
تجفيف أوراق خشب الزيتون للتدفئة في مخيم بيرة كفتين بريف إدلب شمالي سوريا -22 تشرين الثاني 2023 (عنب بلدي/إياد عبد الجواد)
تجفيف أوراق خشب الزيتون للتدفئة في مخيم بيرة كفتين بريف إدلب شمالي سوريا -22 تشرين الثاني 2023 (عنب بلدي/إياد عبد الجواد)
تنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي و”DW”
فقدت سمر الهزاع حياتها في أثناء الولادة، وتركت طفلتها تعيش مع أختيها حياة اليتم والشقاء، وذلك بعد ولادة عسيرة في مخيم على أطراف بلدة باريشا شمالي إدلب.
سمر (26 عاماً عندما توفيت) كانت ضحية غياب الرعاية الصحية عن مخيمات الشمال السوري، وتتحدث والدتها أم نادر عن مأساة ابنتها بألم وتقول “عانت ابنتي خلال شهور الحمل من عدد من الأمراض منها ارتفاع الضغط وتسمم الحمل.
ولكنها لم تراجع طبيبة نسائية سوى مرة أو مرتين لبعد المخيم عن المراكز والعيادات الطبية، وعدم القدرة على توفير نفقات النقل وأجور الأطباء وثمن الأدوية” وتضيف بأنها كانت تقوم بأعمال متعبة أيضا مثل جلب مياه الشرب من مسافة بعيدة كل يوم، و”قطع مسافة طويلة نسبيا للوصول إلى دورات المياه المشتركة، وانعدام الخصوصية وسبل الراحة في مخيمات النزوح”.
وتبين أن ابنتها أصيبت بنزف أثناء الولادة، الأمر الذي استدعى نقلها إلى أقرب مستشفى، يبعد أكثر من 9 كيلومترات عن المخيم، وهناك فارقت الحياة .
وحسب ما ذكر موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، فإنّ امرأة واحدة تموت كلّ دقيقتين بسبب الحمل أو الولادة، ما يشير إلى تراجع كبير في صحّة الأم حول العالم، وعدم قدرتها على الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، كما لا تزال تتركّز وفيات الأمهات إلى حدّ كبير في أفقر أجزاء العالم، وفي البلدان المتأثرة بالصراعات، مثل سوريا.
قصة سمر هي جزء من معاناة أكبر تواجهها النساء الحوامل في مخيمات الشمال السوري من نقص في الخدمات الطبية وسوء النظام الغذائي، والضغط الناتج عن ازدحام المنطقة بالنازحين، وتراجع أعداد المختصين. ما يدفع الكثير من الأمهات لتأجيل زيارات الرعاية الأساسية والتخلي عن تناول الأدوية، وهو ما ينعكس سلبا على صحة الأم والجنين على حد سواء.
من جهتها سلام الخروب (25 عاماً) وهي نازحة في مخيم مؤقت شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية وأم لطفلة، نجت بحياتها ولكنها خسرت طفلها أثناء الولادة. وعن ذلك تحدثت لـ WD عربية قائلة: “كانت ولادتي صعبة، حيث بدأ المخاض بعد منتصف الليل، فقصدت قابلة تسكن على مقربة من المخيم، وكان طفلي بعد ولادته هزيلاً ويعاني من نقص الأكسجين، وبحاجة ماسة إلى حاضنة. وتوفي أثناء نقله إلى المستشفى بسبب التأخر في نقله، وصعوبة العثور على وسيلة نقل”.
وتضيف بحزن “نحن مهددات بالموت، كما أن ولادة مولود سليم وسط الفقر والنزوح أكثر ما يهمّ النساء الحوامل في هذه المخيمات البائسة”.
الأوضاع المعيشية المتردية أدت إلى إصابة الكثير من النساء بأمراض سوء التغذية، وحرمت نسبة كثيرة من الأمهات من إرضاع أطفالهن طبيعياً، في وقت يعجزن عن تأمين الحليب الصناعي البديل بسبب الظروف المادية الصعبة وسعره المرتفع، وسط تفشي الفقر والغلاء وندرة فرص العمل. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” يتراوح معدل سوء التغذية لدى الأمهات من 11 بالمئة في شمال غرب سوريا وأجزاء من دمشق إلى 25 بالمئة في شمال شرق سوريا.
وأشارت المنظمة إلى أن حوالي نصف السكان يعتمدون على مصادر مياه بديلة وغير آمنة في كثير من الأحيان لتلبية أو استكمال احتياجاتهم من المياه، وما لا يقل عن 70 بالمئة من مياه الصرف الصحي غير معالجة.
إضافة إلى ارتفاع تكاليف العلاج وغلاء أسعار الأدوية أشارت الشابة النازحة فاتن السليمان (31عاماً) إلى غلاء أسعار المواد الغذائية، واقتصار الطعام الذي تتناوله معظم النساء الحوامل في المخيم الذي تقطنه، على البقوليات والخبز وبعض أنواع الخضار، الأمر الذي أدى إلى إصابتهن بمرض سوء التغذية الحاد، وأوضحت ذلك بالقول وهي تشير بيدها إلى خيمتها البالية: “نواجه هنا الظروف المعيشية السيئة والحياة العصيبة، حيث اضطررت إلى ترك منزلي والعيش في خيمة بعد سيطرة النظام السوري على مناطقنا وبيوتنا، ولم نتمكن من العودة بعد تحرير سوريا بسبب دمار منازلنا.”
تابعت فاتن القول “خشيت أن أفقد طفلتي بسبب ولادتها مبكراً. فضلاً عن قلة المياه داخل المخيم، وانتشار الحشرات ونقص خدمات النظافة اللازمة لحماية حديثي الولادة، ومصاعب استخدام الحمامات المشتركة، وبعد أهلي عن منطقة سكني نتيجة النزوح”.
و”من أسباب شيوع الأمراض بين النساء الحوامل في مخيمات النزوح هو الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وبعد المستشفيات والمراكز الصحية” بحسب الطبيبة منار غزال (37 عاماً) المختصة بأمراض النساء في مدينة إدلب وتضيف: “النساء في المخيمات مهددات بخطر الإجهاض: لأن الحياة في المخيمات تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة ومياه الاستحمام والطعام، كما تعجز النساء عن تلبية احتياجات الطفل حديث الولادة مع النقص الكبير في مستلزمات النظافة الشخصية.”
وأكدت غزال أن انخفاض مستويات النظافة يجعل الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا بسبب انخفاض مناعتهن، مؤكدة بأنهن لا ينلن قسطا كافيا من النوم والراحة فيمكن أن يدخلن المخاض مبكرا. وأضافت بأن “الولادات المنزلية غير المعقمة تزيد من خطر الإصابة بالعدوى لدى الأطفال حديثي الولادة والأمهات”.
وأشارت الطبيبة النسائية إلى جملة من الأمراض التي تعاني منها النساء في مخيمات شمال سوريا وتنعكس على صحة الجنين والأم معاً، نتيجة نقص الغذاء المتوازن والمعاناة من نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية، إضافة إلى أمراض كثيرة نفسية وجسدية مرتبطة بعوامل النظافة والوضع الصعب في المخيمات.
ونوهت الطبيبة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار قلة المراكز الصحية ونقاط الخدمات الطبية للحوامل في المخيمات، في الوقت الذي يصعب فيه على الكثيرات الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية البعيدة عن مناطقهن، ما يهدد صحتهن وصحة الأجنة.
وحسب بيان لمنظمة “منسقو استجابة سوريا” المتخصصة بجمع المعلومات والإحصائيات في مناطق شمال غرب سوريا، فإن عدد المشافي والمراكز الصحية المتضررة من القصف بلغ 161 منشأة، فيما بلغ عدد المخيمات 1833 مخيماً، منها 1378 مخيماً لا يحوي أي نقطة طبية أو مشفى. وتؤكد صعوبة نقل المرضى حتى إلى المستشفيات القريبة، إذ أن وضع جل النازحين المادي متردٍ، وهم غير قادرين على تأمين العلاج الذي تتطلبه الحالات الطبية دون استثناء. ويشير بيان المنظمة إلى أن 864 مخيماً يعاني من انعدام المياه بشكل كامل، فيما يعاني 918 مخيماً من انعدام الصرف الصحي اللازم.
تشهد المنطقة نقصاً كبيراً في المراكز الصحية والكوادر الطبية. وتوقف الدعم عن عدد من المراكز الصحية مع ضعف في إمدادات الأدوية والمواد الطبية، بحسب ما ذكرت مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب بتول الخضر التي لفتت إلى أن 40 مركزاً صحياً توقف عنه الدعم من أصل 99، فيما بلغ عدد المشافي التي توقف عنها الدعم 16 مشفى من أصل 53، منها مستشفيات في مدن حارم وكفرتخاريم وباب الهوى وإدلب.
وأضافت في حديثها لـWD عربية بأن صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، مع ارتفاع مخاطر الولادة في مخيمات النزوح، هي من أبرز التحديات التي تواجهها السيدات الحوامل في شمال غرب سوريا “كما تواجه الكثير من الحوامل خطر الإجهاض وفقر الدم وحتى الوفاة بسبب الظروف الصحية غير المواتية، مع احتمال الولادات المبكرة”.
ولفتت الخضر إلى أن انقطاع الدعم أدى إلى نقص خدمات التوليد، إلى جانب زيادة حالات سوء التغذية لدى الأطفال والأمهات على حد سواء، حيث يبلغ عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية نتيجة انقطاع الدعم 18 ألف و90 طفلاً، فيما بلغ عدد الحوامل والمرضعات المصابات بأمراض سوء التغذية 1905 امرأة.
وأشارت الخضر إلى عدد من الحلول منها: توجيه الأنظار إلى هشاشة قطاع الصحة الإنجابية، الذي يعتبر جزءاً من منظومة صحية تعاني من الضعف في شمال غرب سوريا منذ سنوات، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، وتأمين كلّ ما يتعلق بالغذاء والمكملات والعلاج. إلى جانب تأهيل وتدريب قابلات مجتمعيات قادرات على تقديم الاستشارة الأولية، وتوجيه الحامل إلى الخدمة التي تحتاجها، مع تفعيل وحدات توليد طارئة في كل تجمع من المخيمات، والتركيز على رفع الوعي المجتمعي والطبي لأهمية صحة النساء الحوامل والمرضعات، والتنبيه لضرورة وعي النساء أنفسهن بتلقي الرعاية اللازمة خلال الحمل وبعد الولادة.
وتشدد الخضر على ضرورة تفعيل نظام الإحالة، وإطلاق عدد أكبر من العيادات المتنقلة التي تعمل على تقديم الرعاية الصحية وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، وإعادة إعمار المناطق المدمرة، وتوفير الظروف المناسبة لعودة النازحين إلى مدنهم وقراهم وإنهاء رحلة النزوح القاسية.
وبحسب منظمة اليونيسيف عندما تتحكم النساء في خياراتهن الإنجابية وتحصلن على رعاية الأمومة العادلة والجيدة، تنخفض وفيات الأمهات.
سونيا العلي – شمال سوريا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى