
الرئيسان التركي والأمريكي في البيت الأبيض- تشرين الثاني 2019 (رويترز)
الرئيسان التركي والأمريكي في البيت الأبيض- تشرين الثاني 2019 (رويترز)
عنب بلدي – حسام المحمود
في 7 من نيسان الحالي، وبعد أيام من توترات سياسية بين تركيا وإسرائيل على خلفية رفض الأخيرة للحضور العسكري التركي في سوريا، وصولًا إلى رسائل تهديد إسرائيلية صريحة على خلفية هذه القضية، حسم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المسألة بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حين تعهد بحل التوتر بين الجانبين.
وقال ترامب لنتنياهو، “أعتقد أنني أستطيع حل أي مشكلة لديكم مع تركيا. أعني طالما أنكم عقلانيون، يجب أن تكونوا عقلانيين. يجب أن نكون عقلانيين”.
وأضاف ترامب، “إذا كانت لديك مشكلة مع تركيا، فأعتقد حقًا أنك ستتمكن من حلها. كما تعلم لدي علاقة جيدة جدًا مع تركيا ومع زعيمها، وأعتقد أننا سنتمكن من حلها. لذا آمل ألا تكون هذه مشكلة. لا أعتقد أنها ستكون مشكلة”.
وأكد الرئيس الأمريكي أنه يتمتع بعلاقات رائعة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووصفه بأنه “رجل قوي، وذكي للغاية، وقد فعل شيئًا لم يتمكن أحد من فعله”، في إشارة إلى دور تركيا في إسقاط الأسد.
وكشف ترامب أنه قال لأردوغان في محادثات سابقة، “قلتُ له تهانينا، لقد فعلتم ما لم يستطع أحد فعله طوال ألفي عام. لقد أخذت سوريا، لكنه نفى ذلك، لكنني قلت له مجددًا كلا أنت من أخذها”.
هذه التصريحات وما تبعها من انتقادات تركية للدور الإسرائيلي في تعزيز حالة عدم الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية، الرافضة لإنشاء قواعد تركية في سوريا، لم تعبّر عن التحركات السياسية بين الطرفين على الأرض، إذ ذكرت مصادر في وزارة الدفاع التركية أن اجتماعًا بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين جرى في أذربيجان بهدف إنشاء آلية خفض تصعيد في سوريا.
ونقلت وسائل إعلام تركية، في 10 من نيسان، أن وفودًا فنية من تركيا وإسرائيل عقدت اجتماعًا حاسمًا في أذربيجان، في اليوم السابق.
وبحسب المصادر، فإن الجهود الرامية لإنشاء آلية لفض النزاعات ستستمر، مع الإشارة إلى أنه على إسرائيل التخلي عن سياستها التوسعية في المنطقة، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه هذه القضية.
المصادر ذكرت أن الاجتماع الفني الأول عقد بين الجانبين في أذربيجان، لإنشاء آلية خفض التصعيد لمنع الحوادث غير المرغوب بها في سوريا.
وبحسب مصادر الوزارة، فإنه تماشيًا مع مطالب الحكومة السورية الجديدة، تقدم تركيا الدعم لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحتها لجميع التنظيمات الإرهابية ولا سيما “الدولة الإسلامية”.
تجري تركيا تقييمات لإنشاء قاعدة تدريبية في سوريا، والهدف دعم وحدة الأراضي السورية واستقرارها وأمنها وتطهيرها من الإرهاب.
كما أن لدى أنقرة النية والقدرة والرؤية لتحقيق ذلك، وجميع الأنشطة المنفذة والتي ستنفذ لهذا الغرض تجري في إطار الاتفاق المبرم بين الدولتين، وفقًا للقانون الدولي، ودون استهداف دولة ثالثة.
مصادر وزارة الدفاع التركية قالت، إن “القوات المسلحة التركية تجلب الاستقرار والسلام أينما ذهبت، ولا تشكل تهديدًا لأحد لا يشكل تهديدًا لها”.
كما أن إسرائيل تتصرف بسياسة خارجية تتسم بالمواجهة وتستهدف تركيا باتهامات غير عادلة، وتحاول من خلال تصريحات استفزازية إثارة البلبلة وإيجاد تصور لدى الرأي العام الدولي بأن هناك ما يسمى بالتوتر بين البلدين، وفق المصادر ذاتها.
وذكرت مصادر الوزارة أنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار على هذا المسار الذي اختارته للتغطية على أفعالها غير القانونية.
المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، قال قبل نحو أسبوع، خلال الإحاطة الأسبوعية للوزارة، إن إسرائيل التي تواصل اعتداءاتها الاستفزازية الهادفة إلى المساس بسيادة سورية وسلامة أراضيها وزعزعة أمنها واستقرارها، بمبررات واهية لا أساس لها من الصحة رغم عدم وجود أي تهديد أو هجوم موجه إليها، يجب عليها أن توقف هذه الاعتداءات في أسرع وقت ممكن، كما دعا إسرائيل إلى التصرف وفقًا لمبادئ حسن الجوار والمساهمة في استقرار وأمن سوريا.
ورغم أن الجولة الأولى من المفاوضات في أذربيجان لم تنتج أي تفاهمات بين الجانبين حول التدابير لمنع التوترات بينهما، من المتوقع أن تُستأنف المفاوضات بين الجانبين “بعد انتهاء عطلة عيد الفصح” التي تمتد بين 12 و19 من نيسان الحالي.
ووفق هيئة البث الإذاعي الإسرائيلي (مكان)، هدفت المفاوضات إلى “إيجاد طريقة لمنع الحرب”، وفي إطار محاولة إنشاء آلية بين إسرائيل وتركيا لمنع الحوادث بين الجيشين في سوريا.
أوضح الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، لعنب بلدي، أن جلوس الطرفين على الطاولة لأول مرة حتى لو لم تكن هناك نتائج، فهذا يعني أن مساقات التفاهم جرى فتحها، ولا بد من التفاوض بين الطرفين بصورة مباشرة، وهو ما أرادت واشنطن قوله، فالصراع بين الطرفين في سوريا مرفوض، وعلى تركيا تفهم مخاوف إسرائيل، وعلى إسرائيل تجنب الصدام مع تركيا.
وهذا يعني أن الطرفين مضطران لزيادة التواصل ونسبة التفاهم، فالإسرائيلي لن يسمح تحت أي ظرف لتركيا بتشكيل قوة عسكرية حقيقية أو قواعد عسكرية في المناطق التي يراها مؤثرة على أمنه، ما يعني أن على تركيا أن تعيد التفكير بوجودها في هذه المنطقة.
كما لن تسمح إسرائيل بدور عسكري تركي كبير قبل تبديد مخاوفها فيما يتعلق بالنظام الحاكم والفصائل الموجودة في سوريا، وهذا يعني تأهيل دمشق لسلام مع إسرائيل بما يخفف التوتر بين تركيا وإسرائيل.
أثبتت إسرائيل استعدادها لضرب المصالح التركية في سوريا والذهاب أبعد من ذلك، وتركيا عليها أن تتكيف مع ذلك، ومن هنا وضع الرئيس الأمريكي خطًا عريضًا مفاده أن الصدام مع تركيا مرفوض، ما وضع الطرفين أمام ضرورة التفاهم وتبديد مخاوف كل منهما من قبل الآخر.
ورغم مساعي أنقرة للتخفيف من روع إسرائيل حيال وجودها في سوريا، حذّر الرئيس التركي في أكثر من مناسبة أطرافًا لم يسمِّها من محاولة زعزعة الاستقرار في سوريا.
