بطولة؟ مين البطل؟
خطيب بدلة
أميل إلى الظن، بأن أكثر مفهوم يحتاج إلى المراجعة، في لغتنا المعاصرة، هو مفهوم البطولة، فهو يصلح للخطابة الإنشائية، واستدرار التصفيق من الجماهير، أكثر مما يصلح لقراءة الواقع.
ولّت، إلى غير رجعة، صورة البطل المغوار، الصنديد، قاهر الأعداء، الذي يكر ولا يفر، يقبل ولا يدبر، لسبب نعرفه، ولكننا نتجاهله، أو نقفز فوقه، وهو أن “موضة” المعارك التي كان يبرز فيها ذلك “الموديل” من الأبطال، “بطلت”.. ولكن، ولأن شعبنا ما زال يحمل عقلية الماضي، ترانا نلح على استرجاع ملامح البطولة الغابرة، في حكاياتنا، وأشعارنا، وأغانينا، وأمثالنا الشعبية.. فترى القادة المعاصرين، المفلسين من جهة “الشرعية الدستورية”، القادمين إلى السلطة في بلادهم بانقلابات عسكرية، أو تفاهمات دولية، يستجدون صورة البطل الغابر، ويبرز الواحدُ منهم صورته وهو يمتطي ظهر حصان، مثلما فعل باسل الأسد، عندما كان والده يحضره لتحويل سوريا إلى جمهورية وراثية.. وباسل استمرأ الحكاية، فأقام لفروسيته مهرجانًا، ورسم له مرافقوه “سيناريو” مسابقة، يفوز فيها على نحو حتمي، حتى ولو اضطر لسجن منافسه، دواليك حتى أكسبوه لقبًا عنتريًا هو “الفارس الذهبي”.. ومن يريد أن يأخذ عبرة من كل هذا التزييف، لا بد أن يتساءل عن السبب الذي جعل باسل يموت وهو يقود سيارته بسرعة البرق، على طريق المطار، بدلًا من أن يموت على ظهر حصانه المكر، المفر، المقبل، المدبر..
الرئيس العراقي، صدام حسين، امتطى الحصان، أيام غزوه الكويت، مع أن جيشه غزا الكويت بالأسلحة الحديثة، وحينما غاب عن الساحة الإعلامية برهة، وظن الناس أنه مريض (يودع)، خرج على شعبه وهو يحمل البارودة الكلاشينكوف بيد واحدة، ويطلق النار في الهواء. هذه الإيحاءات، المتتالية، تكفي لإقناع الناس السذج، بأن صدام بطل مغوار، ولكنك لو نظرت إلى نتائج المعارك التي خاضها، وكلفت الشعب العراقي عشرات الألوف من الشهداء، ومئات المليارات من الدولارات، لأصبت بخيبة أمل مريرة، ابتداء من الحرب مع إيران، التي دامت بضع سنوات، ولم يربحها أي من الطرفين، ثم غزو الكويت الذي أدى إلى هزيمته، وتدمير قسم كبير من جيشه في سنة 1991.. وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن جورج دبليو بوش، رئيس أمريكا، تذرع بأحداث أيلول 2001، واعتدى على سيادة العراق، دون وجه حق، ولكن، ومع ذلك، فقد أدى هذا العدوان إلى إسقاط نظام صدام حسين، “البطل”.
هنا، وبنتيجة هذه المراجعة، يأتي السؤال الأهم: من هو البطل؟ أنا، محسوبكم، أرى البطولة في أشخاص لا أسماء لهم، ولا رتب، ولا يتمتعون بأي نوع من الأهمية، فالبطلة هي المرأة التي مات زوجها في الحرب، فخرجت تعمل في البيوت، لتطعم أطفالها، والبطل ذلك الرجل الذي سمع أصوات مسلحين، يعتدون على جاره الأعزل، فخرج يتصدى لهم، وتعرض للضرب والإهانة، والبطل هو الرجل الذي خبأ جاره، ذات حرب إبادة، وأطعمه، وطمأنه، وطيب خاطره..
قال نزار قباني: إذا خسرنا الحرب لا غرابة / لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة / بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :