اتفاق “قسد”- دمشق في حلب.. بالون اختبار للاتفاق العام

عنصر يتبع لقوات سوريا الديمقراطية أثناء عملية تبادل الأسرى في حلب - 3 من نيسان 2025 (عنب بلدي محمد مصطو)
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

بعد الاتفاق الذي وصف بـ”التاريخي” بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، عقد الجانبان اتفاقًا آخر مرتبطًا به في حلب.

تمثل اتفاق حلب، في 1 من نيسان الحالي، الذي تضمن 14 بندًا، بخروج قوات “قسد” العسكرية من حيي الأشرفية والشيخ مقصود إلى شمال شرقي سوريا، وإدخال قوات وزارة الداخلية وتفعيل المخافر الشرطية، وإطلاق سراح المعتقلين من الجانبين والكف عن ملاحقة المطلوبين.

وحمل القسم الآخر من البنود، الحفاظ على هوية وخصوصية الحيين ذوي الغالبية الكردية، وإعادة تفعيل الخدمات ودمجها مع المحافظة.

وينظر إلى الاتفاق بين حكومة دمشق والقوات التابعة لـ”قسد” داخل أحياء حلب كـ”بالون اختبار” للاتفاق العام الذي وقع بين الشرع وعبدي، في 10 من شباط الماضي، ومرآة لما سينفذ في الأيام المقبلة.

حيز التنفيذ

مدير مديرية الأمن العام في حلب، المقدم محمد عبد الغني، قال في تسجيل مصور، إن الاتفاق دخل حيز التنفيذ منذ لحظة التوقيع، واعتبره الخطوة الأولى لتنفيذ الاتفاق الشامل.

وأضاف أن الأمن العام بدأ بتطبيق الخطوات العملية الأولى، مؤكدًا أن الأيام المقبلة ستشهد انتقالًا لخطوات عملية يليها تنظيم الحالة الأمنية ومن ثم الحالة الإدارية والخدمية.

وأشار عبد الغني إلى أن المنطقة كانت تدار بطريقة مختلفة في ظل حكم “قسد” لنحو عشر سنوات، لافتًا إلى وجود كوادر خدمية وإدارية تعمل داخل الحيين، ما يستدعي وقتًا للتدرج.

الخطوة الأولى التي يجب أن تحصل، وفق عبد الغني، هي انسحاب القوات العسكرية، مما يمهد لإدارة الحالة الأمنية بشكل صحيح.

والخطوة التالية هي إزالة السواتر وتنظيم الحالة الأمنية، مما يساعد الأهالي على العودة أيضًا في القريب العاجل.

كيف ردّت “الإدارة”

المقدم محمد عبد الغني قال إن ظاهر الأمر يشي بأن الأطراف متجاوبة لتنفيذ الاتفاق الحاصل.

من جانبها، لم تعلق “قسد” أو ذراعها الإدارية “الإدارة الذاتية” على الاتفاق بشكل رسمي على معرفاتها، إلا أن مستشار الأخيرة، بدران جيا كرد، علق عليه عبر حسابه على “إكس”، واعتبره المرحلة الأولى من خطة أشمل.

جيا كرد اعتبر الاتفاق “خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار والتعايش المشترك”، محملًا في الوقت ذاته السلطة في دمشق مسؤولية أي تهديد قد يواجهه الحيان.

الخطوات الأولى

في خطوة أولى على طريق تنفيذ الاتفاق بين الجانبين، تبادلت الحكومة السورية و”قسد” أكثر من 200 موقوف، في 3 من نيسان الحالي.

وفي مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي، قال المقدم عبد الغني، إن العملية هي المرحلة الأولى من الاتفاق، مشيرًا إلى عمليات أخرى تشمل أكثر من 600 موقوف من الجانبين وصولًا إلى تبييض السجون.

وأكد أن الأطراف كلها تسعى إلى تطبيق الاتفاق، وهناك ترتيبات وخطوات موازية لإخلاء المنطقة من العسكريين وإزالة السواتر في القريب العاجل.

وفي 4 من نيسان، خرج أول رتل عسكري لـ”قسد” باتجاه مناطق شمال شرقي سوريا، ورافقه رتل مشترك من الأمن العام ووزارة الدفاع السورية.

وضم الرتل عشرات العربات التي نقلت المقاتلين مع أسلحتهم الفردية والمتوسطة، وهم يحملون رايات “وحدات حماية الشعب” إلى جانب العلم السوري.