التصريحات الأمريكية التي جاءت من رأس الهرم وقدمت رسائل واضحة حول طبية العلاقات الأمريكية مع تركيا وعلاقة ترامب بأردوغان على المستوى الشخصي، دفعت الإسرائيليين إلى قراءة تبدو أكثر واقعية مما مضى، إذ نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، في 11 من نيسان، تقريرًا مطولًا بعنوان “إسرائيل ستضطر للتأقلم مع النفوذ التركي المتنامي في سوريا”.
ونقل التقرير عن غاليا ليندِنشتراوس، الباحثة في “معهد دراسات الأمن القومي” (INSS) أنه في نهاية المطاف، عندما يتعلق الأمر بسوريا، تهتم تركيا بها أكثر من إسرائيل، وتستثمر تبعًا لذلك، فاهتمام إسرائيل بسوريا أمني بحت، وهذا يمنح أنقرة الأفضلية.
وأضافت الباحثة أن دعم ترامب لأردوغان يقيّد أيضًا قدرة إسرائيل على المناورة، وقالت، “الرئيس ترامب أوضح خلال لقائه الأخير مع نتنياهو في واشنطن أنه مستعد لمساعدة إسرائيل في التعامل مع تركيا، ولكن على إسرائيل أن تُظهر مطالب معقولة”.
وتابعت، “إنه يدفع إسرائيل لتبني نهج الحد الأدنى في سوريا. ولتحديد أولوياتها، سيتعين على إسرائيل التمسك فقط بخطوطها الحمراء الأكثر أهمية، مثل منع نقل الأسلحة الإيرانية إلى (حزب الله) عبر جنوبي سوريا”.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” قالت في تقرير لها نهاية آذار الماضي، إن التحالف بين أنقرة ودمشق سيسمح لتركيا بالاحتفاظ بقواعد عسكرية في سوريا، وهو سيناريو قد يُشكل تهديدًا أكبر لإسرائيل مما شكّلته إيران في السنوات الأخيرة.
وعلى عكس إيران، لا تعد تركيا دولة منبوذة، فهي تحافظ على علاقات وثيقة مع الغرب، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أنها قوة عظمى إقليمية، تتمتع بنفوذ في كل من أوروبا والشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، “من الضروري أن تتبنى إسرائيل سياسة استباقية تهدف إلى منع أي صراع عسكري مستقبلي مع تركيا، من خلال بناء تحالفات استراتيجية في المنطقة، ومن بين هذه التحالفات دول عربية سنية معتدلة كالسعودية ومصر والإمارات، برعاية الولايات المتحدة”.
وخلال سنوات التدخل الروسي في سوريا لحماية نظام بشار الأسد المخلوع، انخرطت روسيا وإسرائيل في تفاهمات وآليات تنسيق ومنع تصادم في سوريا، لكن هذه التفاهمات لم تعصم الأراضي السورية من ضربات إسرائيلية تواصلت على امتداد الخريطة واستهدفت بالمقام الأول الحضور العسكري الإيراني في سوريا، ما يترك الباب مفتوحًا حول شكل أي تفاهم مستقبلي بين تركيا وإسرائيل لفض الصراع فوق الأراضي السورية، في وقت تبدي به دمشق ميلًا للتفرغ للإعمار والبناء والتنمية، لا لفتح أبواب صراعات جديدة وحروب لا قبل لها بها.
وخلال الأيام الماضية، اتجهت واشنطن لتخفيض فعلي بوجودها العسكري على الأراضي السورية، لتبقي على أقل من ألف جندي بعد إغلاق ثلاث قواعد تشغيلية صغيرة، خلافًا لرغبة إسرائيل التي حاولت منع الانسحاب الأمريكي من سوريا وفشلت في ذلك.
وترى إسرائيل أن انسحاب القوات الأمريكية قد يزيد “الشهية التركية” للسيطرة على أصول عسكرية أكثر استراتيجية في سوريا، وفق ما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 15 من نيسان، التي أشارت إلى رغبة الرئيس التركي بالاستفادة من التطورات لتحويل بلاده إلى قوة إقليمية، بما في ذلك في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى