جريدة عنب بلدي – العدد 57 – الأحد – 24-3-2013
أبو فهر – داريا
كان خيرًا للإسلاميين وغيرهم، أن يبقوا في مرحلة الثورة بعيدين عن الخلافات الحزبية، والترويج لأهدافها، والشعارات الإيديولوجية الضيقة، التي تضر بالثورة ضررًا كبيرًا، كان من الخير أن نجتمع كلنا على هدف واحد هو إسقاط النظام. وما زلنا إلى الآن مصرين على ذلك، فالهدف الوحيد الآن هو إسقاط النظام، ولكني بعد أن رأيت بعض الناس يعبرون عن رفضهم لتطبيق الفقه الإسلامي من الآن، فيباح لنا أن نرد على ذلك ردًا علميًا، بعيدًا عن التطبيق في سوريا وهل ستطبق الشريعة أم لا.
أولًا: ولا تقف ما ليس لك به علم، وإن كانت آية قرآنية، ولكنها قاعدة علمية معمول بها لدى كل المناهج العلمية في الشرق والغرب، فالإنسان عدو ما يجهل، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا كان التصور خاطئًا، فالحكم سيكون خاطئًا، وكثير من الذين نسمع منهم رفضًا للفقه الإسلامي صحفيون أو أدباء لا باع لهم في الفقه والقانون، ولا اطلاع عليه.
ثانيًا: إن رفض تطبيق الشريعة الإسلامية اعتمادًا على انتقاد للمذاهب الأربعة، دون أن يتأكد المنتقد من إمكانية تجديد الأمور التي انتقدها معتمدين على أقوال الفقهاء المعاصرين، رفض مشوب بنقص، هذا النقص اذا رفض المذاهب الأربعة وكانت هناك إمكانية للتجديد، أو الانتقاء من خارج المذاهب الأربعة، فكم سيكون النقص معيبًا إذا كان الرفض معتمدًا على انتقاد مذهب واحد من هذه المذاهب، والعجب أن يكون الرفض مبنيًا على أمر فرعي في مذهب من المذاهب دون دراية بالمذهب عامة، كالذي يرفض الشريعة كلها لأن هناك مذاهب قالت بأنه لا يقتص من المسلم إذا قتل كافرًا، دون أن يعلم أن هذا القول ليس مجمعًا عليه، أو كالذي يتحدث عن دية المرأة أو حد الردة أو الرجم، فتطبيق الشريعة الإسلامية ليس محصورًا في مذهب واحد، وليس محصورًا بالمذاهب الأربعة، بل هو ليس محصورًا بالمذاهب القديمة كلها فباب الاجتهاد مفتوح، ويستطيع علماء العصر أن يستنبطوا من النصوص الشرعية وفق القواعد اللغوية والأصولية، بل بدأ كثير من الفقهاء بهذا التجديد، منهم الشيخ القانوني مصطفى الزرقا، حيث صاغ مدخلًا فقهيًا ونظرية الالتزام العامة في الفقه المدني، ونظرية عقد البيع، والدكتور المختص بالفقه المقارن بين المذاهب ومع القانون الوضعي وهبة الزحيلي الذي ألف كتاب الفقه الإسلامي وأدلته والذي صاغه صياغة معاصرة مقارنة مع نظريات القانون الوضعي، وكتب غيره من الكتب وكان آخرها كتاب القانون الدولي الإنساني، وهو من آخر ما وصل إليه القانون الدولي، هؤلاء كانوا أئمة في هذا المجال وتبعهم الكثيرون.
ثالثًا: عندما تحدثت عن إمكانية التجديد ما قصدت بذلك التقليل من أهمية المذاهب، فالمذاهب الإسلامية مدارس عظيمة، لو امتلكت أوربا أمثالها لكتبتها بماء الذهب، هي مدارس فقهية صاغت نظريات متقدمة جدًا في المجال القانوني، خدم كلًا منها عشرات الفحول من العلماء، كل منهم يجدد ويطور وينقح، فمن أعجب العجب، أن ترمي أمة ما بتراث كهذا وراء ظهرها لتصبح عالة على الأمم، النظريات الفقهية الإسلامية كانت فتحًا مبكرًا وسابقًا لكثير من النظريات التي فرح الغرب بوصولهم إليها في العصر الحديث فرحًا عظيمًا، وكثيرة هي القواعد التي يباهي الغرب بها، كانت موجودة في المذاهب الإسلامية، كقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا.
قاعدة شخصية العقوبة: ولا تزر وازرة وزر أخرى.
مصادر الالتزام، العقد وأركانه وشروطه، صيغة العقد وانعقاده بالكتابة أو الإشارة، يد الأمانة ويد الضمان، قاعدة أن الهلاك على المالك وليس على الحائز. المسؤولية المدنية والمسؤولية الجزائية، التفريق بين الحيازة التامة والحيازة الناقصة، التفريق بين الحق العيني والحق الشخصي، والتفريق بين العيني الأصلي والعيني التبعي وظهر ذلك في المذهب الشافعي.
وتتالت إشادة شراح القانون الغربيين بأهمية ومكانة الفقه الإسلامي، وكانت بداية ذلك من الخمسينيات وهذا نقل عنهم:
في عام 1951، عقدت شعبة الحقوق الشرقية التابعة للمعهد الدولي للحقوق المقارنة مؤتمرًا في كلية الحقوق بباريس، سمته أسبوع التشريع الإسلامي، حضره فحول القانونيين الفرنسيون، وفي التقرير الذي خرجوا به بعد أبحاث في النظريات المدنية والإدارية والجنائية والاقتصادية:
– إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة تشريعية حقوقية لا يمارى فيها.
– اختلاف المذاهب الفقهية ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية وهي مناط إعجاب، ويستطيع الفقه الإسلامي الاستجابة لجميع مطالب الحياة الحديثة.
رابعًا: من العجب، ومن الأدلة على أن بعض المنتقدين يتكلمون في أمور ليسوا بها خبراء، انتقاد بعضهم معتمدين على إجراءات إدارية متقدمة في بعض دول الغرب، والنظرة إلى أن من أولوياتنا في سوريا الحديثة هي بعض الإجراءات الإدارية نظرة ليست متكاملة.