خارج السلطتين

يمتلك حيا الأشرفية والشيخ مقصود الواقعان في القسم الشمالي من مدينة حلب خصوصية بسبب طبيعتهما الديموغرافية ذات الغالبية الكردية.

مع بدء الثورة السورية عام 2011، شارك الحيان في التظاهرات المناهضة للنظام السابق، وبعد تسلحها وظهور الفصائل ودخولها حلب، سيطرت “وحدات حماية الشعب” (YPG) وهي الذراع العسكرية لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD) على الحيين إلى جانب المعارضة.

تبنى الحزب خطابًا مواليًا للثورة، وداعمًا لفصائل المعارضة، بالرغم من التوترات الأمنية مع بعض هذه الفصائل والتي وصلت حد الاشتباك في بعض الأحيان.

وبعد العام 2015، ومع تطورات الأحداث، وتقلص نفوذ المعارضة في حلب، اتجهت “وحدات حماية الشعب” إلى معاداة الفصائل، والميل نحو النظام، حتى ساندته بشكل غير معلن.

وكان عام 2016 فارقًا في تاريخ المدينة، إذ حوصرت الأحياء الشرقية، واقتصر خط إمداد المعارضة إلى داخل المدينة على طريق ما يعرف بـ”الكاستيلو” حتى أصبح النظام على ضفة الطريق، و”الوحدات” على الضفة الأخرى.

وخرج مقاتلو المعارضة والعوائل نهاية عام 2016، بعد أن حوصروا في أحياء معدودة داخل المدينة، إثر عملية عسكرية واسعة، شارك فيها النظام بقوة كبيرة، ومساندة روسية.

بعد خروج المعارضة بقيت القوات التابعة لـ”قسد” داخل الحيين، وسط تفاهمات بين الأخيرة والنظام تخللتها بعض العقبات، غير أنها بقيت محافظة على نفوذها.

ومع دخول “إدارة العمليات العسكرية” إلى داخل المدينة، شهدت المناطق المحيطة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية اشتباكات متقطعة، إلا أن الهدوء الحذر عاد مجددًا إلى المنطقة، مع بقاء حالات قنص مستمرة مصدرها مناطق “قسد”.

عمليات القنص أدت إلى مقتل أكثر من 65 مدنيًا، بينهم طفل وسيدتان واثنان من العاملين في المجال الإنساني، وفق ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” منذ دخول “إدارة العمليات العسكرية” في 30 من تشرين الثاني 2024، وحتى 30 من كانون الثاني 2025.

يمهد للاتفاق العام

الباحث في شؤون شرقي سوريا سامر الأحمد، قال إن الاتفاق يشكل “بالون اختبار” للاتفاقية العامة بين الحكومة و”قسد”، معتبرًا أن مدى النجاح في تطبيقه يمهد الطريق لنجاح الاتفاق العام بين عبدي والشرع.

ويوافقه الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، ويرى أن للاتفاق في المستقبل جانبًا “إيجابيًا كبيرًا” على الاتفاق السابق.

وقال علوان لعنب بلدي، إن الاتفاق الحالي في حلب، يفتح فرصًا حقيقية في اتجاه تنفيذ الاتفاق العام، بحيث يكون الخطوة الأولى في تنفيذ تفاهمات ما بين القوى المختلفة.

واعتبر أن وجود تعامل صحيح من الحكومة السورية وإثبات صدق النية سيعزز من قوة الأطراف التي تدفع للتفاهم مع الحكومة السورية لتنفيذ الاتفاق مع “قسد” و”الإدارة الذاتية”.

معوقات

من جانب آخر، يرى علوان أن هناك انقسامًا داخل “قسد” والأطراف المنضوية تحتها، مشيرًا إلى تأثير خارجي على مختلف المكونات المتنازعة في قرار التعامل مع الحكومة السورية.

الباحث الأحمد أشار في حديثه لعنب بلدي إلى معوقات ستظهر خلال تنفيذ الاتفاقية.

تتمثل بعض هذه المعوقات، وفق الأحمد، برفض كثير من عناصر وقيادات حزب “العمال الكردستاني” الخروج بشكل نهائي من الحي.

ويعتقد الأحمد أن “الشبيبة الثورية” (جوانين شوركر) ستحافظ على وجودها بشكل خفي، وربما ستلجأ لتخريب الاتفاق والتشويش عليه.

“الشبيبة الثورية” هي مجموعات مسلحة تتبع لـ“الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، وهي منظمة مرخصة لدى “الإدارة الذاتية”، وتنظم نشاطات عسكرية إلى جانب النشاطات الثقافية والسياسية.

وتعتبر “الشبيبة” جناحًا متطرفًا داخل “قسد”، وتربطها علاقات مباشرة مع حزب “العمال الكردستاني”، وتُتهم بتجنيد أطفال وتنفيذ هجمات على مقار سياسية ضمن مناطق شمال شرقي سوريا.

كما تعتبر “وحدات حماية الشعب”، وهي عماد التنظيم العسكري لـ”قسد”، نقطة خلافية ومثار جدل، وسط مطالبات تركية بحلها، باعتبار أنها تشكل خطرًا على أمنها القومي.

“الوحدات” أنشئت عام 2004، وتقول إنها خرجت نتيجة “هجمات نظام البعث السوري” ذلك العام، في إشارة إلى قمع نظام “البعث” للانتفاضة الكردية حينها

انقسام داخلي

الباحث علوان يرى أن المشهد العام شمال شرقي سوريا عنوانه الانقسام، ويعود ذلك إلى انقسامات داخلية في حزب “الاتحاد الديمقراطي” وداخل “قسد” وبشكل أقل ضمن “الإدارة الذاتية”.

ويعتقد أن الوقت ليس بمصلحة الأطراف المتعنتة ضمن “الإدارة الذاتية”، وليس بمصلحة من يرفض التعامل مع الحكومة.

وفي ذات الطرف، ستقل مستويات تأثير المعارضين داخل تيارات “قسد” لمصلحة نداءات شعبية ونخبوية وسياسية من شمال شرقي سوريا، يدفعها النموذج الناجح في حلب إلى أن تكون ضاغطة ومؤثرة لتنفيذ القرار.

ويساعد ذلك العامل الخارجي سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب عمومًا لتنفيذ الاتفاق والمشاركة الحقيقية مع الحكومة السورية، وفق علوان.

من جانب آخر، قال علوان “يجب ألا نكون متفائلين كثيرًا، لأن ذلك لن يحصل في الوقت القريب، أو بخطوات متسارعة وإنما سيحتاج إلى الكثير من المبادرات والوقت والفرص، لأجل أن ينفذ بالشكل الصحيح”.

بنود الاتفاقية بين “المجلس المدني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود” واللجنة المكلفة من رئاسة الجمهورية:

  • يُعتبر حيا الشيخ مقصود والأشرفية من أحياء مدينة حلب، ويُعيّن لهما إداري، وتُفعَّل حماية واحترام الخصوصية الاجتماعية والثقافية للحيين.
  • تسري أحكام هذه الاتفاقية المدنية حين توافق الجانبين الكردي والمركزي السوري على نص مستدام.
  • تتكفل وزارة الداخلية بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي بمسؤولية حماية سكان الحيين، ومنع أي اعتداءات أو تعرض لحياتهم.
  • منع المظاهر المسلحة في الحيين، وحصر السلاح بيد قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية في الحيين.
  • فتح المعابر بين الحيين مع الإبقاء على الحواجز الرئيسة تحت إشراف الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية في الدولة السورية والأمن الداخلي في الحيين.
  • انسحاب القوات العسكرية التابعة لـ”قسد” بالتدريج من الحيين إلى منطقة تمركزها شمال شرقي سوريا.
  • نشر مركز أمني داخلي في كل من الأشرفية وحي الشيخ مقصود.
  • منع ملاحقة أي شخص ملاحق قبل الاتفاقية، بشرط “عدم تلطخ يديه بدم السوريين”.
  • تشكيل لجنة تنسيقية لتسهيل الحركة والتنقل بين مدينة حلب ومناطق شمال شرقي سوريا.
  • تشكيل لجان فنية لتنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع.
  • التنسيق بين المؤسسات المدنية، وتقديم الخدمات للحيين دون تمييز عن بقية أحياء حلب، من خلال فرق بلدية موجودة في الحيين.
  • بحث مصير المعتقلين من قبل الطرفين في محافظة حلب، وتبادل جميع الأسرى الذين تم أسرهم بعد التحرير.
  • منح الحيين حق التمثيل العادل في مجلس محافظة حلب وغرف التجارة والصناعة وسائر القطاعات، وفقًا للقوانين النافذة.
  • المحافظة على المؤسسات الخدمية والإدارية والتعليمية والبلديات والمجالس المحلية القائمة في الحيين، إلى حين توافق اللجان المشتركة المعتمدة على حل مستدام.
نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة