زيارة “المرسومي” تكشف هشاشة الإعلام السوري

tag icon ع ع ع

علي عيد

يبدو أن السباق انتهى لمصلحة وسائل التواصل على حساب الإعلام الوطني أو الخاص بـ”الضربة القاضية”، وأعني في سوريا بالتحديد، إذ لم يعد بالإمكان جر الناس إلى مساحة تقدم المعلومة من مصدرها المباشر عبر الإعلام.

مثال ذلك ما حصل الأسبوع الماضي في قضية زيارة وزير الثقافة، محمد ياسين صالح، وجمال الشرع، شقيق الرئيس، وآخرين إلى مضافة “فرحان المرسومي” المتهم بارتباطه بالميليشيات الإيرانية وتجارة المخدرات قبل سقوط النظام، والذي لا يعلم أحد إن كان يمارس نشاطه حتى اليوم.

لم يجد معظم السوريين ما يفيدهم حول الزيارة، فلجؤوا إلى وسائل التواصل، وثارت عاصفة من الجدل مرة بتبرير المؤثر موسى العمر، واتهامه منتقدي الوزير بأنهم من “المشوشين”، وأخرى باعتذار الوزير شخصيًا على “إكس” قائلًا، “أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة، غير مقصودة، مع أي شخص محسوب على النظام البائد”.

ترفّع الإعلام الرسمي عن توضيح المسألة، وتقديم معلومات وافية للرأي العام، وانتصرت وسائل التواصل بالضربة القاضية، لكن السلطة هي أكبر الخاسرين، والرأي العام هو الضحية لا الوزير مهما كانت الأسباب.

هناك دائرة جدل لم يستطع إعلام السلطة ترقيتها إلى رواية رسمية تقنع الناس وتهدّئ نفوسهم، باعتبار أنها تتعلق بالعدالة الانتقالية التي ينشدونها بحق شخصيات ولغت في دم السوريين أو آذتهم، أو يعتقدون ذلك عن صواب أو جهل.

لاحظت كصحفي متابع للشأن العام أن دائرة تداول القصة أخذت هذا المنحى: اعتذار الوزير عبر “إكس/سوشيال ميديا”، خروج راغب الصيفي القرعان، أحد وجهاء الصلح، بفيديو عبر “فيس بوك/سوشيال ميديا” يقول فيه، إن المسألة جاءت بتكليف من الرئيس، ثم توضيحات الشيخ مطيع البطين على صفحته في “فيس بوك/سوشيال ميديا” ناقلًا اعتراف صالح بأنه “قد وقع بمطب عن غير معرفة ودراية مسبقة”، مقدمًا له العذر بالقول، “علينا ألا نذبح فرساننا عند وقوع الهفوة”.

وبين الاعتذار والتبرير، أفرد تلفزيون “سوريا” مساحة في برنامج “ريبوست” لقراءة تفاعل السوريين على مواقع التواصل.

باعتبار أن الوزير يملك صفة الشخصية العامة، وأي نشاط يقوم به يخضع لرقابة المجتمع قبل قيادته السياسية الأعلى، كيف يمكن أن يصل الناس إلى تحديد المسؤولية ومعرفة الحقيقة دون أن تشتعل وسائل التواصل بلا أن تنتهي القصة إلى نتائج.

طالب الناس باستقالة الوزير، لكن لن تنتهي القصة حتى ولو استقال، وأعتقد أنها ستتكرر إما لأن الإعلام الرسمي أو الوطني أو حتى الخاص غير قادر على مقاربتها لأسباب لم تتضح بعد، أو أنه يرى نفسه أكبر منها.

قد يعتقد كثيرون بدوافع دعمهم للحكم في بلادنا أنها قضية ستمضي إلى حالها، وأولى أن يتجاهلها الإعلام، لكن الحقيقة المختبئة وراء مثل هذا الفهم تقول إننا لا نريد إعلامًا حقيقيًا يحاسب ويمنع مراكمة الأخطاء.

عام 2021، وخلال جائحة “كورونا”، نشرت صحيفة “ذا صن” البريطانية صور وزير الصحة، مات هانكوك، وهو يُقبّل مساعدته جينا كولادنغلو، داخل مقر وزارة الصحة، وأقر الوزير بانتهاك قواعد التباعد الاجتماعي، قائلًا إنه “آسف جدًا” وإنه “خذل الناس”، لكن الأمر انتهى باستقالته بسبب الضغط الشعبي، لينتهي مشواره في الحكومة بعبارة “نحن من نضع القوانين يجب أن نلتزم بها”.

ومثل الوزير البريطاني رحل كثير من السياسيين الكبار والوزراء في قضايا قد يظنها البعض مسائل عابرة، إليكم مثلًا ثانيًا، رئيس وزراء بريطانيا السابق، بوريس جونسون، الذي استقال من البرلمان في حزيران 2023، بسبب “فضيحة” الحفلات التي أقامها في “10 داوننغ ستريت” خلال جائحة “كوفيد” أيضًا، والمعروفة باسم فضيحة “بارتي غيت”، لم توفر الصحافة البريطانية فرصة للكشف عن القضية ومتابعتها، كما فعلت قبلها مع هانكوك، وفعلت هذا ربما مئات المرات مع سياسيين ووزراء وموظفين كبار، ومثلها فعلت الصحافة في باقي أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وحتى تركيا، فمتى تشكّل الصحافة في بلادنا أداة ضغط يمثل الجمهور.. وللحديث بقية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة