سوق الحلبوني في مدينة دمشق في 7 نيسان 2025 (عنب بلدي/ أمير حقوق)
“منافس للحكومي”.. ما آثار “اقتصاد الظل” في سوريا
برز “اقتصاد الظل” كعامل محوري يؤثر على الاقتصاد السوري، في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تشهدها سوريا منذ بدء الثورة السورية.
وينعكس هذا الاقتصاد، “الذي يعمل في الخفاء بعيدًا عن الأطر القانونية والرقابية”، بشكل مأساوي على واقع الاقتصاد السوري الوطني، حسب توصيف خبراء اقتصاديين.
ويتضمن “اقتصاد الظل” أو ما يعرف بـ”الاقتصاد الخفي” مجموعة واسعة من الأنشطة، بدءًا من العمل الاقتصادي غير الرسمي وتجارة السلع المهربة، وصولًا إلى الأسواق السوداء التي تنشط في غياب الرقابة.
منافس للاقتصاد الحكومي
رغم أن هذه أنشطة “اقتصاد الظل” قد توفر بعض الاحتياجات، فإن لها تداعيات على المستوى الاقتصادي، فـ”اقتصاد الظل” ليس مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هو أزمة مركبة تهدد تحسين الاقتصاد الوطني وتطوره.
ويرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “اللاذقية” الدكتور حيان سلمان، في حديث لعنب بلدي، أن هوية الاقتصاد السوري وتفرعاته تتوقف على طبيعة المنظومة الاقتصادية السائدة، ومن هنا يظهر الظلم الكبير الذي يتعرض له الاقتصاد عندما تؤثر عليه السياسة، وتلوي عنق الحقائق والوقائع الاقتصادية الموضوعية، حسب تعبيره.
ويشرح سلمان أن “اقتصاد الظل” هو فرع من فروع “اقتصاد السوق”، ولكن يتميز عن غيره من خلال ساحة عمله ومنظومته، وهو جزء من الاقتصاد الجزئي وليس الكلي، وهو منافس للاقتصاد الرسمي الحكومي بقطاعيه الحكومي والخاص، وبياناته لا تدخل في البيانات الحكومية الرسمية واللوائح الحكومية.
هذه الظاهرة موجودة في أغلب دول العالم بغض النظر عن طبيعة الأيديولوجيا الاقتصادية، بحسب سلمان، ولهذا لا يتأثر بتغير الأنظمة السياسية، بل هو ظاهرة اقتصادية لها قوانينها، تعتمد على طبيعة المنظومة الاقتصادية وشفافية القوانين وتسيير الأعمال وتسهيل العمل الاقتصادي الإنتاجي والتجاري والمالي.
يقترب “اقتصاد الظل” في عمله من السوق السوداء (الموازية)، فالأنشطة والفعاليات الاقتصادية فيه تسعى بشكل عام، ولكن ليس حصريًا، لملء الفجوات التسويقية (أي الفارق بين الطلب الكلي والعرض الكلي)، بهدف كسب المزيد من الأرباح والربحية الشخصية.
وتزداد فعالية “اقتصاد الظل” مع زيادة الفوضى الاقتصادية، وغياب هيبة الدولة، وزيادة الفجوة التسويقية، أي تراجع قدرة الإنتاج المحلي على تلبية الطلب الكلي، وزيادة التهريب، وتحويل المناصب الحكومية للمصلحة الخاصة، وزيادة البيروقراطية الاقتصادية وعدم شفافية الأنظمة والقوانين الاقتصادية.
لم ينتهِ بزوال نظام الأسد
ارتبط “اقتصاد الظل” برجال النظام السابق، إلا أنه بعد سقوطه، ما زال يلحظ نشاط “اقتصاد الظل”، الأمر الذي اختلفت عليه الأوساط الاقتصادية في سوريا، فمنهم من اعتبره اقتصادًا مرتبطًا بـ”اقتصاد السوق الحر”، ومنهم من عده خرقًا جديدًا لاقتصاد سوريا الوطني.
نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، الدكتور عبدالرحمن محمد، قال لعنب بلدي، إن الاقتصاد غير الرسمي أو “اقتصاد الظل” في سوريا لم ينتهِ بزوال نظام الأسد، وحتى إذا تغير النظام، فـ”اقتصاد الظل” عادة ما يستمر بسبب غياب البدائل الفعالة من الاقتصاد الرسمي.
الأزمات الممتدة، وبعد انهيار الاقتصاد الرسمي بعد 2011، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 60%، وفقدت الليرة السورية معظم قيمتها، دفعت الناس للاعتماد على السوق الموازية، وفقًا للدكتور محمد.
ويعتقد أنه بسبب الفوضى الأمنية والإدارية، في ظل انتشار الفساد، وغياب الرقابة، وتعدد الجهات المتحكمة (نظام الأسد، المعارضة، ميليشيات قسد وغيرها) جعلت الاقتصاد غير الرسمي ضرورة للبقاء.
وبسبب العقوبات الدولية، حيث حظرت العقوبات على النظام الكثير من المعاملات الرسمية، فتحولت التجارة إلى قنوات غير مشروعة (تهريب، تحويلات غير مرخصة).
وكان النظام السابق يعتمد عليه، إذ إن جزءًا من “اقتصاد الظل” يُدار من قبل أطراف موالية للنظام (مثل تهريب النفط، المعابر غير الشرعية)، ما يجعله مصدر تمويل للسلطة.
آثار على المؤسسات والاقتصاد
لـ”اقتصاد الظل” (الاقتصاد غير الرسمي) في سوريا آثار عميقة ومتعددة، أثرت بشكل كبير على أساسيات الحياة الاقتصادية.
وبحسب الدكتور محمد، تكمن الآثار السلبية على الدولة والمؤسسات الرسمية بـ:
- فقدان الإيرادات العامة من خلال تهريب السلع وغياب الضرائب، ما يُفقد الخزينة العامة مليارات الدولارات سنويًا (مثل تهريب النفط، السلع المدعومة، والجمارك).
- إضعاف سيادة الدولة من خلال سيطرة الميليشيات ووسطاء السوق السوداء على المعابر يحوّل موارد البلاد إلى جهات غير خاضعة للقانون.
- تعميق الفساد، حيث أصبحت الرشى والعمولات غير الرسمية شرطًا لممارسة أي نشاط اقتصادي.
أما آثاره على الاقتصاد الكلي فتتمثل بـ:
- تضخم جامح، يتمثل بانتشار العملات الأجنبية (مثل الدولار) بشكل غير منظم، وغياب الرقابة على الأسعار يزيد من ارتفاع التكاليف.
- تشويه السوق المحلي، حيث إغراق السوق بسلع مهربة رخيصة (تركية، إيرانية) يُضعف الإنتاج المحلي.
- تحوّل بعض القطاعات (مثل الصحة والتعليم) إلى خدمات غير رسمية بأسعار خيالية.
- انهيار القطاعات الإنتاجية، من خلال الاعتماد على التهريب يجعل الزراعة والصناعة المحلية غير قادرة على المنافسة.
يؤكد الواقع الاقتصادي السوري أنه من الصعوبة تقدير حجم “اقتصاد الظل”، وبالتالي صعوبة تقدير تأثيره على الاقتصاد السوري، وتتباين تقديراته من باحث اقتصادي لآخر، ولكن يتفق أغلب الاقتصاديين على أن حجمه زاد مؤخرًا، وخاصة بعد سنة 2015.
أستاذ الاقتصاد، الدكتور حيان سلمان عدّ أن “اقتصاد الظل” يؤثر على الاقتصاد السوري من خلال ما يلي:
- تشويه المعلومات الرسمية عن واقع الاقتصاد، والدخل الوطني وفروعه من خلال التحايل على القوانين الاقتصادية، وعدم دخول حساباته في الحسابات الحكومية الرسمية، والإساءة المباشرة للمنظومة الاقتصادية وخاصة منظومة الضرائب ويساعد على التهرب والتهريب .
- زيادة النفقات الحكومية على الخدمات وغيرها، دون مقابل لها، بل تدخل الأرباح المحققة فيه إلى مصلحة الافراد ولا يسدد شيئًا لخزينة الدولة، علمًا أن “خزينة الدولة جيوب رعاياها”.
- الإساءة لعمل كل من السياسات النقدية والمالية والاستثمارية والتجارية، بسبب عدم تلاؤم الأرقام مع الواقع .
- زيادة معدلات التضخم، بسبب زيادة الكتلة النقدية التي تخصص من وزارة المالية (النفقات)، وتراجع الإيرادات الحقيقية مع المتوقعة، وعدم التوافق بين التدفقات النقدية الصادرة والاريرادات المحققة.
- تأثيرات سلبية على معدل الاستثمار (قيمة الاستثمارات÷قيمة الناتج الإجمالي) وتراجع المقدرة التنافسية.
- زيادة مستوى السلع المخالفة للمواصفات، واجتياحها للسوق بسبب رخصها.
- زيادة الأعباء المترتبة على خزينة الدولة وموازنتها، بسبب زيادة النفقات دون أن تقابلها إيرادات، وبالتالي سترتفع نسبة العجز الموازني السنوي أي (الإيرادات السنوية/ النفقات السنوية) .
