أولى نتائجها "مجلس التنسيق الأعلى"

دمشق- عمان.. نحو علاقة تتجاوز حد الجوار

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يلتقي مسؤولين سوريين بدمشق - 17 نيسان 2025 (وزارة الخارجية السورية)

camera iconوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يلتقي مسؤولين سوريين بدمشق - 17 نيسان 2025 (وزارة الخارجية السورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

تتعدى العلاقات بين الأردن وسوريا كونهما دولتين متجاورتين، فالجارة الجنوبية تسعى للعب دور على خارطة سوريا الجيوسياسية، وخدمة ملفات مشتركة سياسية وأمنية واقتصادية.

ويشير إلى ذلك حضور لافت لعمان في الفعاليات الدولية المتعلقة بدمشق، فضلًا عن زيارات متعددة بين البلدين بعد سقوط النظام السوري السابق، تمخّض عنها مؤخرًا تشكيل “مجلس التنسيق الأعلى”.

سلسلة من الزيارات

مرت العلاقات الأردنية- السورية بمنعطفات عدة خلال حكم النظام السابق، تخللها جمود في معظم مسيرتها خلال السنوات العشر الماضية، بسبب سياسة الرئيس المخلوع، بشار الأسد، القمعية تجاه الثورة السورية التي قامت ضده.

أبعدت تلك السياسة الأسد عن محيطه الإقليمي، وأخرجته من جامعة الدول العربية، إلا أن الأردن كان أبرز الساعين لإعادته إلى المجمع العربي، ويعزى ذلك للملفات المتشابكة بين البلدين.

وبعد سقوط النظام، سارعت عمان للتواصل مع الحكام الجدد في دمشق، وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أول الوزراء العرب وصولًا للعاصمة السورية، في 23 من كانون الأول 2024.

ولم يمضِ شهر على زيارة الصفدي لدمشق، حتى عاود نظيره السوري، أسعد الشيباني، الزيارة إلى عمان في 7 من كانون الثاني الماضي.

بدوره، توجه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بزيارة استمرت نحو ساعتين للقاء الملك الأردني، عبد الله الثاني، في 26 من شباط الماضي، بالعاصمة الأردنية عمان.

خلال اجتماع بين وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني ونظيره الأردني أيمن الصفدي - 17 نيسان 2025 (وزارة الخارجية السورية)

خلال اجتماع بين وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني ونظيره الأردني أيمن الصفدي – 17 نيسان 2025 (وزارة الخارجية السورية)

ترسم شكل العلاقات

الزيارات المتكررة تشير إلى رغبة عمان بأخذ موضع لها على الخارطة السياسية لدى الإدارة السورية الجديدة، وفق ما يشير إليه باحثون.

الباحث السياسي الأردني الدكتور عامر السبايلة، يرى أن الأردن حريص على أن تتطور علاقته مع سوريا، وأن تتجاوز فكرة الجوار، قائلًا إن رسائل واضحة تشير إلى رغبة أردنية بالتعامل مع سوريا الجديدة بأسلوب مختلف.

الرسائل التي تحدث عنها السبايلة تنسحب على حفاوة الاستقبال التي يتلقاها الدبلوماسيون، وحرص الأردن على استمرار التواصل والمشاركة في معظم الفعاليات المرتبطة بسوريا.

من جانبه، قال الباحث السياسي السوري الدكتور نادر الخليل، إن العلاقة السورية- الأردنية، بعد سقوط النظام السابق، ستأخذ منحى مختلفًا تمامًا عما كانت سابقًا.

وأشار في حديثه لعنب بلدي إلى أن الأردن أظهر رغبة واضحة في التعاون مع الحكومة السورية الجديدة.

البحث عن نفوذ

قد يسعى الأردن لتحقيق وجود هوامش لنفوذ ما داخل الكيان السوري الجديد الذي بدأ بالتشكل حديثًا، بحسب ما يرى الباحث نادر الخليل، مشيرًا بذات الوقت إلى نوع من الهشاشة في الجسم الناشئ، حتى الآن.

على الجانب الآخر، قال إن هذا لا يعني أن للأردن رغبة في التأثير أو التهديد بدعم استقلال أو انفصال مناطق في جنوبي سوريا.

وينطبق هذا الأمر على معظم الدول التي لديها مصالح وتأثير أو اهتمام بسوريا، وفق الباحث.

وقال الخليل، إن جميع هذه الدول تسعى لكسب مراكز أو هوامش قوى داخل السلطة، أو لإنشاء تحالف مع قوى أو مع السلطة الجديدة في سوريا، وخاصة في جنوبي البلاد.

من جانبه، قال الباحث السبايلة، إن الأردن يتطلع إلى واقع جديد بعلاقاته مع سوريا، سواء بالتعامل الأمني والتجاري والعلاقات السياسية مع الطرف الآخر بسوريا.

وأضاف الباحث الأردني لعنب بلدي، أن عمان معنية بإنجاح العملية السياسية في سوريا، إلى جانب عواصم عربية أخرى، مثل الرياض وأبو ظبي.

“مجلس التنسيق الأعلى”

أحدث الزيارات بين الجانبين، حتى لحظة تحرير التقرير، كانت زيارة الصفدي إلى دمشق، في 17 من نيسان الحالي، ونتج عنها تشكيل “مجلس التنسيق الأعلى”، الذي يفترض أن يعقد أول اجتماعاته خلال الأسابيع المقبلة.

ويشمل المجلس في عضويته قطاعات متعددة، منها الطاقة والصحة والصناعة والتجارة والنقل والزراعة والمياه وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتعليم والسياحة، بحسب ما ورد في البيان المشترك.

وعلّق الباحث الخليل بأن تأسيس مجلس تنسيق أعلى بين دولتين، يعبّر عن رغبة منهما بتطوير التعاون وتنسيقه بشكل مستدام، وهذا هو جوهر الفهم العام من تشكيله.

ويفهم من تشكيل المجلس، السعي إلى جعل التعاون دائمًا من خلال ترتيبات مستمرة مجدولة ولجان مشتركة تُعنى بملفات مختلفة.

وبذات الوقت، قال الخليل، إنه “لا بد من أن ننتظر لنرى أين تتجه الأمور لاحقًا”.

ملفات مشتركة.. المخدرات والتنظيم

ترتبط سوريا مع الأردن بحدود برية يبلغ طولها نحو 375 كيلومترًا، ويربطهما معبران بريان، الأول “نصيب” يقابله “جابر” من الطرف الأردني، وهو معبر تجاري وإنساني، والوحيد المفعّل حتى الآن.

والمعبر الثاني هو “الجمرك القديم”، وعلى الجانب الأردني “الرمثا” وهو الأقرب إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، إلا أنه مغلق منذ عام 2011، ويجري الأردن فيه أعمال صيانة.

وتشترك دمشق مع عمان بعدة ملفات، أبرزها محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وإيقاف عمليات تهريب حبوب “الكبتاجون” التي راجت في عهد الأسد.

مجلس خماسي

أبرز الملفات التي تهم الأردن هو الأمني، ويتمثل بضبط الحدود، ومحاربة تنظيم “الدولة”، ويمثل استقرار سوريا تعزيز الاستقرار لجارتها الجنوبية الأردن.

وفي هذا الصدد، استضافت عمان اجتماعًا خماسيًا لدول جوار سوريا، ضم وزراء خارجية ووزراء دفاع ورؤساء هيئات الأركان ومديري أجهزة المخابرات في سوريا والعراق ولبنان وتركيا والأردن.

تضمن أحد بنود مخرجات الاجتماع “التعاون في محاربة تهريب المخدرات والسلاح والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتقديم الدعم والإسناد لسوريا في تعزيز قدراتها في هذا السياق”.

الباحث الخليل يرى أن لدى الأردن مخاوف وهواجس أمنية، ولذلك يحتل التعاون الأمني الأولوية مع السلطة الجديدة في سوريا، وله أهمية خاصة.

على الجانب الآخر، قال السبايلة، إن لدى الأردن رغبة بأن يكون له شريك قادر على أن يلعب دور الشراكة الأمنية.

ويعتقد أن الشريك، في إشارة إلى سوريا، لن يكون قادرًا على إنهاء حالة المخدرات أو التعامل مع ملف تنظيم “الدولة” منفردًا، وبالتالي ما يجري الآن هو عملية بناء لهذه الثقة.

وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية حذرت، في 9 من نيسان الحالي، من أن تنظيم “الدولة” أظهر نشاطًا متجددًا في سوريا واستعاد قوته، حيث استقطب مقاتلين جددًا وزاد من عدد هجماته، وفقًا لمسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

تهريب “الكبتاجون” مستمر

يعتبر الأردن البوابة البرية الأبرز لتهريب حبوب “الكبتاجون” في عهد النظام السوري السابق، الذي كان ماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، الراعي له، واستخدم تلك البوابة ممرًا للعديد من الدول العربية وغيرها.

الأردن وطوال السنوات الماضية، عانى من قضية تهريب “الكبتاجون” ووصلت مواجهتها في بعض الأحيان إلى حد الاشتباك مع مهربين على الجانب السوري، وغارات جوية لمراكزهم.

وبعد سقوط النظام، بقي نشاط تهريب “الكبتاجون” عبر الأردن مستمرًا لكن بوتيرة أقل، وسط محاولات من السلطات الجديدة في دمشق لضبطها.

وقال الباحث الأردني السبايلة، إن عمليات تهريب المخدرات القادمة من سوريا لم تنقطع، وبالتالي الحاجة تبرز الحاجة للتعاون أكثر في هذا الملف.

وأشار إلى أن هناك تطورًا في هذا الملف، يتمثل بوجود طرائق جديدة للتهريب، ولاعبين جدد، وبالتالي تصبح المسألة معقدة وبحاجة إلى حلول جذرية.

نشاط تجاري

إضافة إلى الملف الأمني والسياسي، يحتل الجانب الاقتصادي حيزًا من العلاقات، إذ نشطت الحركة التجارية بين البلدين، عقب سقوط النظام.

وارتفعت الصادرات الأردنية إلى سوريا في كانون الثاني الماضي بنسبة 520%، مقارنة بالشهر ذاته خلال عام 2024، وفق تقارير إعلامية أردنية.

كما أصدرت عمان عدة قرارات تتعلق بتسهيل حركة التبادل التجاري بين سوريا والأردن، خاصة نقل “الترانزيت” (النقل بين البلدين بالعبور) فضلًا عن إعادة الرحلات الجوية إلى مطاري دمشق وحلب.

ويعتقد الباحث السياسي الخليل، أن الأردن يسعى لتحقيق مكاسب ومصالح اقتصادية ولعب دور في حركة إعادة الإعمار المقبلة في سوريا.

ويبدو أن الأردن يراهن على أن يلعب القطاع الخاص الأردني دورًا بارزًا بمشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وتحقيق مكاسب اقتصادية منها، بحسب الخليل.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة