، باعتبارها فرصة نادرة لتحقيق مكاسب أو سبق، عبر لقاءات حصرية تشبه الاعترافات، وهو ما يشكل انتهاكًا للمعايير المهنية وحتى القانونية.

وفي سوريا تكررت الظاهرة، بعد سقوط النظام، عبر مقابلات لناشطين إعلاميين مع أشخاص متهمين بجرائم، بطريقة أشبه بعملية استنطاق لا تقر بها المعايير المهنية.

يتذكر السوريون خلال السنوات الـ14 التي أعقبت اندلاع الثورة، كيف استخدم نظام الأسد وأجهزته الأمنية التلفزيون كمنصة تلاعب بالرأي العام المحلي والدولي، إذ تكرر إجبار معتقلين على الإقرار باعترافات على الشاشة بما يخدم الرواية الرسمية، وأذكر منذ البداية حين أجبر الشيخ أحمد الصياصنة على قول ما لا يريد أن يقوله، وروى لي في مقابلة صحفية كيف أُجبر على تسجيل اعترافات تحت التهديد بقتل أحد أولاده.

لا أقصد مقاربة ما قام به النظام وإعلامه مع ما يجري اليوم في سوريا، لكن وفق المعايير المهنية، ربما يتورط صحفيون أو وسائل إعلام في انتهاكات تتعلق بـ”تكنيك” المقابلات لا في حقيقة أولئك المتهمين.

وخلافًا للانتهاك الذي تشكله تلك المقابلات، فهي في حالات كثيرة، تغذي نزعات غريزية، مثل الانتقام أو التشفي، طالما أنها تتم خارج إطار القانون، وليست هناك أحكام قضائية بشأنها.

شاهد الجمهور مثل تلك المقابلات على شاشات ووسائل إعلام غربية، كما فعلت قنوات “سي بي إس” و”فوكس” و”سكاي نيوز” و”فايس نيوز تونايت”، وأخرى عربية كما فعلت “الآن” و”العربية” وقنوات محلية عراقية، خلال السنوات الماضية خلال الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ومن الأمثلة الصارخة، ما قاله مراسل “سي بي سي” في العراق، في برنامج حول إعداد المقابلات، في كانون الأول 2018، إذ يكشف عن أن ضابطًا برتبة رائد في الجيش العراقي، قال أمام طاقم القناة إنه سيقتل السجين، وهو معتقل من “داعش”، إذا لم يدلِ بالحقيقة، بينما بقي المعتقل مصرًا على أنه مجرد طباخ للتنظيم.

بالعودة للمعايير المهنية، هناك قواعد يجب اتباعها لإجراء مقابلات مع المتهمين منها:

– لا تجبر المهتم على إجراء اللقاء، لأنه يضرب مصداقية المقابلة ويعتبر انتهاكًا لمبادئ وأخلاقيات المهنة.

– اطلب لقاء منفردًا مع الأشخاص الذين تسعى لإجراء مقابلة معهم، واسألهم دون وجود رجل أمن أو شرطي أو مسؤول عسكري أو حارس سجن، ما إذا كانوا يجرون المقابلة بالإجبار أم بإرادتهم الصريحة والكاملة.

– اطلب من الحراس ورجال الأمن الابتعاد عن مكان إجراء المقابلة، لكي تتيح للمتهم فرصة التعبير بحرية.

– لا تسمح لرجل أمن أو مسؤول سجن أو حارس بطرح أسئلة بدلًا منك أو أخذ جزء من دورك أو دور المتهم.

– تأكد من قانونية ما تقوم به وفق مدونة السلوك والقواعد المهنية في وسيلتك الإعلامية.

– تأكد من أن القوانين المحلية تتيح لك إجراء المقابلة.

– تأكد من أنك لا تخرق القوانين الدولية التي تخص أسرى الحرب في أثناء النزاعات المسلحة.

– تذكر أن السبق الصحفي ليس الأولوية، بل الحقيقة مدعومة بالممارسات المهنية الفضلى.

التزام المعايير المهنية والشروط القانونية لإجراء مثل تلك المقابلات لا يعني ضياع فرصة تحقيق إنجاز مهني، لأن الالتزام سيوفر متاعب ومخاطر سيكون الصحفي بغنى عنها بعد النشر، كما أن هناك وسائل حتى لو وفرت الإجراءات المهنية الصحيحة فرصة لتهرب الجناة أو المتهمين من الاعتراف أو استخدام وسائل الإعلام كمنصات للسعي للتأثير في الرأي العام أو البراءة، إذ يستطيع الصحفي تفنيد هذه الادعاءات بطرق مشروعة، ثم العودة إلى مسؤولين ومتخصصين للكشف عن حقيقة ما ارتكبه الشخص من انتهاكات، وتبقى المسألة مرهونة، قبل كل ذلك، بموقف السلطة القضائية والمحاكم، فهي المكان الأنسب لتثبيت الاتهام أو نفيه.. وللحديث بقية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة