
الجهة المقابلة لتجمع انطلاق سرافيس البرامكة وسط دمشق- 10 من نيسان 2025 (عنب بلدي/ جنى العيسى)
الجهة المقابلة لتجمع انطلاق سرافيس البرامكة وسط دمشق- 10 من نيسان 2025 (عنب بلدي/ جنى العيسى)
عنب بلدي – جنى العيسى
يستخدم معظم السوريين “السرفيس” (حافة نقل تتسع لعدد يتراوح بين 10 و12 من الركاب) للانتقال نحو جامعاتهم وأعمالهم، ويدفع بعضهم ثلث راتبهم في المواصلات، ما يزيد من صعوبة معيشتهم، ناهيك بانتظار “السرافيس” على الطرق العامة بسبب حاجتهم لركوب أكثر من وسيلة نقل يوميًا توصلهم إلى وجهتهم.
رصدت عنب بلدي مشاهدات من إحدى رحلات “السرفيس” بين مدينة الكسوة ودمشق، إذ تبعد الكسوة ما يزيد على 21 كيلومترًا عن العاصمة باتجاه الجنوب.
معظم الركاب كانوا من كبار السن والفتيات، كلماتهم قليلة ووجوههم متعبة ومثقلة بالهموم.
على كرسي جانبي، عادة ما يضيفه سائقو “السرافيس”، وفي رحلة على خط الكسوة- نهر عيشة، تجلس دانية (20 عامًا) قاصدة كلية الهندسة الزراعية في منطقة “الهمك” على أطراف مدينة دمشق، حيث تستقل يوميًا ثلاثة “سرافيس” حتى تصل إلى جامعتها خلال مدة تتجاوز الساعة.
تدفع دانية يوميًا 30 ألف ليرة سورية (3 دولارات أمريكية) لقاء ذهابها وعودتها من “الهمك” إلى الكسوة بريف دمشق، وهو مبلغ يصل متوسطه شهريًا إلى نحو 600 ألف ليرة سورية، أي ما يزيد على معدل الحد الأدنى للأجور.
إلى جانب العديد من الصعوبات التي يعانيها طلاب الجامعات، تبرز المواصلات كمشكلة رئيسة تزيد من إرهاق ذوي الطلاب الذين يستطيعون بالكاد تأمين مستلزمات العائلة المعيشية، فتأتي المستلزمات الدراسية لتشكل عامل ضغط إضافي على رب الأسرة.
قالت دانية لعنب بلدي، إن تكلفة الوصول من وإلى الجامعة ترهق والدها المسؤول عن ستة أفراد في عائلته، إلا أنه مجبر على دفع أدنى التكاليف المتعلقة بالمحاضرات وأجور النقل فقط، لتستغني الشابة عن كل مصروف إضافي يواجهها في أثناء دراستها الجامعية.
وتشكل أجور المواصلات عامل ضغط إضافي في معظم المحافظات السورية على الطلاب والموظفين المجبرين على استخدام المواصلات لخمسة أيام متتالية في الأسبوع على الأقل.
عدة موظفين سواء في القطاع العام أو الخاص التقتهم عنب بلدي، اشتكوا صرف أكثر من نصف الراتب فقط على المواصلات، إذ تعادل أجرة “السرفيس” الواحد تقريبًا خمسة آلاف ليرة سوريا (0.5 دولار أمريكي)، ومعظم الموظفين يسكنون في أماكن بعيدة عن عملهم وسط دمشق، بسبب رخص إيجارات المنازل، ما يجبرهم على ركوب أكثر من “سرفيس” للوصول إلى العمل والعودة إلى المنزل.
وفرض سائقو “سرافيس” و”باصات” النقل أسعارًا عشوائية على الركاب في معظم المحافظات أبرزها دمشق، مستغلين الفوضى التي أعقبت سقوط النظام السوري.
مدير العلاقات العامة بوزارة النقل السورية، عبد الجواد كيالي، أفاد في وقت سابق أنه تتم دراسة أجور وسائل النقل العامة (الباصات، السرافيس) لجميع الخطوط وفق معايير محددة، وسيتم اعتمادها فور الانتهاء منها.
وذكر كيالي لعنب بلدي أنه لن تكون هناك تسعيرة مخصصة لمحروقات وسائل النقل العامة، مشيرًا إلى أن الدراسة التي تقوم بها الوزارة تجري بناء على الأسعار المحددة من قبل وزارة النفط.
وأضاف أنه يوجد مراقبون للخطوط، يقومون بالتفتيش بشكل دوري ومحاسبة المخالفين.
قادمًا من غباغب، وهي مدينة تقع في محافظة درعا الجنوبية وتبعد نحو 40 كيلومترًا عن وسط العاصمة دمشق، برفقة ابنته، يأتي خالد كرمان (60 عامًا) قاصدًا فرع البنك العقاري في منطقة الحريقة وسط دمشق، في رحلة شهرية لقبض راتبه حيث لا توجد هناك صرافات يتوفر فيها المال.
يعد المشهد الأكثر تكرارًا خلال المشي في شوارع دمشق المختلفة، الطوابير والازدحام أمام الصرافات الآلية بعد قرار صرف الرواتب والمعاشات، حيث يشتكي سوريون من نفاد الأموال من الصرافات أو خروجها عن الخدمة، وبالتالي في كثير من الأحيان ينتظرون عدة ساعات على الطابور ثم يعودون دون أن يقبضوا راتبهم، ويتكرر هذا الأمر مع كثيرين لعدة أيام متتالية.
وتعتبر الصرافات التابعة للمصرفين “العقاري” و”التجاري” الأقدم والأكثر أعطالًا، فضلًا عن بطء الصالح منها للعمل في تنفيذ المعاملات النقدية.
يبلغ راتب خالد كرمان التقاعدي 300 ألف ليرة (أقل من 30 دولارًا)، وهو مبلغ زهيد جدًا، لا يكفيه لساعات، ويدفع لقاء الحصول عليه خلال رحلة سفره 40 ألف ليرة سورية، وفق ما قاله لعنب بلدي.
حتى يستطيع كفاية مستلزمات عائلته المكونة من ثمانية أشخاص، يعتمد الرجل الستيني على محل خاص به للحدادة في مدينته غباغب، ومن خلال العمل القليل الذي يأتيه فيه، يؤمّن فقط المستلزمات الأساسية للأسرة.
اشتكى خالد كرمان من غلاء أسعار المواد الأساسية، موضحًا أنه يحتاج شهريًا لشراء الخبز بمبلغ 300 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل راتبه الشهري، فيما يبلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي 140 ألف ليرة سورية، وهي أمور أساسية يجب توفرها ناهيك بأسعار المواد الغذائية اللازمة لتأمين طبخة يومية بسيطة.
أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرًا، في 20 من شباط الماضي، قال إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة عاطل عن العمل.
ولفت إلى أن 75% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، تشمل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف والأمن الغذائي والمياه والطاقة والمأوى.
على كرسي “السرفيس” الأخير يجلس موسى النجم (24 عامًا)، وهو خريج كلية الهندسة بجامعة “دمشق”، بهندام تظهر عليه الأناقة التي قلما تشاهدها في شوارع دمشق، جراء ضغط الحياة المعيشية وعدم اكتراث الناس لهندامهم وملابسهم إلا بالحد الأدنى.
في ذلك اليوم، كان موسى يقصد شركة “الحافظ” للأدوات الكهربائية قرب منطقة صحنايا، حيث ينتظر إجراء مقابلة عمل لدى الشركة بهدف حصوله على وظيفة بعد عام من البحث المستمر دون جدوى.
لا يملك الشاب أي معلومات قبل إجراء مقابلة التوظيف حول قيمة الراتب الذي سيحصل عليه في حال تم قبوله في العمل، إلا أن ما سمعه من معارفه أن الشركة ملتزمة بتأمين “سرفيس” لتقل الموظفين، وهو أمر إيجابي يساعده في تنقله بين الشركة ومدينة غباغب، ويسهل عليه وقت الانتظار، ويوفر عليه دفع تكاليف المواصلات.
في سوريا، بات البحث عن فرصة عمل مهمة شاقة تُرهق أصحاب الخبرات والشهادات العلمية، ما قد يجبرهم على قبول أي عمل حتى لو كان بعيدًا عن اختصاصهم بهدف الحصول على دخل مؤقت يضمن تغطية احتياجاتهم.
عبد الله حسين (45 عامًا)، مدرّس في إحدى المدارس الحكومية بمنطقة صحنايا يقيم في نهر عيشة، وينتقل بشكل يومي بين هاتين المنطقتين، صباحًا إلى المدرسة ثم إلى معهد خاص يدرّس فيه، ثم يعود إلى منزله بعد أكثر من 10 ساعات عمل متواصلة يوميًا.
لقاء دوامه الطويل يحصل المدرّس على دخل شهري يصل حد الكفاف فقط، بحسب ما قاله لعنب بلدي، وهو مسؤول عن عائلة مكونة من سبعة أشخاص.
حال الشاب كحال معظم الشباب المقيمين في سوريا ممن تسنى لهم العمل في القطاع الخاص والالتزام بعملين لتأمين حاجيات عائلاتهم.
مطلع العام الحالي، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة” حاجز 14 مليونًا و500 ألف ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو تسعة ملايين و100 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.
ولمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، يلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر دخل، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، كما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفيض معدّل إنفاقها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى