هل من فرصة أو حاجة للاستمرار بالكلام؟
غزوان قرنفل
أذن من طين وأخرى من عجين كما يقول المثل، دلالة على من لا يرغب بسماع أي شيء غير صوت أفكاره المحتبسة داخل عقله، والتي غالبًا أصيبت بالتعفن لسوء الحفظ. هذا هو حال السلطة الحالية، التي للوهلة الأولى وقبل أن تشكل كل أدوات السلطة التي أنشأتها وأمسكت بخناقها بمفردها، كانت تعطينا انطباعًا أنها تتابع وتقرأ وتستجيب أحيانًا لرأي الناس وانتقاداتهم على قرار ما أو سلوك صدر عنها، أو عمن ينتسب إليها أو محسوب عليها.
أما أولئك الذين يصابون بالتوتر والهيجان لمجرد أن تكتب سطرًا أو مقالًا، أو يصدر عنك تصريحًا لصحيفة أو محطة تلفزيونية تشير فيه إلى مواطن الخطأ في قرار اتخذته الحكومة، أو ما دون ذلك من مسؤولين إداريين، أو تشير الى تجاوز على القانون أو انتهاك لحق من الحقوق، أو تنبه لأخطار ما تتبعه السلطة من سياسات تراها تقودنا إلى هاوية بلا قرار، فستفاجأ بكم وطبيعة الردود ومحتواها عليك لا على ما تكتب، وبعضهم سيفاجئونك بتهديد ووعيد مقرون بسباب وشتائم تطول شرف أمك أو أختك أو زوجتك، وبكلام لا تتخيل أنه قد يصدر عن شخص يتلو كتاب الله أبدًا.
ستجد أن صفحات جل هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مقفلة، سوى قليل من الأصدقاء أو العابرين، وهؤلاء غالبًا يحرصون على عدم السباب لكنهم يهاجمونك أو ينتقدونك بقسوة، وعليك أن تلاحظ دائمًا أن لا أحد من المعلومين أو حتى المجهولين يناقش محتوى ما كتبت، بل يكتفي بنتف ريشك لا أكثر، لأنك تجرأت على انتقاد السلطة، “الإله الجديد” الذي يهيئونه للعبادة.
هل نحن أمام “شبيحة” جدد مهتمين بجلد عقلك وأفكارك مئة جلدة لأنهم يعتقدون أن ما تقوله أو ما تكتبه هو نتاج زنى عقلي، وتلاقح أفكار معاصرة وبعيدة عن سلفيتهم وبعيدة عن تيههم الفقهي؟
بكل أسف نعم، نحن أمام جائحة عبدة أصنام حقيقيين، يقولون لك: “بل نتبع ما ألفنا عليه آباءنا”، يعاونهم في ذلك بعض من كنت تعتقد أنهم متوافقون معك في الرؤية والموقف، لتتفاجأ أنهم تحولوا لمهنة غسل أطباق السلطة ويطلبون منك “مغادرة برجك الفيسبوكي” والمجيء للمشاركة في إعادة بناء البلد، وكأن غسل الأطباق ومسح مائدة الطعام يشكل إسهامًا جوهريًا من وجهة نظرهم في فعل ذلك.
على أي حال، وبالعودة إلى أصل المسألة، هل نستطيع أن نزيل الطين والعجين عن أذني السلطة لنخاطبها بالقول إن مصير سوريا كدولة وكجغرافيا وكبشر صار كله على المحك؟ وأن ما تتبعه هذه السلطة من سياسات، وما تتذاكى فيه من قرارات سيقودنا إلى كارثة محققة ما لم تعد استخدام البوصلة الوطنية بديلًا عن البوصلة الدينية والجماعاتية، وجعل أفق القرارات والسياسات أفقًا وطنيًا لا نطاقًا مذهبيًا.
هل يمكن أن تدرك السلطة اليوم، قبل أن تقع فأس التقسيم في رأس السوريين، أن المواطنة المتساوية وحق الجميع، مهما كان انتماؤهم أو فكرهم أو دياناتهم، في الشراكة الوطنية المتساوية، هو درع الحماية الوحيد لسلامة سوريا.
وهل تدرك السلطة اليوم أن زمن الحكم القائم على التحكم قد ولى ومضى، وأن توسيع قاعدة الشراكة الوطنية في ممارسة السلطة وفي توزيع عادل للثروة الوطنية هي الضمانة الحقيقية لوحدة البلاد ورفاه العباد، وأن استعادة الشعب لجزء من سلطاته ليمارسها بنفسه عبر مجالس حكم منتحبة في مدنهم وبلداتهم ومحافظاتهم لا يعتبر اعتداء على سلطانها وهيبتها، بل استردادًا لصلاحيات لم يعد يقبل الناس بمنحها لهم، فالشعب هو مصدر السلطات وإن أغفلوها في ورقتهم الدستورية.
هل تعي السلطة الحالية المصابة بلوثة “تدوير النفايات” من القتلة والمجرمين والشركاء والممولين، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ أو نسمع عن تعيين متهم بارتكاب جرائم وانتهاكات في موقع أو منصب ونشاهد الكثير من هؤلاء القتلة يتجولون بيننا، هل تعي السلطة أنها بتلك السلوكيات والإصرار على طي ملف العدالة والمساءلة بتجاهلها لحقوق الضحايا والناجين من الجحيم، ستدمر أي فرصة لتدعيم بنيان السلم الأهلي وستأخذ البلاد إلى غير وجهتها.
قد يبدو جوهر كل ما قيل في هذه السطور مكرورًا، وهذا صحيح لأننا سنستمر في الكلام، وصوتنا سيعلو وسيصل لتلك الآذان المغطاة بالطين والعجين، فآذان السلطة وجدت لتنصت لهمس أو لصراخ الناس لأن تلك هي مسؤوليتها، وأما الطين والعجين فلا يصلحان إلا لتنور وخبز، ربما يسدان رمق واحد من 95% يرزحون تحت خط الفقر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :