دفع سعودي نحو دعم البنك الدولي لسوريا.. مكاسب مشروطة

واجهة مبنى مصرف سوريا المركزي في ساحة السبع بحرات وسط دمشق- 15 من نيسان 2025 (عنب بلدي/ جنى العيسى)

camera iconواجهة مبنى مصرف سوريا المركزي في ساحة السبع بحرات وسط دمشق- 15 من نيسان 2025 (عنب بلدي/ جنى العيسى)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

تنشط المملكة العربية السعودية في وساطات تصب بمصلحة الاقتصاد السوري، أبرزها ما ذُكر خلال الأيام الماضية بشأن عزمها سداد ديون سوريا لدى البنك الدولي، فضلًا عن استضافتها المحتملة لاجتماع من شأنه استعادة دعم سوريا من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خلال الفترة المقبلة.

في 18 من نيسان الحالي، قال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، عبد الله الدردري، إن مسؤولين سيناقشون خطوات رئيسة لاستعادة الدعم لسوريا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، موضحًا أن اجتماعًا بشأن سوريا تستضيفه السعودية والبنك الدولي سيعقد على هامش الاجتماعات السنوية للهيئات المالية الدولية في العاصمة الأمريكية واشنطن، الأسبوع المقبل.

واعتبر الدردري أن هذا يعطي إشارة لبقية العالم ولشعب سوريا بأن هذه المؤسسات المالية الكبرى جاهزة لتقديم الدعم.

قبل ذلك بأيام، ذكرت وكالة “رويترز” أن السعودية تخطط  لسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي، البالغة نحو 15 مليون دولار أمريكي.

وأشارت “رويترز” إلى أن سداد الديون يمهد الطريق لتقديم منح محتملة بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم اقتصادي آخر لسوريا.

اختبار موقف أمريكا

تعد التحركات السعودية في هذا الإطار مساعدة مباشرة وتطبيقًا لوعود سعودية بتقديم الدعم الممكن لسوريا منذ مؤتمر الرياض في شباط الماضي، تتمثل مكاسبها بشكل رئيس بدعم الحكومة والدولة السورية، وفق ما قاله أستاذ الاقتصاد والمالية الدولية في جامعة “غازي عينتاب” التركية الدكتور السوري عبد المنعم الحلبي، لعنب بلدي.

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” بمجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، اعتبر أن المملكة العربية السعودية تبدي حرصها على أمن واستقرار سوريا، وهذا انعكاس بجانب منه لنهج المملكة في تعزيز الاستقرار الإقليمي عبر الانخراط بأشكال متعددة لحلحلة بؤر التوتر والنزاعات وتسكينها على طريق معالجتها، وبالتالي تأكيد دورها كقوة إقليمية معززة وضامنة للاستقرار.

بجانب آخر، وهو الأهم من وجهة نظر الدسوقي، يعبر الانخراط السعودي عن إدراك المملكة لدروس الماضي في التعامل مع العراق عقب إزاحة نظام صدام حسين، أي تجاوز الانكفاء في التعامل مع التغيرات الحاصلة في دول الإقليم لمصلحة الانخراط الإيجابي، توجيهًا للتغيير وتحييدًا لنتائجه السلبية ما أمكن.

يعتقد الباحث أيمن الدسوقي، وفق ما قاله لعنب بلدي، أن الانخراط السعودي الراهن يندرج ضمن إطار الانخراط غير المباشر من خلال هياكل دولية وإقليمية.

وفي المبادرة المتداولة بخصوص تسديد ديون سوريا للبنك الدولي، فإن المملكة تحاول اختبار الموقف الأمريكي تجاه سوريا وعدم الاصطدام بعقوباتها، وكذلك تأطير تدخلها بمساعدات موجهة لدعم الدولة السورية واستعادة دورها داخليًا وخارجيًا.

تواجه المبادرة السعودية تحديات تقنية ذات صلة بالبنك الدولي وآليات تدخله وعمله مع سوريا، وأخرى سياسية ذات صلة بالتحديد بالموقف الأمريكي ومدى تجاوب الإدارة السورية الجديدة مع هذه المبادرات وتقديم خطوات بالمقابل، وفق الدسوقي، مضيفًا أن هذه التحديات ليست صعبة ويمكن تجاوزها.

من جهته، اعتبر الأستاذ المشارك في قسم إدارة الأعمال بـ”كليات الشرق العربي” والدكتور في الاقتصاد عماد الدين المصبح، أن مبادرة المملكة العربية السعودية تجاه سوريا خطوة نحو الاستقرار والتعافي، وهي مبادرة نبيلة تعكس حرصها على استقرار المنطقة ودعم الأشقاء.

وتهدف هذه الخطوة الاستراتيجية وفق ما قاله المصبح لعنب بلدي إلى:

  • إعادة سوريا إلى الحضن الدولي: تمهيدًا لعودتها للنظام المالي العالمي وحصولها على التمويل اللازم لإعادة الإعمار والتنمية.
  • تعزيز الدور القيادي للمملكة: تأكيد مكانة المملكة كقوة إقليمية فاعلة تسعى لاستقرار المنطقة وازدهارها، وتعزيز نفوذها الإيجابي في الملف السوري.
  • فرص اقتصادية واعدة: فتح آفاق للشركات السعودية والخليجية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، خاصة في القطاعات الحيوية.
  • تحقيق الاستقرار الإقليمي: إدراكًا لأهمية استقرار سوريا للأمن الإقليمي، وتقويض نفوذ القوى التي تسعى لزعزعة الاستقرار.

مهمة البنك الدولي

البنك الدولي هو إحدى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية، بدأ نشاطه بالمساعدة في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

يعد الإعمار في أعقاب النزاعات موضع تركيز عام لنشاط البنك نظرًا إلى الكوارث الطبيعية والطوارئ الإنسانية، واحتياجات إعادة التأهيل اللاحقة للنزاعات والتي تؤثر على الاقتصادات النامية والتي في مرحلة تحول.

لكن البنك اليوم زاد من تركيزه على تخفيف حدة الفقر كهدف موسع لجميع أعماله، ويركز جهوده على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تمت الموافقة عليها من جانب أعضاء الأمم المتحدة عام 2000، والتي تستهدف تحقيق تخفيف مستدام لحدة الفقر.

مكاسب سوريا

جراء المبادرة السعودية المتعلقة باستعادة دعم سوريا من قبل البنك الدولي، أكد الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي أن هناك مكاسب لسوريا تتعلق بتوجيه الدعم المالي المتوقع لتنشيط قطاع الطاقة الحيوي للمواطن والاقتصاد السوري، كذلك فتح قنوات تفاوضية خلفية مع الإدارة الأمريكية عبر البنك الدولي لتليين موقفها تجاه الإدارة السورية الجديدة.

أيضًا فيما يتعلق بتفعيل مشاركة سوريا في المؤسسات الدولية وما لذلك من انعكاسات على مناخات الاستثمار والتنمية، ولكن بالمقابل، هنالك تخوف من القيود والأجندة التي قد يفرضها البنك الدولي على سوريا فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد ودور الدولة فيه، وما يتصل بسياسات الدعم الاجتماعي وغيرها، بحسب الدسوقي.

يمكن للفريق الاقتصادي الذي وردت أنباء عن حضوره الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي استطلاع مناحي الدعم الممكنة من القروض والتسهيلات التي تقدمها هيئات البنك الدولي لدعم بيئة الاستثمار، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للقطاع الخاص، بحسب ما يرى الدكتور عبد المنعم الحلبي.

العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا وغموض الموقف الدولي من أبرز التحديات المحتملة التي تواجه التحركات نحو البنك الدولي، وفق الدكتور عماد الدين المصبح، معتبرًا أن العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على سوريا تظل العائق الأكبر، وتتطلب إيجاد آليات قانونية لتجاوزها، كما أنه بسبب غموض الموقف الدولي قد تواجه المبادرة تساؤلات أو تحفظات من بعض الأطراف الدولية، خاصة الغربية.

في حال استعادة دعم البنك الدولي لسوريا، يرى المصبح أن سوريا ستحقق مكاسب جمة، تتمثل باستعادة أهلية سوريا للاقتراض من البنك الدولي والحصول على منح وقروض حيوية للتنمية، فضلًا عن إرسال إشارة إيجابية للمستثمرين والداعمين الدوليين، وتعزيز الثقة في تعافي سوريا، كما يمكن اعتبار ذلك خطوة حاسمة نحو إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، وتحقيق الاستقرار والتعافي المنشود.

لماذا تلجأ الدول للبنك الدولي

الهدف العام من التعامل مع البنك الدولي هو تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه، والتي تحتاج إلى مساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة تكلف كثيرًا وتساعد في الأجل الطويل على تنمية اقتصاد الدولة وبذلك تستطيع أن تواجه العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها.

مساعدة البنك تكون إما بإقراض الدول من أمواله الخاصة، وإما بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي.

وتقدم كل دولة عضو في البنك من اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهبًا أو دولارات أمريكية ما يعادل 18% من عملتها الخاصة، والباقي يظل في الدولة نفسها، ولكن البنك يستطيع الحصول عليه في أي وقت لمواجهة التزاماته.

وبشكل عام، يقوم البنك بإقراض الحكومات مباشرة أو بتقديم الضمانات التي تحتاج إليها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة