تعا تفرج

إدلب وحادثة الصرماية

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

خلال حكم بشار الأسد، وفي أثناء تولي الدكتور رياض نعسان آغا وزارة الثقافة، أقيم في إدلب مهرجان سنوي، يحمل اسم “المدن المنسية”. المقصود بهذه التسمية، المدن التاريخية، مثل إيبلا، والبارة، وقلب لوزة، ودير شرقي حيث ضريح الخليفة الأموي العادل عمر بن العزيز، والمعرة التي تضم متحف الفسيفساء، بالإضافة إلى ضريح شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري.. ومن الطريف، المعبر، اللاذع، أن بعض الناس قالوا إن مختلف المدن المعاصرة، الموجودة في حدود محافظة إدلب “منسية”!

قائل هذه الفكرة يقصد أن سلطة بشار الأسد لم تكن تعطي محافظة إدلب مستحقاتها من الميزانية المالية، وحصتها من المشاريع الاقتصادية التنموية، سواء الإنشائية أو الخدمية، وهناك من علل ذلك بفكرة الانتقام، مذكرًا بحادثة قديمة، تتعلق بزيارة حافظ الأسد، إثر توليه الحكم، لمدينة إدلب، مطلع سنة 1971. ما جرى، وقتها، وأنا كنت موجودًا، أن حافظ الأسد كان يقف، مع مرافقيه، ومسؤولي المحافظة، على سطح مبنى المركز الثقافي القديم، المطل على ساحة هنانو، وفي أثناء الاستقبال الجماهيري الذي نظمه فرع حزب البعث بإدلب، وقع صدام بين متظاهرين بعثيين، ومتظاهرين ناصريين، وضمن هذا البحر المتلاطم من البشر، لا يدري أحد كيف قُذفت فردة حذاء إلى المنصة التي يقف عليها حافظ الأسد، وقد آذنت تلك الحادثة بإنهاء الحفل.

خلال الثورة، علت أصوات كثيرة، لتمجيد إدلب، باعتبارها محافظة ثائرة، عظيمة، قالت “لا” لحكم عائلة الأسد، وضربته “بالصرامي”، وأن الأسدين، الأب والابن، غضبا عليها، منذ ذلك التاريخ، وأهملوها. وبما أنني، محسوبكم، صرت أهوى التفكر الهادئ في أحداث بلادنا، ومراجعة المفاهيم الجاهزة، أقول إن ضرب حذاء على المنصة، من قبل شخص مجهول، لا يعني أن محافظة إدلب معادية لنظام الأسدين، ويمكن أن أغامر بالقول إن العكس صحيح، ولا ننسَ أن أحد ألقابها هو “معقل البعث”، وفي أثناء مسيرات التأييد لحافظ الأسد، كانت شوارع مدن المحافظة، وبلداتها، وقراها، تكتظ بحاملي أعلام البعث، وصور حافظ الأسد، وحيث كانت تنصب الكاميرات التلفزيونية، تقرع الطبول، وتترغل المزامير، وتعقد الدبكات، وفي المهرجانات الخطابية، تتوالى الخطابات والهتافات وأشعار المديح.

ما قلته عن إدلب، كان يحصل في مختلف المحافظات، لأن نظام الأسد، وبالأخص بعد أحداث الثمانينيات، انتهج سياسية إعلامية قذرة، تقوم على تمجيد حافظ الأسد، وتأليهه، ولكن المسؤولين الذين ظهروا من محافظة إدلب، لا أدري لماذا، اشتهروا بالمبالغة في إعلان الولاء لحافظ، ومن بعده وريثه بشار، وقد سرت إشاعة، أظنها كاذبة، أن التقارير الأمنية كانت تأتي من إدلب أكثر من غيرها، وأما عن فكرة الإهمال، أو النسيان، فلم تكن إدلب مقصودة بذاتها، لأن الاهتمام الرئيسي لنظام الأسدين كان يتركز على بضع محافظات، كحلب ودمشق وحمص واللاذقية، والبقية تحظى باهتمام أقل.

نعم، اشتركت محافظة إدلب بالثورة، على نحو واسع، وخاصة في الأرياف، وكان لها أهمية خاصة، ربما لأنها كانت مهملة، ولأن شعبها متدين، ولأنها متاخمة للحدود التركية، وبرأيي أن حصر أي قضية، بحادثة فردية، مثل حادثة “الصرماية”، يبعدنا عن التفكير السليم.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة