تقديرات بـ100 موقع مشتبه

بقايا الأسلحة الكيماوية.. “اختبار” لحكومة دمشق

متخصصون يعملون على تفكيك السلاح الكيماوي السوري (مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا)

camera iconمتخصصون يعملون على تفكيك السلاح الكيماوي السوري (مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نوران السمان

مع تنامي اهتمام المجتمع الدولي بملف الأسلحة الكيماوية في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، تثار التساؤلات بشأن مصير الترسانة التي خلفها النظام، وسط تقديرات تفيد بوجود أكثر من 100 موقع يُشتبه بأنها لتخزين الأسلحة الكيماوية في سوريا.

وبينما تؤكد الحكومة السورية الجديدة على لسان وزير الخارجية، أسعد الشيباني، التزام دمشق بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد، تبقى علامات الاستفهام قائمة حول أماكن هذه المواقع، وآليات التعامل معها، والجهات التي يُحتمل أن تكون قد استحوذت على جزء من هذه الأسلحة.

في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، في 6 من نيسان الحالي، نقلًا عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، كشفت عن وجود أكثر من 100 موقع يُشتبه في احتوائها على أسلحة كيماوية في سوريا، والتي تركت بعد سقوط النظام السوري السابق.

وبحسب الصحيفة، فإن عدد المواقع يفوق التقديرات السابقة، معتبرة أن هذا الرقم يمثل “اختبارًا” للحكومة السورية الحالية، التي تحاول التأكيد على انفتاحها أمام المجتمع الدولي.

مخاوف من التهريب

تقرير المنظمة أكد أن بعض المواقع قد تكون مدفونة في كهوف أو مناطق يصعب العثور عليها باستخدام صور الأقمار الصناعية، وأنها قد تحتوي على غاز السارين والكلور والخردل.

العميد الركن زاهر الساكت، قلّل من أهمية الرقم المعلَن، معتبرًا أن العدد مبالغ فيه، مشيرًا إلى أن معظم الأسلحة تم تدميرها في غارات إسرائيلية.

في المقابل، حذرت الباحثة في مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” بواشنطن ناتاشا هول، من أن الهجمات الإسرائيلية التي وقعت بعد سقوط الأسد مباشرة لم تُحدث أي تأثير يُذكر على بعض هذه الأمور، وربما حجبت أيضًا الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة.

وعقب سقوط الأسد، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية غارات ضد العشرات من القواعد العسكرية السورية ومستودعات الأسلحة والمرافق التي كانت جزءًا من برامج الأسلحة الكيماوية والصواريخ الباليستية السورية.

كما أكد عالم كيمياء سوري أن مركز الدراسات والبحوث العلمية العسكري، التابع للنظام السوري السابق والخاضع لعقوبات دولية، كان مسؤولًا عن تطوير أسلحة كيماوية ونووية وتقليدية.

مواقع مرتبطة

عقب سقوط الأسد، نشرت وكالة “الأناضول” التركية مشاهد جوية لمنشأة قرب العاصمة كان نظام الأسد المخلوع يستخدمها لتخزين أسلحة كيماوية، وفق مسؤول مشارك ببعثة تفتيش دولية، كان زار سوريا عام 2013.

وأوضح المسؤول للوكالة أن الفريق الأممي وثق خلال عملية التفتيش في المستودع كميات من الأسلحة الكيماوية، مشيرًا إلى أن الموقع يعد واحدًا من عشرات مستودعات الأسلحة الكيماوية.

ووفقًا لوزارة العدل الأمريكية، هاجمت الولايات المتحدة وبالتنسيق مع المملكة المتحدة وفرنسا، في 13 نيسان 2018، ثلاث منشآت مرتبطة بالأسلحة الكيماوية، شملت مركز “برزة” للأبحاث، وهو فرع مركز الدراسات والبحوث العلمية الكيماوية والبيولوجية، ومنشآت في منطقة ” شنشار” بحمص، وضمت معدات لإنتاج السارين، بالإضافة إلى منشأة لتخزين الأسلحة الكيماوية.

وهناك منشأة “جمرايا” العسكرية التي تضم مركزًا للبحوث العسكرية، يُعتقد أنه مرتبط بإنتاج الأسلحة الكيماوية، وقد استهدفته إسرائيل في عام 2013.

تقرير إسرائيلي آخر نشر على موقع “Ynetnews”، في أيلول 2013، أشار إلى وجود خمسة مواقع لإنتاج هذه الأسلحة، أبرزها منشأة السفيرة بحلب، ويوجد فيه أكبر معامل مؤسسة الدفاع في سوريا، إضافة إلى مواقع في حمص واللاذقية وحماة وتدمر.

ويتم نقل الغاز السام أيضًا إلى مخازن الفرقلس في حمص والضمير ومنطقة خان أبو الشامات بريف دمشق، وكذلك إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري في دمشق.

التحقيقات والتحركات الدولية

في 28 من آذار الماضي، أجرى فريق من مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية زيارة إلى خمسة مواقع، بعضها لم تُعلن عنها حكومة الأسد لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية سابقًا، وتعرض بعضها للنهب أو القصف، وأتيح للفريق إمكانية الاطلاع على وثائق ومعلومات مفصلة حول برنامج الأسلحة الكيماوية للأسد.

وأكدت وكالة “رويترز” حينها أن السلطات السورية قدّمت كل الدعم والتعاون الممكنين في وقت قصير لأعضاء فريق التفتيش، وحظيت بمرافقة أمنية، وأُتيحت لها “إمكانية الوصول دون قيود” إلى المواقع والأشخاص.

وقال مصدر دبلوماسي مطلع على الأمر لـ”رويترز”، إن الزيارة توضح أن السلطات السورية تفي بوعدها بالعمل مع المجتمع الدولي لتدمير الأسلحة الكيماوية التي كان يملكها الأسد.

وكان تدمير هذه الأسلحة الكيماوية من أبرز الشروط الأمريكية لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا.

 انتقال الأسلحة إلى أطراف أخرى

المنظمة ذكرت أن المواقع كانت تُستخدم للبحث والتصنيع وتخزين الأسلحة الكيماوية، لافتة إلى أن رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد، استخدم أسلحة مثل غاز السارين والكلور ضد المقاتلين من فصائل المعارضة والمدنيين السوريين خلال أكثر من عقد.

من جانبه، حذّر العميد زاهر الساكت من احتمال وجود مستودعات مخفية في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي كانت على علاقة سابقة بالنظام، ما يثير احتمالية وجود مستودعات أو أسلحة مخفية فيها، على حد قوله.

كما لفت إلى احتمال نقل بعض الأسلحة خارج سوريا، وتحديدًا إلى ميليشيا “الحشد الشعبي” أو “حزب الله” اللبناني، خاصة عقب انسحاب وحدات من “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة” وهي محملة بالعتاد، مؤكدًا ضرورة التعاون مع العراق ولبنان للكشف عن هذه المواقع.

أوضح تقرير “نيويورك تايمز” أيضًا أن الرقم المستجد استند إلى بيانات استخباراتية من الدول الأعضاء، ومنظمات غير ربحية، وأبحاث من الخارج.

قلق دولي

رائد الصالح، مدير منظمة “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) سابقًا ووزير الطوارئ والكوارث السوري حاليًا، قال لـ”نيويورك تايمز”، إن “العديد من المواقع لم يتم الكشف عنها لأن النظام السابق كذب بشأنها أمام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”.

فيما أوضح رئيس مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا، نضال شيخاني، أن فريقه حدد عشرات المواقع الجديدة التي يمكن أن تكون مخازن أسلحة كيماوية أو مواقع أبحاث سابقة، استنادًا إلى مقابلات مع علماء سوريين كانوا يعملون في الحكومة ويعيشون الآن في أوروبا.

الولايات المتحدة، من جهتها، دعت جميع الأطراف إلى تسهيل عمل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، مشددة على ضرورة إنهاء برنامج الأسد الكيماوي بشكل نهائي.

ومع الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بدأت الولايات المتحدة العمل على تدمير الأسلحة الكيماوية المتبقية في سوريا، تزامنًا مع غارات إسرائيلية طالت مواقع متفرقة جنوبي سوريا.

ونقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين، أن واشنطن تعمل مع عدة دول أخرى في الشرق الأوسط لمنع وقوع الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام المخلوع “في الأيدي الخطأ”.

وأضاف الموقع أن الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالقلق من أن انهيار جيش النظام وقوات الأمن الأخرى وانتشار الفوضى سيسمح لـ”الجماعات الإرهابية” بالاستيلاء على أسلحة خطيرة كانت بحوزة النظام.

تقرير الصحيفة الأمريكية أشار إلى أن المفتشين ما زالوا متحفظين بسبب تجارب سابقة مع النظام السابق، إذ سبق أن وافق النظام السوري لأول مرة على التخلص من الأسلحة الكيماوية قبل أكثر من عقد، ولكن مع قيام المفتشين بعملهم، اقتنعوا بأن الأسد لا ينوي الكشف عن معلومات كاملة عن مخزوناته.

وكشف موظفون سابقون عن ممارسات تعوق عمل المفتشين، كما حدث في 2014، حين تعرض موكب للانفجار خلال عملية تفتيش في موقع محتمل.

دعوة لكسر الجمود

مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، فرناندو أرياس، قال، في 7 من نيسان الحالي، إن “على مدى أكثر من عقد من الزمن، ظل ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا في حالة جمود، واليوم، يجب علينا أن نغتنم هذه الفرصة معًا لكسر هذا الجمود، لما فيه خير الشعب السوري والمجتمع الدولي”.

وفي السياق ذاته، أوضح الساكت لعنب بلدي أنه طالما هناك تعاون من الحكومة الجديدة في هذا الملف، فكل ما بعده يُعد “ثانويًا”، لكنه أكد أيضًا ضرورة عدم إغفال احتمالات نقل أو إخفاء هذه الأسلحة من قبل جهات خارجية.

وأشار إلى أن الحكومة الحالية لا تسعى لامتلاك أو استخدام هذا النوع من السلاح، بل أكدت التزامها بالسلام، وأرسلت تطمينات في هذا الشأن، حتى تجاه إسرائيل، مؤكدًا أن الشعب السوري منهك من الحروب ويبحث عن حياة آمنة.

وأضاف أنه على مدار 14 عامًا، لم يُبدِ النظام السابق أي تعاون يُذكر مع المجتمع الدولي في ملف الأسلحة الكيماوية، أما الحكومة الحالية، فمنذ تسلمها المسؤولية، أبدت انفتاحًا كبيرًا وسارعت إلى التواصل مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، “مؤكدة رغبتها الصادقة في تفكيك هذا السلاح اللاإنساني”.

وواجه نظام الأسد المخلوع اتهامات بشن عشرات الهجمات بأسلحة كيماوية لقمع الثورة السورية، ودعت عدة دول ومنظمات مرارًا لمحاسبة النظام السوري جراء انتهاكه معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، بالرغم من انضمامه للاتفاقية عام 2013.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة