الحوالات.. “اقتصاد نجاة” يعزز الهشاشة والتبعية

  • 2025/04/14
  • 1:19 م
فئات من العملة السورية والدولار الأمريكي - آذار 2022 (عنب بلدي)

فئات من العملة السورية والدولار الأمريكي - آذار 2022 (عنب بلدي)

عنب بلدي – زينب ضوا

يعتمد كثير من السوريين ممن لديهم أقرباء في الخارج على الحوالات الخارجية لمواجهة الأزمة المعيشية والاقتصادية، وتكتسب هذه الحوالات أهمية في الوقت الذي تنعدم فيه الموارد الأخرى أمام الارتفاع في الأسعار وتذبذب سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية الذي أرجعه خبراء اقتصاديون مؤخرًا إلى عدة أسباب، أبرزها ما أسموه ”المضاربة”، التي تهدد حالة استقرار الليرة ومن بعدها الاقتصاد.

الحوالات الخارجية التي يرسلها السوريون في بلدان اللجوء لأهاليهم، شكلت وسيلة تنفس تعتمد عليها آلاف الأسر السورية في الداخل.

بعد تحرير سوريا زادت وتيرة دخول القطع الأجنبي إلى البلاد، بالتزامن مع عودة العديد من المغتربين الذين قدموا إلى سوريا، إضافة إلى التحويلات المرسلة من بلدان اللجوء.

علي عيسى، شاب سوري مقيم في ألمانيا قال لعنب بلدي، إن إرسال الحوالات المالية اليوم إلى سوريا أصبح أقل صعوبة مما كان عليه، إذ كان النظام السابق يفرض عقوبات على السوريين الذين يتعاملون بالدولار الأمريكي، والذين يعملون في تحويل الأموال.

أما اليوم وبعد التحرير، فزالت هذه المشكلة لكن انخفضت قيمة الحوالة، إذ كان يرسل سابقًا لأهله في محافظة درعا 300 دولار كانت قيمتها قبل سقوط النظام أربعة ملايين ونصف مليون ليرة سورية، بينما اليوم أصبحت تساوي 3 ملايين، بحسب علي.

التقديرات تشير إلى أن الحوالات تتراوح تقريبًا بين 3 و4 مليارات دولار سنويًا حاليًا، وهي تشكل أحد أهم مصادر الدخل القومي (قد تصل إلى 15-20%) من الناتج المحلي الإجمالي غير الرسمي، لكنها تبقى حلًا مؤقتًا في اقتصاد منهار يعتمد على اقتصاد النجاة بدلًا من الإنتاج، بحسب ما قاله نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، لعنب بلدي.

“بحصة تسند جرة”

تلجأ العوائل المتعففة في سوريا إلى محاولة التكيف مع الظروف الراهنة من خلال التحويلات الخارجية، إذ قالت أميمة أحمد (سيدة أربعينية)، إنها تعتمد هي وزوجها في مصروفهما الشهري على المال الذي يرسله ابنها المقيم في ألمانيا والذي يكمل اختصاصه الطبي في أحد مستشفيات ألمانيا الحكومية.

أما مفيد محمد، موظف ما زال على رأس عمله في وزارة الكهرباء، فأوضح لعنب بلدي، أن راتب الموظف السوري يبلغ حوالي 300 ألف ليرة ولكنه لا يكفي لا لدفع إيجار المنزل ولا للمصروف، إذ تحتاج الأسرة في الشهر لمبلغ قدره 4 ملايين بالحد الأدنى.

بدورها، أوضحت تماضر شاهين، وهي مدرسة لغة عربية متقاعدة، أن “البحصة تسند جرة”، لكن ومع ذلك تجد صعوبة هي وعائلتها في التكيف مع الواقع الاقتصادي المتردي، مضيفة أن ابنها اضطر للسفر إلى أربيل لتأمين تكاليف المعيشة للعائلة وحتى الآن لم يحظَ بفرصة عمل تجعله قادرًا على إرسال مبلغ زهيد لهم.

قال حسين فاعور، مهندس يعمل بشركة صناعة أدوات كهربائية في ألمانيا، لعنب بلدي، إنه يرسل الحوالات لعائلته المقيمة في منطقة المزة منذ عام 2015، ولم ينقطع شهرًا عن إرسال مبلغ قدره 200 يورو على الأقل، ولولا هذه الحوالات لم تستطع أسرته المكونة من 7 أفراد التأقلم مع الواقع الاقتصادي.

وأوضح حسين أن هذا المبلغ لا يساوي شيئًا في الوقت الذي يسعى فيه أغلب المواطنين لإيجاد فرص عمل.

“اقتصاد نجاة”

قال نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، إن الحوالات الخارجية تعد مصدرًا حيويًا مهمًا لدعم الأسر السورية في ظل الأزمة الاقتصادية والحرب المستمرة، وتشكل هذه الحوالات شريان حياة لملايين السوريين إذ تقدر بمليارات الدولارات سنويًا.

الحوالات تساعد في تغطية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء والمسكن، إضافة إلى دعم الاقتصاد المحلي من خلال تحفيز الأسواق وتوفير فرص عمل، وتعويض انهيار الليرة السورية عن طريق توفر عملة أجنبية تخفف من آثار التضخم، بحسب الدكتور عبد الرحمن محمد.

وعن أثر الحوالات الخارجية على الاقتصاد السوري، ذكر أنها تساعد في دعم السيولة النقدية الأجنبية مثل الدولار واليورو، التي تساعد في استيراد السلع الأساسية، وتحفيز القطاع الخاص، وتزيد من إنفاق الأسر مما ينعش الأسواق المحلية والمشاريع الصغيرة.

كما أنها تخفف من الأزمة الاقتصادية، إذ تعد الحوالات أهم مصادر الدخل القومي في ظل العقوبات وتراجع الإنتاج المحلي.

ويقاطع الدكتور عبد الرحمن محمد بين الأثر الإيجابي والسلبي للحوالة، إذ يؤكد أن الاعتماد الكبير على الحوالات يظهر أن السوريين يعيشون في اقتصاد أشبه بـ”اقتصاد النجاة”، إذ تكون الغاية من الحوالة هي البقاء وليس التنمية، ودون حلول جذرية سيستمر هذا الوضع الهش لسنوات طويلة.

وقال إن اعتماد الأسر السورية بشكل كلي أو أساسي على الحوالات الخارجية يشير إلى عدة مشكلات هيكلية خطيرة، اقتصادية واجتماعية وسياسية منها:

  • ضعف فرص العمل: يعني أن الاقتصاد السوري غير قادر على توفير دخل كافٍ للسكان مما يدفعهم للاعتماد على المغتربين.
  • انهيار الليرة السورية: فقدان الثقة بالعملة المحلية يجعل الحوالات بالدولار أو اليورو.
  • تراجع الإنتاج المحلي: إذ إن الزراعة والصناعة تدهورتا بسبب الحرب والعقوبات فلم تعد قادرة على إعالة الأس
  • غياب المعيل الأساسي: إذ إن كثيرًا من الأسر تعتمد على أبنائها المغتربين بعد فقدان معيل الأسرة بسبب الوفاة أو الاعتقال أو الهجرة.
  • التبعية الاقتصادية: فقدان الاستقلال المالي للأسر مما يجعلها عرضة للصدمات، مثل توقف الحوالات بسبب أزمات في دول المغتربين.
  • اقتصاد غير منتج: تحول المجتمع إلى “مجتمع استهلاكي”، يعتمد على التحويلات المالية للمغتربين بدلًا من الإنتاج المحلي.
  • هشاشة الأمن الغذائي: أي عدم وجود استثمارات في الزراعة والصناعة، ما يزيد خطر المجاعة إذا تعطلت الحوالات.

 تحت خط الفقر بكثير

قال الباحث الاقتصادي محمد السلوم، لعنب بلدي، إن الحوالات المالية الخارجية باتت تمثل الرافعة شبه الوحيدة التي تحافظ على الحد الأدنى من قدرة الأسرة السورية على الاستمرار، خاصة في ظل تراجع الأجور المحلية بشكل كبير أمام تكاليف الحياة.

وأكد السلوم أن الأرقام المتداولة حول قيمة الحوالات الواردة يوميًا إلى سوريا، والتي تتراوح ما بين 5 إلى 7 ملايين دولار في الأيام العادية وترتفع إلى أكثر من 10 ملايين دولار في المواسم والأعياد، تشير إلى اعتماد السوريين على هذا المصدر في ظل غياب أي دعم داخلي.

وأضاف أن هذه الحوالات تستخدم في الغالب لتلبية الحاجات الأساسية فقط مثل الغذاء والدواء والإيجار، دون أن تدخل في عجلة الإنتاج أو تحدث أثرًا ملموسًا في الأسواق، ما يحدّ من أثرها الاقتصادي الكلي رغم أهميتها النقدية والاجتماعية.

وأشار الباحث إلى أن هذا الاعتماد المتزايد على الحوالات يكشف عن اختلال عميق في بنية الاقتصاد السوري، ويجعل الأسر في حالة هشاشة دائمة، إذ إن توقف الحوالة لأي سبب كان يعني انهيار قدرة الأسرة السورية على تأمين احتياجاتها.

في حال طرأت تغييرات سياسية أو مالية في بلدان الاغتراب أو تعرضت شركات التحويل لمضايقات أو قيود إضافية، فإن سوريا أمام سيناريو اقتصادي شديد الخطورة، لا سيما أن الحكومة لا تملك أدوات بديلة لتعويض هذا الفقد المفاجئ، بحسب الباحث.

ويربط السلوم بين أزمة الدخل وتدهور مستوى المعيشة قائلًا، إن المواطن السوري بات يعمل مقابل دخل لا يغطي سوى أيام معدودة من الشهر، ويبلغ الحد الأدنى للأجور في القطاع العام ما يقارب 278 ألف ليرة سورية، في حين تحتاج الأسرة المكونة من 5 أفراد إلى أكثر من 8 ملايين ليرة شهريًا.

الفجوة العميقة دفعت شريحة واسعة من السوريين إلى الاعتماد الكلي على الحوالات أو اللجوء إلى أنشطة غير رسمية كحلول للبقاء، حسب السلوم.

وبيّن أن ذلك يشكل بيئة خصبة للتهريب والفساد والتدهور الاقتصادي.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن الاعتماد على الحوالات قد يكون حلًا مؤقتًا لكنه ليس استراتيجية مستدامة، داعيًا إلى تفعيل السياسات الإنتاجية ودعم العمل الحقيقي داخل البلاد وتحسين بيئة الاستثمار كبدائل حقيقية على المدى المتوسط والبعيد.

أزمة الاقتصاد السوري

بحسب تقرير نشره برنامج الأغذية العالمي، فإنه وبعد 14 عامًا من النزاع والانهيار الاقتصادي، يجد السوريون صعوبة متزايدة في إعالة أسرهم، وتحتل سورية المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد النازحين داخليًا.

وبسبب الأزمة التي يعانيها الاقتصاد السوري، تضاعفت تكاليف المعيشة ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث لا يكفي الحد الأدنى للأجور سوى خُمس احتياجات الأسرة الأساسية من الغذاء وعُشر الاحتياجات الأساسية.

وبسبب نقص التمويل، اضطر برنامج الأغذية العالمي خلال عام 2024 إلى خفض مساعداته بنحو 80%، لإعطاء الأولوية لدعم الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.

وأظهر تقريران للبنك الدولي في 24 من أيار عام 2024، أن الوضع الاقتصادي المتردي أدى إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية، وسبب استمرار النقص في التمويل، إضافة إلى أن محدودية المساعدات الإنسانية استنزفت قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.

كما أن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50% من الفئات الأشد فقرًا يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخليًا فهي الأكثر عرضة لمخاطر الفقر.

مقالات متعلقة

  1. الأزمات الاقتصادية في سوريا.. ما مسؤولية الحكومة
  2. قبضة أمنية ترهب المواطنين وتتحكم بسعر الصرف في سوريا
  3. الحوالات الخارجية إلى درعا.. مصدر دخل تحاصره الحكومة ويستغله الصرافون
  4. الاقتصاد السوري يخسر رأس ماله البشري

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية