ما مهمة وسقف الإعلام الرسمي في سوريا بعد اليوم

tag icon ع ع ع

علي عيد

منذ 8 من كانون الأول 2024، يتكرر الحديث عن فوضى المعلومات وغياب الإعلام الرسمي في سوريا، ويعتقد كثيرون أن المسألة سيجري حلّها بمجرد انطلاق القناة الإخبارية الرسمية، أو ترتيبات إضافية في عمل وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، التي لم ينقطع عملها بالأساس.

الانتقادات الموجهة لضعف الرسالة الرسمية حول الأحداث الكبيرة التي شهدتها البلاد، وخصوصًا أحداث الساحل، ربما فهم البعض أنها ستُحل بمجرد وجود تلفزيون رسمي ينقل البيانات، والمسألة ليست كذلك بالمطلق.

الإعلام الرسمي ليس الاسم الصحيح لما يحتاج إليه الناس داخل أي أرض تجمعهم تسمى وطنًا، لكنه الاسم المتداول، أما المطلوب بالمعنى الحقيقي فهو الإعلام الوطني (National Media)، وليس المقصود أيضًا بمفردة “الوطني” أنه يميز بين أشخاص وطنيين وآخرين غير وطنيين، فجميع المواطنين هم أبناء الدولة لا السلطة، وإرضاؤهم هو غاية وجود كل سلطة.

الإعلام الرسمي أو الوطني، يقابله إعلام محلي (Local Medi) قد يكون ملكية خاصة أو مشتركة، أو غير ربحي أو متخصص، وقد يشترك الجميع في الفائدة أو ببعض جوانب المهمة، لكن الإعلام الوطني يختلف في نطاق التغطية، والمحتوى، والجمهور، والتأثير والموارد.

والوصول إلى تحقيق الغاية، يستدعى القناعة أولًا لدى إدارة العمل الصحفي الرسمي بأن مهمته هي في اتجاهين، الأول سماع صوت الناس وهمومهم، والثاني سماع صوت الدولة وشرح رؤيتها.

في الدول التي تحكمها أنماط شمولية، كما حصل في سوريا على مدى عقود، تسيطر الدولة على الإعلام الوطني، وتكون الرسالة في اتجاه واحد (هابط)، إذ تنحصر المهمة في التبرير والتسويق لسياسات الحكم.

أما في الدول الديمقراطية، فيعتبر هذا الإعلام ملكًا للشعب باعتباره يتمول من دافعي الضرائب، واستغنت معظم تلك الدول عن هذا النمط، باعتبارها راكمت من التجارب ما يسمح بتنظيم المهنة ومنع انجرافها لتصدير خطاب الأنظمة والأحزاب والجماعات.

ما سبق لا يعفي من نقاش دائم حول سيطرة المالكين وتمرير توجهاتهم، وهذا ما نتج عنه إلغاء المسافة بين الإعلامين الوطني والمحلي، وانتفاء الحاجة إلى تمويل الدولة للإعلام سوى في إطار محدد الأهداف والجمهور، كما هو الحال لـ”BBC” البريطانية، وفرنسا الدولية (France Médias Monde)، على اعتبار أن تلك المؤسسات تلعب دورًا على المستوى الخارجي، وهذا الدور مرتبط بمصالح الدولتين في العالم ما بعد حقبة الاستعمار.

تعتبر سوريا اليوم من الدول الهشّة أمنيًا، كما أنها تفتقر لشبكات أمان مجتمعي، وتعاني من اقتصاد مدمّر، كما باتت ساحة لصراع نفوذ، ما يرجح حصول هزّات على مختلف الصعد، وهذا ما يبرر وجود الإعلام الرسمي أو الوطني لحين استقرار البلاد، وصدور تشريعات تنظم العمل الإعلامي، لكن هدف الاستقرار لن يتحقق دون اعتبار الإعلام شريكًا في التنمية والسلام، وهذه هي المهمة الصعبة.

وصولًا إلى إعلام وطني، هناك خطوات يجب أن تتحقق على مستوى القطاع من جهة، وعلى مستوى الرسالة والمحتوى من جهة ثانية.

ماذا سيضم ذلك الإعلام، وما مهمته على المستويين الداخلي والخارجي، ومن سيضع سياسات التحرير، ومن سيراقب المحتوى لضمان عدم انحيازه وتمثيله الصحيح.

أخشى أن القناة الإخبارية الرسمية التي انطلقت هذا الأسبوع لا تملك حتى اللحظة سياسات تحريرية، ولا كتاب أسلوب يوضح المصطلحات وحساسيتها للتنوع، وبهذا يمكن أن نراها تقدم خطابًا انفعاليًا، أو حتى ممالئًا للسلطة في لحظات حرجة، وبالتالي اعتبارها امتدادًا لنهج سابق، أو تقديم نمط متكلّس جريًا على عادة الإعلام في الدول ذات الأنظمة الشمولية، مثل كوريا الشمالية وإيران، وحتى ممارسات الإعلام في عهد الأسدين الأب والابن.

في نقاش مفتوح ضمن برنامج حواري “تحت الهواء” قبل انطلاق بث “الإخبارية السورية” يقدمه الصديق معاذ محارب، وكنت أحد الضيوف، طُرح السؤال عن سقف النقد في الإعلام الرسمي السوري، لحظت ترددًا لدى زملائي الضيوف، وكأن الحديث عن سقف لا يتجاوز نقد أداء وزراء الحكومة، فقلت إن الصحيح ألا يكون هناك سقف، وأن يصل النقد إلى مستوى رئيس الجمهورية، وأعني ما أقول، وأريد هنا أن أميز بين النقد وبين لغة الشتيمة أو الثرثرة أو الانفعال المبني على رؤى ضيقة.

لا يسمح الإعلام أيًا كان نوعه بلغة خارجة عن المألوف أو الأخلاقيات، لكنه يضمن تنوع الآراء، ويرفع سقف نقد السياسات والخطط وعمل المؤسسات الرسمية بمستوياتها كافة، عبر متخصصين، وسياسيين، وناشطين مدنيين، وذوي خبرة، وهذا الفسح يعتبر خط المواجهة الأول لمحاربة الفساد وتصويب الأداء، والشعور بأن هذا الإعلام يمثل الناس، وأن من يرعاه هو دولة تحفظ حقوق الجميع.. وللحديث بقية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة