
ربيع دمشق يعود إلى العاصمة السورية مناديًا بالعدالة بعد ربع قرن - 23 نيسان 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)
ربيع دمشق يعود إلى العاصمة السورية مناديًا بالعدالة بعد ربع قرن - 23 نيسان 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)
بعد غياب لنحو ربع قرن، عاد وجوه من تيار “ربيع دمشق” لاستئناف النشاط السياسي في سوريا، في بيت أحد مؤسسيه السياسي البارز وعضو مجلس الشعب السابق، رياض سيف (78 عامًا)، الذي رفع صوته ضد الاستبداد في وجه “مملكة الصمت” في فترة حكم الأسد الأب، واعتقل في فترة الأسد الابن في أيلول 2001، وأدين لمدة خمس سنوات بتهمة “الاعتداء على سلطة الدولة”.
وبمشاركة وجوه الربيع ذاته، عُقد منتدى “الحوار السوري الديمقراطي”، في منزل رياض سيف بضاحية قدسيا بريف دمشق، في 23 من نيسان، تحدث فيه الباحث في “المركز العربي بواشنطن” رضوان زيادة، والحقوقية السورية جمانة سيف، والباحثة في قضايا المرأة خولة دنيا، عن دور العدالة الانتقالية والسلم والأهلي، باعتبارهما احتياجات اللحظة الراهنة.
واستفاد أعضاء تيار “ربيع دمشق” من فضاء سياسي وثقافي أنتجه التغيير السياسي بسقوط نظام الأسد، ووصول قادة فصائل “ردع العدوان” إلى السلطة في دمشق، بقيادة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
وشارك في المنتدى العديد من الشخصيات السياسية والناشطين السوريين في الخارج والداخل، منهم الممثل السوري فارس الحلو، والأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية منور عقاد، ورئيس الجالية السورية في مصر وتركيا سابقًا نزار خراط، والصحفي كمال شيخو مراسل جريدة “الشرق الأوسط” في سوريا.
المعارض السوري رضوان زيادة، وخلال المنتدى تساءل عن مصير تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، والتي من المفترض إنشاءها بموجب “المادة 49” من الإعلان الدستوري، مطالبًا بإجراء تشاور وطني موسع في أثناء تشكيل هذه اللجنة، ومؤكدًا ضرورة تشجيع المجتمع المدني على إقامة المبادرات التي تدفع باتجاه العدالة الانتقالية.
زيادة قال، لعنب بلدي، إنه شيء يدعو للفخر أن يستأنف منتدى “الحوار الوطني” نشاطه بعد أكثر من 25 عامًا من الغياب، إذ كانت آخر ندواته في شباط 2001 والتي أعقبها إغلاق المنتدى واعتقال بعض المسؤولين عنه.
وأضاف، “نحن ذاتنا نعود اليوم لاستئناف المنتدى دون أي سقف للنقاش، ودون خطوط حمراء هذا شيء يدعو للفخر في سوريا المستقبل التي ستكون أفضل وأجمل”.
وتنبع أهمية هذا النقاش، بحسب زيادة، من الوقوف على تشكيل مسار للعدالة الانتقالية في سوريا، يحمي من عمليات الانتقام التي تتوارد بعض الأخبار عنها، ويحقق الإنصاف للضحايا بعد 14 سنة من إجرام الأسد وما تركه من ندوب وجروح على المجتمع السوري.
وذكر زيادة أن أعمال المنتدى مستمرة في محاضرات قادمة، إذ ستعقد محاضرة في كلية الفنون الجميلة بدمشق يوم الجمعة المقبل، حول مقارنة تجربة العدالة الانتقالية في سوريا مع الدول الأخرى.
المعارض السوري رضوان زيادة في أولى فعاليات “ربيع دمشق” بعد العودة إلى العاصمة السورية- 23 نيسان 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)
بدورها، رئيسة منتدى “الحوار السوري الديمقراطي”، جمانة سيف، أعربت عن قلقها إزاء عدم اتخاذ أي خطوة باتجاه العدالة الانتقالية، قائلةً إن “الصورة تبدو ضبابية بالنسبة للجميع وهذا الوضع يزعزع الثقة بمؤسسات الدولة، وبالجدية التي ستؤخذ بها العدالة الانتقالية”.
وتحدثت سيف، عن عملية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري، وعن دور منظمات المجتمع المدني خارج سوريا في توثيق هذه الانتهاكات والجرائم، معتبرةً أن ما جُمع من توثيقات رسمية لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، كبير جدًا، “لدرجة أنه لا يوجد صراع في العالم يملك هذا الكم من الوثائق”.
جرى توثيق أكثر من مليون ومئتي ألف عملية اعتقال، تشمل أطفالًا ونساء، قام بها النظام السابق، كما ثبت استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب وبشكل ممنهج كجزء من سياسة الدولة. وتتوقع جمانة سيف أن العدد الحقيقي للضحايا العنف الجنسي، يفوق بأضعاف ما ذكرته التقارير الدولية.
ورغم الجهود التي بُذلت طيلة السنوات الماضية في توثيق هذه الجرائم وتفنيدها، والتقدم بطلب لإحالة تلك الممارسات الموثقة التي ارتكبها النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر فيها، أحبطها الفيتو الروسي- الصيني. لكن هذه التوثيقات ستوضع تحت تصرف الحكومة السورية حال قررت البدء في مسار العدالة الانتقالية، بحسب ما تقول الحقوقية السورية جمانة سيف.
وأضافت، “نحن كمجتمع مدني نريد إطلاق مسار العدالة الانتقالية في سوريا عبر خطة وطنية شاملة، وإشراك حقيقي للمجتمع المدني باعتباره مغيبًا عن المشهد الحالي”.
جمانة سيف إلى جانب والدها رياض سيف خلال منتدى “الحواري السوري الديمقراطي”- 23 نيسان 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)
في 18 من آذار الماضي، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا يوثق أعداد القتلى والمعتقلين في سوريا، بمناسبة الذكرى الـ14 لانطلاق الثورة السورية.
ووثقت “الشبكة” في تقريرها ما لا يقل عن 234 ألف قتيل، بينهم أكثر من 200 ألف مدني قُتلوا على يد قوات نظام الأسد المخلوع، منذ آذار 2011.
كما وثقت مقتل 30 ألف طفل و16 ألف سيدة، بينهم 23 ألف طفل و12 ألف سيدة قُتلوا على يد النظام السوري السابق.
كما قُتل 921 من الطواقم الطبية، و724 فردًا من الطواقم الإعلامية في سوريا، بينهم 662 من الكوادر الطبية و559 إعلاميًا قُتلوا على يد قوات نظام الأسد.
خولة دنيا، المتحدثة باسم “منتدى الحوار الوطني الديمقراطي”، قالت “إن أردنا الحديث عن أهمية السلم الأهلي، لا بد لنا من التطرق إلى مجازر الساحل، وما تم قبلها من بعض الانتهاكات وبعض الأحداث التي شهدتها حمص وحماة وريفها. نحن نتكلم عن 20 قرية بريف حماة هُجر سكانها، وبالتالي نحن نعود إلى وضع مشابه لما كان عليه في 2012 و2013 من حيث النزوح واللجوء”.
وأضافت، “خلال السنوات الماضية نشأت مظلومية محقة للشعب السوري بسببما تعرض له السوريون من قتل وتشريد وتعذيب ومن غياب أي سلطات لها طابع قانوني وإنما العسكرة بشكل أساسي. هذا ما سيؤدي إلى الدخول في دوامة مظلومية جديدة”.
واعتبرت دنيا أن الخطير فعلًا هو ردود الفعل الشعبية المرتبطة بالاحتقان، المؤيدة بقوة عسكرية وقوة عقائدية وعدم القدرة على ضبطها سيؤدي للحد من تحقيق السلم الأهلي.
وتحدثت الباحثة عن دور الدولة الأكبر في تحقيق السلم الأهلي، عبر تخفيف الاحتقان والعمل مع حالة الانعزال والانغلاق التي عانى منها السوريون في وقت سابق.
وفي 6 من آذار، هاجمت مجموعات من فلول النظام السابق نقاطًا وحواجز لـ”إدارة الأمن العام” وقطعًا عسكرية تتبع لوزارة الدفاع، ولم تسلم المستشفيات وحتى سيارات المدنيين من هذا الهجوم.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في 11 من آذار الماضي، مقتل 803 أشخاص في الفترة ما بين 6 و10 من آذار، في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
وسجلت الشبكة، خلال تقريرها مقتل 172 عنصرًا على الأقل من القوات الأمنية والشرطية والعسكرية (قوات الأمن الداخلي ووزارة الدفاع)، و211 مدنيًا بينهم أحد العاملين في المجال الإنساني على يد المجموعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة المرتبطة بنظام الأسد، والتي هاجمت أيضًا ستة مستشفيات في طرطوس واللاذقية.
يعود ظهور “ربيع دمشق” إلى عامي 2000 و2001، وخلال هذا الحراك مدني، الذي استمر سبعة أشهر فقط، شهدت سوريا ازدهارًا في التعبير والتجمع والعمل السياسي الغائب منذ ستينيات القرن الماضي.
كانت بداية “ربيع دمشق” بعد خطاب القسم الذي أدلاه رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، عندما استلم الحكم بالوراثة في 27 من حزيران عام 2000.
وفي 27 من أيلول من العام نفسه، توافد عدد من المثقفين السوريين من خلفيات فكرية مختلفة، وناشطون من المجتمع المدني، لتقديم بيان تمت صياغته بصفحة واحدة، يتضمن الإصلاحات المطلوبة من قبلهم، سُمي حينها “بيان الـ99″، نسبة إلى عدد الموقّعين عليه.
تبع هذا البيان بيان آخر سُمي بـ”بيان الألف”، وُقّعت عليه مجموعة أكبر من المعارضين السوريين، في 10 من كانون الثاني عام 2001.
وتأسست في تلك الفترة المنتديات الثقافية والفكرية والسياسية، وصل عددها إلى ما يقارب 170 منتدى، كان أبرزها منتدى “جمال الأتاسي” وأنشأته سهير الأتاسي على اسم والدها المعارض، ومن داخل هذه الصالونات ظهرت المطالب بإصلاح سياسي وقضائي.
لم تتقبل السلطات السورية آنذاك الفكرة بل عمدت إلى إغلاق جميع المنتديات واعتقال وجوه ورموز ربيع دمشق أبرزهم: الراحل رياض الترك، ورياض سيف ومأمون الحمصي وعارف دليلة إلى جانب حبيب عيسى وفواز تلُّو، ووليد البني.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى