ديمقراطيون عرب وسوريون

  • 2025/04/15
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

يتحدث معظم السوريين عن الديمقراطية كما لو أنها رصاصة طائشة، تصيب شخصًا لم تكن موجهة إليه، وغالبًا ما يحمل لفظها عكس معناها. يمكن أن تصادف رجلًا يتحدث عن القضية السورية، في مقابلة تلفزيونية، ويختم كلامه بجملة خطابية مخزنة في ذاكرته، فيقول: وهكذا، حتى يتحقق للشعب السوري العظيم، ما يصبو إليه: إقامة دولة مدنية (ديمقراطية) حديثة.

كان مزعجًا لنا، نحن السوريين، في بداية الثورة، تصريح أدلى به الدكتاتور بشار الأسد، قال فيه: شعبنا ليس مؤهلًا للديمقراطية.. ولأننا معتادون على رفض أي كلام يصدر عن عدونا، فقد رحنا نستهزئ به، ونقول في بعض جلساتنا: عندما ننتصر، ونسقط هذا النظام المجرم، سنقيم دولة ديمقراطية، رغم أنف بشار الأسد، وأذنابه.

ولكن، تبين لنا، بعد كل هذه السنوات العجاف، أمران، أولهما، أن كلام بشار الأسد، مع الأسف، صحيح، وثانيهما، أنه لم يكن يحق لبشار الأسد، تحديدًا، أن يتحدث عن الديمقراطية، فقد أطلق شبيحته، في سنة 2011، شعارات لا تتعارض مع الديمقراطية وحسب، بل تصل إلى حدود الهمجية، كقولهم: الأسد أو نحرق البلد، و: مطرح ما الأسد يدوس، نركع ونبوس.

من الأمور الغريبة، أن النظام الشمولي، الدكتاتوري في ألمانيا الشرقية، سُمي ألمانيا الديمقراطية، بينما سُميت ألمانيا الغربية، وهي ديمقراطية بالفعل، “ألمانيا الاتحادية”، وأعتى دكتاتورية موجودة على سطح الأرض، اسمُها جمهورية كوريا “الديمقراطية”!

يمكن لهذه السردية، التي تبدو وكأنها تسخر من الديمقراطية، وتستهزئ بأهلها، أن تأخذنا إلى حكايتين تُظهران أننا، أبناء هذه البلاد المنكوبة، نجهل الديمقراطية، ونرفضها جملة وتفصيلًا، الأولى، بطلها أبو الليبرالية في مصر، أحمد لطفي السيد (1872-1963)، عندما رشح نفسه للنيابة، واستغل منافسُه جهل الناخبين، وأعلمهم، بلغة مهولة، أن لطفي السيد ديمقراطي، وشرح لهم أن الديمقراطية تعني أن “تقلع أمك الحجاب”، وأن يُسمح للمرأة بأن تتزوج أربعة رجال، فكان سقوطه في الانتخابات مدويًا، والثانية، رواها لي أحد الأصدقاء، أن الباشا نوري السعيد، الذي تولى رئاسة وزراء العراق أكثر من مرة، جاء إلى البرلمان وفي رأسه خطة لتطوير العراق، وأمر بتوزيع أوراق وأقلام على أعضاء البرلمان، ثم طلب منهم أن يكتبوا تصوراتهم، واقتراحاتهم، وأن يشيروا إلى العقبات التي يرون أنها ستعترض ذلك.. وإذا باثنين من النواب يطلبان الإذن بالكلام، ثم يُعلمانه بأنهما أُمِّيَّان، لا يعرفان الكتابة، فقال لهما:

– إذا كنتما لا تجيدان القراءة والكتابة ماذا تفعلان في البرلمان؟ هيا، انصرفا.

فانصرفا غاضبين، مزمجرين، وعندما وصلا موطنهما، مدينة السماوة، التابعة لمحافظة المثنى، نفذا الخطة التي اتفقا عليها في الطريق، وهي الزعم أمام الأهالي بأنهما انسحبا من جلسة البرلمان احتجاجًا على قرار “الباشا نوري” بتفليش (أي: هدم) مقام الإمام الكاظم، فخرج الناس إلى الشوارع ليعبروا عن غضبهم، وانتقل الخبر إلى الناصرية، والبصرة، وعمت الاحتجاجات الغاضبة المنطقة، ووصل الخبر إلى بغداد، فاضطر الباشا للظهور على التلفزيون، وأعلن أن نائبَي السماوة فهما كلامه بشكل خاطئ، فهو تحدث عن ضرورة إجراء صيانة، وتجديد، وتوسيع لمقام الإمام الكاظم، وليس “تفليشه”!

مقالات متعلقة

  1. إمبراطورية المجانين الديمقراطية العليا لـ خطيب بدلة
  2. لا نريد ديمقراطية يا عمي
  3. بين جودت سعيد ورياض الترك
  4. لا معارضة ولا مضارطة!

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي