خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم
تطرح فوضى انتشار السلاح بعموم المناطق السورية تساؤلات حول سبل حلها، في وقت شرعت فيه الحكومة السورية الجديدة منذ وصولها إلى دمشق، وإسقاط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024، بسحب الأسلحة من أيدي العسكريين السابقين بجيش النظام، وأعضاء ميليشيات غير نظامية كانت تقاتل إلى جانبه.
أحداث الساحل السوري التي وقعت مطلع آذار الماضي، كشفت عن خطورة الظاهرة، إذ أدت أعمال عنف بدأتها مجموعات عسكرية مدججة بالسلاح، وصفتها الحكومة بـ”فلول النظام”، وحملة أمنية مضادة شنتها الحكومة، إلى مئات القتلى والجرحى، ولا يزال التحقيق قائمًا للكشف عن ملابساتها حتى اليوم.
تتخذ الحكومة السورية الجديدة موقفًا حازمًا من انتشار السلاح، إذ تعمل على حصره بيد الدولة، وهو ما جاء على لسان مسؤولين سوريين، بدءًا من الرئيس أحمد الشرع، لكن الواقع يعكس صعوبة هذه المهمة، إذ لا تزال الحكومة تركز بمكافحة انتشار السلاح على المناطق التي تعتبر حواضن شعبية للنظام المخلوع، وتتعامل بجدية أقل في مناطق أخرى كانت تحت سيطرتها باستثناءات، منها ما حصل في بصرى الشام شرقي درعا الأسبوع الماضي.
تحاول عنب بلدي في هذا الملف إجراء مسح لشكل انتشار السلاح في المحافظات السورية، والتغييرات التي طرأت على هذا الانتشار منذ سقوط النظام حتى اليوم.
وتناقش أيضًا خيارات الدولة أمام هذه المشكلة التي تعتبر خطرًا أمنيًا يحيط بسوريا، وأهمية إتمام خطوات نزع السلاح في المستقبل القريب.
رخيص وسهل الاقتناء
تحاول السلطات عبر وزارة الداخلية السيطرة على السلاح المنفلت من خلال عمليات “التسوية” لعناصر قوات النظام السابق، أو ضبطه من “الفلول” (في مخابئ أو منازل أو مستودعات أو بعد اشتباكات دامية)، أو عبر تسلم كميات منه بعد اتفاقيات مع وجهاء قرى وبلدات في أرياف درعا حمص وحماة واللاذقية وطرطوس، سبقتها سيطرة مقاتلي فصائل عملية “ردع العدوان” على مواقع ومخازن ومستودعات لقوات النظام.
هذه الإجراءات لا تزال قاصرة مقابل كميات السلاح المنفلت والمنتشر في سوريا، دون قوانين رادعة تسهل مهمة الجهات المدنية أو العسكرية التي سيطرت على مناطق متفرقة من الجغرافيا السورية.
وتحولت سوريا إلى مستودع مفتوح للسلاح، ومسرح لاستعراض وتجريب مختلف أنواعه، وسوق لرواجه والاتجار به، فكان صوت الرصاص وحمل البنادق من ملامح الحياة اليومية، خلال السنوات الـ14 الماضية.
انفلات السلاح وحالة النزاع وضعا سوريا في المركز الثامن عالميًا والثاني آسيويًا والأول عربيًا في مستوى الجريمة، بمعدل 68.1، وثالث الدول الأكثر خطورة والأعنف في العالم، من حيث انتشار الصراع وشدته وخطره على المدنيين.
في عام 2017، كان يُقدّر عدد الأسلحة الصغيرة المنتشرة في سوريا بما يزيد على 1.54 مليون قطعة سلاح، ويعادل هذا الرقم 8.2% من إجمالي عدد السكان البالغ آنذاك نحو 18.9 مليون نسمة، وفق تقرير لـ”small arms survey“، وهي منظمة بحثية غير حكومية مختصة بشؤون التسليح، مقرها جنيف.
تشير تقديرات المنظمة حينها إلى أن حوالي 655500 قطعة سلاح مملوكة من قبل المدنيين، بينما قدّرت عدد الأسلحة المملوكة من قبل قوات الشرطة والأمن بحوالي 124000 قطعة سلاح.
الأرقام السابقة قد تكون تضاعفت بعد سقوط النظام، وعمليات السطو التي نفذها متمردون أو مدنيون على مخازن تابعة للقطع العسكرية ومراكز الأمن والسلطة بمختلف المناطق والمحافظات التي كان يسيطر عليها النظام السابق قبل سقوطه وانهيار جيشه في 8 من كانون الأول 2024.
وفق رصد عنب بلدي في ست محافظات سورية، فإن من السهل الحصول على قطع السلاح الخفيف والمتوسط، ويجري البيع والشراء عبر ثلاث طرق هي المحال، ووسائل التواصل، والمعارف الشخصية أو مدى القرابة من مقاتلين.
ورصدت عنب بلدي انخفاضًا في أسعار السلاح بعد سقوط النظام يتراوح بين 50 و70%، أرجعه تجار إلى سببين هما:
- كثرة المعروض وانتشار السلاح عبر العثور عليه في الطرق أو السطو والسيطرة على مخازن أو مقار كانت لقوات النظام السابق.
- رغبة البعض ببيع السلاح خشية حيازته بعد استقرار الوضع الأمني وتولي إدارة الأمن العام مسؤولية حفظ الأمن.
عرض عسكري لقوات إدارة الأمن العام في مدينة إدلب خلال فعاليات الاحتفال بيوم ذكرى تحرير المدينة – 29 آذار 2025 (وزارة الداخلية)
من الشمال إلى الجنوب.. متوفر بأسعار متفاوتة
سجلت أسعار السلاح الفردي انخفاضًا ملحوظًا في درعا، حيث كانت البندقية الروسية “AK-47″ (كلاشينكوف) تباع بما يتراوح بين 500 و1000 دولار أمريكي، أما أسعارها اليوم فهي بين 100 و150 دولارًا، مع غياب محال بيع السلاح، بينما ينتشر تجار و”سماسرة” معروفون لدى سكان كل قرية أو يرتبطون بعلاقات فيما بينهم، وأحيانًا يعرض البعض قطع السلاح على مجموعات التواصل الاجتماعي.
في مدينة حماة، رصدت عنب بلدي ثلاثة محال لبيع السلاح الحربي التقليدي علنًا بعد سقوط الأسد، ويتراوح سعر البندقية الروسية بين 150 و400 دولار أمريكي، والقنبلة من 30 إلى 50 دولارًا، والمسدس من 350 إلى 3000 دولار حسب الطراز والجودة.
مراسلا عنب بلدي في دمشق وريفها، أكدا عدم انتشار أو وجود محال لبيع السلاح الحربي، وهو ما أكده أحمد بلّة صاحب محل لبيع بنادق الصيد في مدينة دوما بريف دمشق قائلًا، إن البيع يقتصر على أسلحة الصيد، ضمن محال نشطت بعد سقوط النظام السوري السابق.
وذكر أن أسعار بواريد الصيد انخفضت، فسعر البارودة يبدأ من 500 ألف ليرة سورية وصولًا إلى مليوني ليرة، بينما كان يصل السعر إلى 5 ملايين ليرة قبل سقوط حكم الأسد.
في دير الزور، انخفض سعر السلاح 50%، كما لا توجد محال لبيع السلاح، إذ يتم البيع والشراء عبر تجار سرًا، خشية المساءلة من السلطات سواء “الإدارة الذاتية” أو الحكومة السورية، في حين تنتشر محال بيع اللباس العسكري والجعب.
عضو مكتب العلاقات العامة في إدارة الأمن العام بحلب، عقيل حسين، قال لعنب بلدي، إن تعليمات مشددة صدرت بعد تحرير مدينة حلب من قوات النظام السابق (30 من تشرين الثاني 2024)، نصت على منع التجول بالسلاح داخل المدينة أو بين المناطق السكنية سواء من المدنيين أو العسكريين.
وأضاف حسين أن هذه التعليمات كانت خطوة أولى على طريق الحد من انتشار المظاهر المسلحة، ثم صدر قرار بضرورة عدم حمل السلاح، ما مكّن من ضبط انتشار المظاهر المسلحة بشكل واضح، وبات السلاح محصورًا بيد عناصر الشرطة والأمن.
في حلب، حتى الآن لا يوجد أي تعميم يفرض على المدنيين أو الذين لديهم سلاح فردي بتسليمه للدولة على الإطلاق، فقط تم إجبار عناصر الأمن والشبيحة والجيش السابق على تسليم أسلحتهم وفق إجراءات التسوية، ولاحقًا سيتم فتح باب ترخيص السلاح للذين لديهم أعمال تتطلب الحصول على رخصة.
عقيل حسين
عضو مكتب العلاقات العامة في إدارة الأمن العام بحلب
في ريف حلب، كانت المحال تحصل على ترخيص من قبل “الشرطة العسكرية”، مع ارتباط موافقة استخراج الرخصة بأن يكون المحل مزوّدًا لفصيل عسكري بالذخيرة (مذخّرًا).
نشط سوق السلاح في ريف حلب بعد سقوط النظام السوري، وفق تاجر سلاح في مدينة اعزاز، قائلًا لعنب بلدي، إن معظم المحال نشط بيعها، لكن بعد مرور أربعة أشهر تحولت المحال من السلاح الحربي إلى سلاح الصيد البحري والبري، خشية وجود ضوابط وقرارات جديدة، مع حذر بعدم التعرض للخسارة المالية.
في إدلب، لا تنشط المحال التي تبيع السلاح بكثرة، وتتطلب وجود تراخيص مرتبطة بقرارات كانت تفرضها حكومة “الإنقاذ” التي كانت تسيطر على المدينة سابقًا، منها قرار في كانون الثاني 2021، نص على إغلاق جميع محال بيع الأسلحة في إدلب وريفها، وسحب جميع التراخيص من المحال المرخصة، ومنح مهلة مدتها 15 يومًا لتنفيذ القرار تحت طائلة المسؤولية لمن يخالف ذلك.
وتحتاج محال بيع السلاح في إدلب إلى عدة إجراءات خلال التقديم على رخصة مزاولة المهنة، وإلى عدد من الشروط التي وضعتها وزارة الداخلية أبرزها:
- الكشف على المحل من ناحية الموقع وجهوزيته (أن يكون خارج المناطق السكنية للحفاظ على أمن الأهالي).
- بعد مطابقة الشروط والأوراق المطلوبة، يتم منح رخصة لمزاولة مهنة بيع السلاح لمقدم الطلب، تخوله بيع وشراء الأسلحة الحربية المذكورة بالرخصة.
- يحظر على المحال بيع أي نوع من أنواع المتفجرات مثل “الكوارتكس” (خليط سريع الاشتعال ومادة متفجرة صلبة)، أو “تي إن تي” (من أكثر أنواع المتفجرات شيوعًا في العالم).
صاحب محل بيع أسلحة في سرمدا شمالي إدلب، قال لعنب بلدي، إن الأسعار انخفضت لكثرة المعروض، فمثلًا كان سعر البندقية من طراز “AK” من 900 إلى 1500 دولار، وانخفض إلى 750 دولارًا، مضيفًا أن البندقية والمسدس هما الأكثر طلبًا.
ازدهار في رأس العين وتل أبيض
في مدينة رأس العين، توجد أربعة محال لبيع الأسلحة بمختلف أنواعها، وفي مدينة تل أبيض، توجد ثلاثة محال، وتعمل جميعها دون أي تراخيص رسمية، وتبيع الأسلحة لجميع الأشخاص، دون النظر إلى العمر أو وجود سوابق جنائية، كما تُعرض الأسلحة وتباع بشكل علني عبر مجموعات تطبيق “واتساب”.
مالك عز الدين، أحد تجار الأسلحة في تل أبيض ورأس العين، قال لعنب بلدي، إن تجارة السلاح شهدت ازدهارًا كبيرًا في المدينتين بعد سقوط النظام، خاصة بين سكان الأرياف ومربي الثروة الحيوانية، زادها أن هذه التجارة لا تحتاج إلى أي ترخيص أو إذن مزاولة عمل.
وأضاف أن تدهور الواقع الأمني وزيادة حالات السرقة دفع الكثيرين للإقبال على شراء الأسلحة الفردية والمتوسطة، مثل بندقية “الكلاشينكوف” الروسية، وسلاح “البيكسي” والمسدسات.
وبيّن عز الدين أن بعض السكان يتجهون أيضًا لشراء أسلحة ثقيلة، كقاذف “RPG” وحتى مضاد الطيران من عيار 23، وهي أسلحة متوفرة في المنطقة، مشيرًا إلى أن غالبية العشائر تشتري منه عشرات الأسلحة المتنوعة يوميًا، بهدف تشكيل تكتلات عسكرية خاصة بها، وتسليح أفرادها، كعرف وتقليد متبع.
تواصلت عنب بلدي مع العلاقات العامة المسؤولة عن إيصال تساؤلات الصحفيين إلى الوزارات وإدارات المؤسسات الحكومية، للحصول من الجهات ذات الصلة على توضيحات عن الإجراءات لضبط السلاح، والخطوات لسن قوانين لحمله أو تنظيم العمل به من منح تراخيص أو غيرها من الشروط، لكن لم تتلقّ ردًا حتى لحظة نشر هذا الملف.
نماذج سابقة لنزع السلاح
بعد الحروب والنزاعات، تبّنت العديد من الدول برامج محلية أو بمساعدة دولية وأممية، بهدف ضبط انتشار الأسلحة في أيدي المدنيين والمقاتلين، والتسريح وإعادة دمج المقاتلين، ومنها:
سيراليون
في أعقاب الحرب الأهلية في سيراليون (1991-2002)، نفذت الحكومة برنامجًا لنزع السلاح وإعادة الإدماج، بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني لضمان استقرار المجتمع، ونجحت في:
-
نزع سلاح 75490 مقاتلًا وتسريحهم في جميع أنحاء البلاد، بمن فيهم 6845 طفلًا جنديًا (506 فتيات) 4651 امرأة، ولم تعد هناك جماعات مسلحة غير شرعية تُشكل تهديدًا للدولة.
-
حصل ما يقرب من 55 ألف مقاتل سابق على استحقاقات إعادة الإدماج، وشملت هذه الاستحقاقات برامج تدريب على المهارات والتعليم الرسمي، بالإضافة إلى الدعم الزراعي أو السمكي أو الريادي، ومجموعات أدوات لمختلف الحِرف.
-
تم جمع 42330 قطعة سلاح وأكثر من 1.2 مليون طلقة ذخيرة من المقاتلين وتدميرها.
أفغانستان
استطاع برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الذي أنشأته الأمم المتحدة في أفغانستان، نزع سلاح وتسريح 63 ألفًا من أفراد القوات المسلحة الأفغانية (AMF) من تشرين الأول 2003 إلى تموز 2005، وحصدت أجزاء كبيرة من البلاد فوائد أمنية، رغم التحديات وعقبات عدم الاستقرار.
حتى كانون الأول 2008، أزالت تدخلات برنامج نزع السلاح، وبرنامج حل الجماعات المسلحة غير القانونية الذي تلاه، حوالي 100 ألف قطعة سلاح صغيرة وخفيفة وأسلحة أخرى، دُمِّر نصفها تقريبًا.
الدولة قادرة لكن المشهد معقّد
في اجتماعه الأول مع الحكومة السورية، في 7 من نيسان الحالي، أعاد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الحديث عن أولويات الإدارة السورية الجديدة، وعلى رأسها حصر السلاح بيد الدولة، وتشكيل جيش وطني احترافي.
أهداف الحكومة لا تزال تواجه عوائق، وتعتبر من الملفات المُعقّدة والإشكالية منذ إسقاط النظام، وفق ما يراه الباحث في مركز “الحوار السوري” عامر المثقال.
الباحث قال لعنب بلدي، إن صعوبة الملف تعود لعاملين أساسيين، الأول هو تفاوت سيطرة السلطة على بعض المناطق، مثل مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو مناطق يقطنها الدروز مثل محافظة السويداء جنوبي سوريا، وضاحيتي جرمانا وصحنايا بريف دمشق.
تبدو السلطة قادرة على إنهاء المجموعات الدرزية المسلحة نظريًا، لكنها لا تريد الصدام المباشر، خاصة أن ذلك قد يعطي إسرائيل مبررات لإسرائيل للتوغل أكثر بالعمق السوري بحجة حمايتهم.
كما أن الحكومة السورية تتعامل بحذر مع ملف الأقليات عمومًا، وتعمل على حل الملفات بالتفاوض، ويبدو أنها تحقق اختراقات بذلك تدريجيًا، وفق الباحث.
ومن زاوية أخرى، يعتقد المثقال أن اكتشاف كامل الجيوب ومدافن السلاح في وقت سريع أمر بالغ الصعوبة، وهو ما يبدو واضحًا في مناطق عديدة، مثل الساحل السوري، وأرياف حمص، إلى جانب وجود جيوب واسعة لا يمكن اكتشافها بسهولة لـ”فلول النظام” المخلوع.
وبعد أحداث الساحل السوري ظهرت كميات من السلاح لم تكن قد اكتشفتها الحكومة عند دخولها إلى المنطقة لأول مرة، واعتبر الباحث أن هذه الحالة قد تتكرر كثيرًا مستقبلًا ما لم تُرسم خطة شاملة لمسح المناطق تدريجيًا باستخدام معدات متطورة، إلى جانب التعامل مع المجتمع المحلي لاكتشاف مخابئ السلاح.
وفي 25 من آذار الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية، تسلمها طائرات مسيرة انتحارية “FPV” من وجهاء مدينة القرداحة في اللاذقية غربي سوريا.
وقال بيان مقتضب لوزارة الداخلية، إن الأهالي في مدينة القرداحة، جنوبي اللاذقية، سلموا الوزارة طائرات الـ”FPV” المسيرة، عقب اجتماع بين وجهاء المدينة، ولجنة السلم الأهلي التي شكلتها الحكومة عقب أحداث الساحل.
من جانبه، يرى الباحث المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، أن قدرات الدولة السورية على ضبط السلاح “تبدو جيدة حتى الآن في المرحلة الراهنة”.
وأضاف لعنب بلدي، أن هناك تعقيدات طاغية على المشهد الميداني، لكن الصورة العامة تتجه فعليًا لضبط السلاح وحصره بيد الدولة.
وتملك الدولة، وفق المصطفى، أدوات تدريجية للمضي في ضبط السلاح، تشمل برامج الدمج، والتسويات، والتحفيزات للالتحاق بالمؤسسات العسكرية والأمن الداخلي، مشيرًا إلى أنه بعد تفعيل مجلس الشعب، سيكون هناك قانون جديد لحيازة السلاح بدل القانون القديم يراعي المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد.
لدى الدولة أدوات تدريجية للمضي في ضبط السلاح، تشمل برامج الدمج، والتسويات، والتحفيزات للالتحاق بالمؤسسات العسكرية والأمن الداخلي، وأعتقد أنه بعد تفعيل مجلس الشعب، سيكون هناك قانون جديد لحيازة السلاح بدل القانون القديم يراعي المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد.
محسن المصطفى
باحث في العلاقات المدنية العسكرية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية“
الانتقائية “خطرة”
كأولى الخطوات التي اتخذتها الحكومة لبسط الأمن في المناطق التي دخلتها حديثًا، بعد سقوط النظام، افتتحت مراكز للتسوية في عموم المحافظات والمناطق الإدارية في سوريا، واستهدفت هذه التسويات عناصر الأمن والجيش والشرطة السابقين، مطالبة إياهم بإجراء تسوية، وتسليم أسلحتهم.
وتركزت عمليات التسوية في مراكز المدن، إذا كانت أولوية ملحة لضبط الأمن فيها، لكنها تجاهلت بعض المناطق الريفية التي لم تشكل أولوية على جداول الحكومة خلال الفترة الأولى التي تولت فيها زمام الحكم.
وفي محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، أطلقت وزارة الداخلية مراكز للتسوية في مراكز المدن، منها حماة وسلمية ومصياف، ودعت أبناء القرى والبلدات للتوجه لهذه المراكز، لكن جزءًا من أبناء الريف امتنعوا عن تسليم أسلحتهم في وقت سلم فيه سكان المدن أسلحتهم، ولم تجرِ السلطات عمليات تفتيش بحثًا عن أسلحة منذ ذلك الحين في هذه المناطق.
وقال الصحفي عراق زينو، الذي يقيم في مدينة سلمية شرقي حماة، إن التفاوت في سحب الأسلحة خلق حالة من الشعور بتفاوت القوى، خلّفت شعورًا بعدم الأمان بالنسبة لأبناء مدينة سلمية حيث يقيم.
الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، يرى أن الانتقائية في سحب السلاح تمثل “خطرًا حقيقيًا” على المجتمع المحلي، إذ تخلق بيئة من انعدام الثقة بين المكونات الاجتماعية، وتعزز احتمالية نشوب صراعات محلية أو عودة مظاهر الميليشيات.
واعتبر أنه يجب تبني سياسة شاملة لضبط السلاح دون استثناءات مناطقية أو طائفية، إلى جانب ربط نزع السلاح بخطط إعادة إدماج واضحة وفرص اقتصادية عادلة، وإطلاق حملات توعية مجتمعية تشجع على تسليم السلاح طوعًا، لافتًا إلى ضرورة إشراك قيادات المجتمع المدني والوجهاء المحليين في عملية الوساطة وبناء الثقة.
من الضروري تبني سياسة شاملة لضبط السلاح دون استثناءات مناطقية أو طائفية، إلى جانب ربط نزع السلاح بخطط إعادة إدماج واضحة وفرص اقتصادية عادلة، وإطلاق حملات توعية مجتمعية تشجع على تسليم السلاح طوعًا، وإشراك قيادات المجتمع المدني والوجهاء المحليين في عملية الوساطة وبناء الثقة.
نوار شعبان
باحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”
من جانبه، يرى الباحث محسن المصطفى أن من الطبيعي أن تركّز الدولة السورية على سحب السلاح من المناطق التي كانت خارج سيطرتها، أو المناطق التي تعتبر موالية للنظام السابق، لأن التهديد الأمني سيكون في هذه المناطق، لا في المناطق التي تعد حاضنتها الشعبية والتي انطلقت منها عمليات التحرير.
وأضاف المصطفى لعنب بلدي أنه يُنظر إلى السلاح في المناطق المعروفة بأنها متمردة ضد السلطة كتهديد محتمل، ما يدفع السلطات إلى فرض سياسات أكثر صرامة لنزعه كجزء من إعادة فرض السيادة للدولة، أما في مناطق الحاضنة التقليدية، فيُعتبر السلاح “عنصرًا مواليًا” ما يُفضي إلى التغاضي عن وجوده مؤقتًا، ولكنه ليس ذا أولوية عاجلة.
الباحث عامر المثقال يعتقد في هذا الشأن أن هناك أولويات لدى الحكومة الحالية في قضية نزع السلاح، وهو أمر طبيعي، على اعتبار أن المخاطر الأمنية التي تأتي من مناطق سيطرة النظام المخلوع هي أكبر مما هي عليه في مناطق كانت تسيطر عليها قوى المعارضة بالشمال السوري.
ومع ذلك، اعتبر المثقال أنه لا ينبغي التساهل مع بقاء السلاح منتشرًا في مناطق الحاضنة الشعبية للحكومة، ويجب العمل على نزعه هناك وإنهاء فوضى السلاح في عموم البلاد، لكن ربما هذا الأمر قد يستغرق وقتًا في ظل تركيز الجهود على إنهاء المخاطر الأمنية على غرار التي حدثت في الساحل مؤخرًا.
ولفت إلى أن الحالة الانتقائية في سحب السلاح خطرة بحد ذاتها، إذ قد تشكل محفزات لأطراف أخرى تدفعها للاحتفاظ بأسلحتها، وتخلق لديها الذرائع لإبقاء السلاح بيدها، خصوصًا مع حالة عدم الاستقرار في العديد من المناطق، لكن أولويات الحكومة الحالية، تقوم على تحييد المناطق الأكثر خطرًا ثم الانتقال لاحقًا للمناطق الأقل خطرًا.
الحالة الانتقائية في سحب السلاح تؤدي إلى مخاطر لأنها قد تشكل محفزات لأطراف أخرى للاحتفاظ بأسلحتها، وتخلق لديها الذرائع لإبقاء السلاح بيدها، خصوصًا مع حالة عدم الاستقرار في العديد من المناطق.
عامر المثقال
باحث في مركز “الحوار السوري”
صادر عناصر إدارة الأمن العام أسلحة وذخائر في مساكن برزة بمدينة دمشق – 14 نيسان 2025 (وزارة الداخلية)
أولوية مؤثرة على ملفات أخرى
ترتبط عمليات سحب السلاح وحصره بيد الدولة بمجموعة من العوامل التي تشغل أولوية الحكومة، منها قضايا السلم الأهلي، وسياق أمني طويل يحمي من وجود أي سيناريو فعّال لانقلاب عسكري قد يؤدي حدوثه إلى تغير مسار الأحداث في عموم سوريا.
عملية ضبط السلاح اعتبرها الباحث في مركز “الحوار السوري” عامر المثقال، من أبرز أولويات سوريا الوليدة، إذ تخفف من المخاطر الأمنية والعمليات الانتقامية والثأرية، واعتبر الباحث أن بقاء السلاح بيد جماعات أو جهات خارج السلطة ربما يشكل تهديدًا بإنتاج الفوضى والاقتتال، ويهدد مسار العدالة الانتقالية.
وأكد الباحث أن بقاء السلاح بيد جماعة دون غيرها يشكل محفزًا لبقية الجماعات والقوى على التسلح، لافتًا إلى أن من الضروري ضبط السلاح بهدف منح الثقة للسلطة من قبل المجتمع المحلي، وتعزيز مركزيتها كسلطة.
ويرى الباحث محسن المصطفى أن ضبط السلاح يمثل أحد الأعمدة الأساسية لبناء دولة القانون والمؤسسات في مرحلة ما بعد الصراع.
وأضاف لعنب بلدي أنه بالنسبة للدولة، يعتبر حصر السلاح في يد القوات النظامية حجر الأساس في ترسيخ مركزية القرار، وإنهاء ظواهر القوة الموازية، أو القوى الفرعية المحلية التي تقوّض سيادة الدولة، كما يسمح بإعادة هيكلة القطاع العسكري والأمني بشكل منظم، بما يعزز من هيبة الدولة ويُسهّل عمل المؤسسات القضائية والخدمية.
واعتبر أيضًا أن تقليص انتشار السلاح يسهم في تقليص النزاعات المحلية، ويخلق بيئة أكثر أمانًا تسمح بالتعافي الاجتماعي، وتشكل دافعًا لعودة النازحين واللاجئين طوعًا، إلى جانب إتاحة إطلاق عملية تنمية فعلية.
من جانبه، يرى الباحث نوار شعبان أن ضبط السلاح يعتبر شرطًا أساسيًا لإعادة بناء الدولة المدنية، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وقال الباحث، إنه من وجهة نظر الدولة، يعتبر سحب السلاح من الجماعات غير النظامية، معززًا لاحتكارها الشرعي للقوة، ويمنع تفكك القرار السيادي، أما بالنسبة للمجتمع، فيضمن سحب السلاح الأمن، ويقلل من احتمالات النزاعات المحلية، ويحمي النسيج الاجتماعي من التشرذم والاقتتال الداخلي.
ولفت إلى أن ضبط السلاح أيضًا يعتبر شرطًا ضروريًا لإنجاح برامج العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويشكّل قاعدة الانطلاق نحو دولة قانون ومؤسسات.