- عدم القدرة على التخطيط الاقتصادي، بما يتلاءم مع متطلبات السوق، بسبب عدم تطابق الأرقام الرسمية مع الواقع الاقتصادي .
- تراجع مستوى الرقابة الحكومية على السلع والخدمات وبالتالي زيادة نسبة السلع المخالفة للمواصفات في التركيبة السلعية .
- هروب الكثير من الخبرات والعمالة الماهرة إلى هذا القطاع بسبب الفروقات الكبيرة في الرواتب والأجور والربحية بينه وبين القطاع الرسمي والمنظم في القطاع الخاص، وبالتالي تراجع عمل القطاع الحكومي والخاص المنظم .
- الابتعاد عن الشفافية في تقدير قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل الضرائب، وزيادة مستويات التهريب، وتقدير معدل البطالة.
يستفيد من الخدمات الحكومية
الدكتور حيان سلمان، أيد فكرة أن “اقتصاد الظل” تغيب حساباته عن الحسابات الوطنية الكلية والجزئية، لأن أنشطة هذا القطاع غير مرتبطة بالبنية الاقتصادية الرسمية الوطنية وعبر موازنتها السنوية، لأنه يعتمد على قيام بعض الفعاليات الاقتصادية سرًا.
وهذا الاقتصاد يستفيد من أغلب الخدمات الحكومية إن لم يكن كلها، دون أن يسدد ما يترتب عليه من رسوم وضرائب وغيرهما، ولذلك فإنه يؤثر تاثيرًا سلبيًا كبيرًا على الفعاليات الاقتصادية العاملة ضمن إشراف الحكومة من الحكومية والخاصة.
ويزداد حجمه ونسبته من الاقتصاد الكلي مع زيادة المشكلات الوطنية والأزمات وعدم الشفافية وتعقيد الأمور وعدم تسهيل الإجراءات وعدم الالتزام بالمنظومة السعرية وغياب أو ضعف الرقابة الحكومية وتعدد أسعار الصرف وزيادة العبء الضريبي أي قيمة الضريبة، برأي الدكتور سلمان.
إيجابيات
“اقتصاد الظل” يمثل تحديًا حقيقيًا لسوريا، وخاصة بما تواجهه من أزمات اقتصادية، ورغم أنه قد يوفر لبعض الأفراد سُبل البقاء في ظل ظروف صعبة، فإن تأثيره السلبي على الاقتصاد الوطني يتجاوز ذلك.
واعتبر الدكتور سلمان أنه رغم هذه السلبيات، فإنه قد يحقق بعض المزايا الإيجابية من ناحية تأمين السلع والخدمات، وتشغيل اليد العاملة، وتفعيل الدورة الاقتصادية (عقود من الباطن)، لذلك تكمن السياسة الاقتصادية الموضوعية في تقليل حجمه ووزنه النوعي في الاقتصاد الكلي.
أما نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، الدكتور عبد الرحمن محمد، فيعتقد أن منافع “اقتصاد الظل” النسبية في الأزمات فقط، تتمحور بـ:
- توفير سلع ممنوعة أو نادرة (مثل الوقود، الأدوية).
- امتصاص بطالة جزئية عبر أعمال غير مسجلة (تجارة صغيرة، نقل غير مرخص).
- تحويلات المغتربين كشريان حياة للأسر رغم استنزافها بعمولات غير رسمية.
تأثير على سعر الصرف
“اقتصاد الظل” خلق عدة مظاهر اقتصادية تعتبر من خصائص الاقتصاد السوري، ومنها تذبذب واختلاف سعر الصرف بين السوق السوداء ومصرف سوريا المركزي، وبحسب الأستاذ الجامعي، مجدي الجاموس، يؤثر على سعر الصرف بالسوق السوداء، حبس السيولة وعدم الثقة بالقطاع المالي المصرفي بشكل عام، والأسلوب التخزيني للعملاء بالقطع الأجنبي، ومعدلات التضخم الكبيرة التي تؤدي للطلب الكبير على العملات الأجنبية، وتسبب بالتالي تغيرات في سعر الصرف بالسوق السوداء.
وأعلن مصرف سوريا المركزي عن إجراءات للحد من الفجوة بين سعر صرف العملات الأجنبية الرسمي وسعر السوق السوداء، محددًا آلية التسعير.
ووفق بيان مصرف سوريا المركزي، في 23 من آذار الماضي، يحدد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية، استنادًا إلى دراسة واقع سعر الصرف في السوق المحلية.
وأصدر مصرف سوريا المركزي، في 21 من آذار الماضي، قرارًا يقضي بوقف الملاحقة القضائية المدنية بحق الأشخاص المتعاملين بغير الليرة السورية، ومن عمل بالصرافة قبل سقوط نظام الأسد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :