أثار الإعلان عن إنشاء وزارة للطوارئ والكوارث في التشكيل الحكومي الذي سمّاه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 30 من آذار الماضي، تساؤلات حول مهام هذه الوزارة ودورها خلال المرحلة المقبلة.
تولى الحقيبة الوزارية رائد الصالح، المدير السابق لمنظمة “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) الذي شارك بتأسيس المنظمة عام 2013 وأصبح مديرها حتى لحظة توليه الوزارة.
أسهمت منظمة “الدفاع المدني السوري”، التي حظيت بدعم دولي، بإنقاذ العديد من الأرواح إثر قصف النظام السابق للمناطق المدنية أو المتضررين من الكوارث الطبيعية، وحازت أكثر من 30 جائزة دولية.
وزير الكوارث والطوارئ، رائد الصالح، أكد أن إحدى مهام وزارته هي حماية البيئة التي كان تدميرها إحدى أدوات الحرب ضد السوريين، ما أثار تساؤلًا حول طبيعة المهام التي ستتقلدها الوزارة، وهل ستنضم إليها مديريات البيئة التي كانت تتبع لوزارة الإدارة المحلية.
الباحث القانوني والبيئي فراس حاج يحيى، قال لعنب بلدي، إن الظروف الحالية في سوريا تبرز الحاجة الملحة لوزارة الطوارئ والكوارث بسبب الأوضاع التي خلّفتها سنوات النزاع، وتردّي البنية التحتية، معتبرًا أن تولي وزارة الطوارئ مهام البيئة سيشكل عبئًا كبيرًا، إلا أن دمج القضايا البيئية ضمن مهام هذه الوزارة قد يكون إيجابيًا في تعزيز الاستجابة الشاملة.
بينما قال الدكتور بعلوم البيئة موفق الشيخ علي، لعنب بلدي، إن من الصعب الإحاطة بالوضع البيئي في سوريا حاليا على ضوء غياب التقييمات العلمية والمسوحات الحقلية وهو ما يتطلب إجراء ما يسمى “Post conflict assessment” أي “تقييم ما بعد الحروب أو الصراعات“.
ما مهامها؟
قال الصالح في كلمته خلال تشكيل الحكومة، في 30 من آذار الماضي، إن استحداث وزارة الطوارئ يعزز القدرة على الاستجابة لاحتياجات المدن والبلدات والمخيمات وفي المناطق التي عانت من ويلات الحرب والدمار.
وأضاف أن مهام هذه الوزارة لا تقتصر على الاستجابة الطارئة عند حدوثها، بل تشمل أيضًا التخطيط السليم للكوارث والطبيعية وغير الطبيعية من أجل التقليل من أثارها استباقيًا.
وأكد الصالح أن واحدة من مهام الوزارة الجديدة حماية البيئة التي كان تدميرها إحدى أدوات الحرب على السوريين، معتبرًا أن تأسيس منظومة وطنية متخصصة في هذا المجال هو خطوة أساسية نحو بناء مستقبل أكثر أمانًا، على أن يكون التخطيط والاستجابة السريعة للطوارئ والكوارث جزءًا لا يتجزأ من نهج الدولة.
عقب تولي الصالح حقيبة وزارة الطوارئ والكوارث في الحكومة السورية، أصدرت المنظمة بيانًا ذكرت فيه أن الصالح قدّم استقالته من منصبه كرئيس للمنظمة، ومن جميع المناصب التي يشغلها في مجالس إدارة الكيانات التابعة للمنظمة.
ووفقًا للنظام الداخلي للمنظمة، سيتولى منير مصطفى، نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس الشؤون الإنسانية، قيادة “الخوذ البيضاء” مؤقتًا إلى حين انتخاب رئيس جديد من قبل الهيئة العامة للمنظمة في مؤتمرها السنوي المقبل.
وبحسب البيان، تنوي “الخوذ البيضاء” نقل جزء من مهامها المتعلقة بالدفاع المدني إلى وزارة الطوارئ والكوارث والبيئة في الحكومة السورية، بما يسهم في تعزيز بناء مؤسسات وطنية فعالة لخدمة السوريين، وقد تم تشكيل لجنة خاصة لوضع آلية تنفيذية لهذا الانتقال خلال فترة انتقالية مدروسة.
ما المطلوب من الوزارة؟
من وجهة نظر الباحث القانوني والبيئي فراس حاج يحيى، تتجلى المهام الأساسية لوزارة الطوارئ والكوارث في التخطيط والإعداد المُسبق لمواجهة الكوارث الطبيعية والبشرية، والتنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة لضمان استجابة فعّالة وسريعة، وإدارة عمليات الإنقاذ والإغاثة وإعادة الإعمار بعد حدوث الأزمات.
كما يجب أن تشمل مسؤولياتها تدريب وتأهيل الكوادر، وتوعية المجتمع حول إدارة المخاطر والحد من آثار الكوارث.
ووفق ما قاله حاج يحيى، لعنب بلدي، تظهر الحاجة الملحة لوزارة الطوارئ والكوارث في الظروف الحالية بسوريا بشكل خاص بسبب الأوضاع التي خلّفتها سنوات النزاع، وتردّي البنية التحتية، وغياب التخطيط المناسب للاستجابة للطوارئ، كما تزداد أهمية وجود هذه الوزارة مع تزايد التحديات البيئية والكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والحرائق، ما يجعلها حاجة ضرورية وليست رفاهية، بحسب الباحث.
وعن العبء الذي يترتب على الوزارة حال استلامها ملف البيئة، اعتبر الباحث القانوني والبيئي، أن إدراج مهام الحفاظ على البيئة ضمن مسؤوليات وزارة الطوارئ والكوارث يضيف عبئًا كبيرًا إليها، خصوصًا أن الإدارة المحلية كانت تتولى هذه المهام بشكل رئيس، إلا أن دمج القضايا البيئية ضمن مهام هذه الوزارة قد يكون إيجابيًا في تعزيز الاستجابة الشاملة والمنسقة للكوارث البيئية، شريطة توفير الإمكانات والموارد اللازمة لتغطية هذه المهام الإضافية.
في المقابل، يرى الدكتور بعلوم البيئة موفق الشيخ علي، أن بقاء مديريات البيئة ضمن هيكلية وزارة الإدارة المحلية يعطيها قوة تنفيذ قانون البيئة النافذ حاليًا، لأن أعمال هذه المديريات وفق هذا القانون متشابكة مع عدد كبير من المديريات العامة الأخرى .
وبحسب الشيخ علي، فإن مؤسسات التمويل الدولية أصبحت تنظر للبيئة على أنها جزء من التزام الدولة بالسياسات العالمية، وبالتالي هي لا تمثل حالة طارئة ليتم وضعها ضمن وزارة الطوارئ، وهناك فرص تمويل كبيرة متاحة عالميًا يتم تقديمها لقطاع البيئة، ما يبرز أهمية وجود مديريات بيئة قوية تعتمد على كفاءات وخبرات وتتعاون مع برامج الأمم المتحدة ذات العلاقة ومؤسسات التمويل وحتى الدول التي تطرح برامج تمويل موجهة لقطاع البيئة.
وبحسب حاج يحيى، ينبغي للوزارة الجديدة إحداث إدارات وهيئات متخصصة مثل هيئة الاستجابة السريعة للطوارئ، ومراكز رصد وإنذار مبكر، وهيئات مختصة بالتوعية والتثقيف البيئي، إضافة إلى إحداث إدارات متخصصة في إدارة الأزمات البيئية، والتنسيق مع المنظمات الدولية لضمان التعاون وتبادل الخبرات، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ويواجه الواقع البيئي في سوريا اليوم مخاطر متعددة، وفق ما يرى الباحث، أبرزها التلوث الناجم عن المخلفات الصناعية والصرف الصحي، التصحر والجفاف، انخفاض مستوى المياه الجوفية، ومخاطر الحرائق خاصة في الغابات والمناطق الزراعية.
ويجب على الوزارة الاستعداد عبر وضع استراتيجيات استباقية وخطط طوارئ مدروسة، وتطوير نظم الإنذار المبكر، وبناء قدرات الكوادر الوطنية، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مجال البيئة والطوارئ.
الواقع البيئي في سوريا
اتفقت معظم الأبحاث التي رصدتها عنب بلدي تأثر النظام البيئي في سوري خلال الحرب على عدة صعد، منها تلوث الهواء، وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، واجتثاث الغابات، ونضوب المياه، وسوء إدارة النفايات، وانحسار الغطاء النباتي، وتآكل التربة، وانعدام الأمن الغذائي.
وفي دراسة استقصائية لـ”الآثار البيئية للصراع السوري” صادرة عن “مبادرة الإصلاح العربي”، تبين أن الظروف البيئية السيئة التي مُنيت بها سوريا قبل الحرب هي أحد العوامل الأساسية التي أسهمت في نشوب الصراع المُسلح.
ويشمل ذلك سوء إدارة الموارد الطبيعية والنفايات، واستجابة الحكومة غير الوافية تجاه التلوث الناجم عن التعدين، وقسوة الجفاف الذي حدث في الفترة بين عامي 2006 و2010، والذي ألحق الضرر بالقطاع الزراعي (يشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي).
كما يشمل ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وما أسفر ذلك عنه من موجات الهجرة الجماعية نحو المراكز الحضرية، ومع ارتفاع معدل النمو السكاني، أدت ندرة المياه إلى تعاظم خطر زعزعة الاستقرار السياسي.
وتحتل سوريا المرتبة 65 في قائمة تضم 191 دولة معرضة لخطر وقوع كارثة إنسانية أو كارثة طبيعية تعزى إلى تغير المناخ، وفي المرتبة السابعة على قائمة الدول الأقل استعدادًا للاستجابة لمثل هذه الكوارث، وفق ما ورد في دراسة نشرتها منظمة “إسناد الطقس في العالم” (World Weather Attribution).
طال قصف النظام السوري البنية التحتية البيئية الحيوية للبلاد، مثل أنظمة الطاقة والمياه والصرف الصحي، وتعرضت الشبكات للأضرار بشكل متعمد، وبحسب الدراسة، فإن نسبة خطوط نقل الكهرباء التي تعرضت للهجوم بين عامي 2011 و2014 هي 40%، أما المنازل المتضررة والمدمرة حتى عام 2017 فتجاوزت 300 ألف منزل.
كما ولّد القتال في سوريا كميات هائلة من الأنقاض والنفايات أثرت على المناطق السكنية والصناعية، مما خلق تهديدات بالتلوث، وفقًا لدراسة أخرى لمرصد الصراع والبيئة (CEOBS) عام 2018، بالإضافة إلى تدهور أنظمة إدارة النفايات الصلبة غير الكافية أصلًا من قبل الحرب أكثر، وانهيارها بالكامل في المناطق المتضررة من “النزاع”.
من الصعب الإحاطة بالوضع البيئي في سوريا حاليًا على ضوء غياب التقييمات العلمية والمسوحات الحقلية وهو ما يتطلب إجراء ما يسمى “Post conflict assessment” أي تقييم ما بعد الحروب أو الصراعات، وفق ما يرى الدكتور بعلوم البيئة موفق الشيخ علي.
وخلال حديثه لعنب بلدي اعتبر الشيخ علي أنه يمكن تأطير الوضع البيئي بالنواحي التالية:
- التدمير الشديد لشبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة خارج الخدمة والذي أدى خروج هذه المنظومة عن الخدمة وخاصة بالمناطق الريفية والمدن التي دمرها النظام السابق وهو يعني اختلاط لمياه الصرف الصحي مع الموارد المائية السطحية والجوفية. وهذا الأمر ينطبق على تجمعات اللجوء (المخيمات) التي بالأصل لم يتم مراعاة هذا الجانب فيها كليًا أو جزيئًا.
- النزوح وتمركز كثافات سكانية عالية في المدن والبلدات التي استقبلت النازحين وهذا يشمل كل محافظات البلاد، ما أدى إلى فقدان السيطرة على منظومة جمع ونقل ومعالجة النفايات المنزلية بما في ذلك النفايات الصحية والذي نرى آثاره في كل أنحاء البلاد.
- المخلفات الناتجة عن العمليات العسكرية، وأقصد الذخائر والعبوات غي المنفجرة إضافة إلى عدم إمكانية التأكد من نوعية المواد المتفجرة التي استعملت في العمليات العسكرية وبالتالي الأثر المتبقي لها في التربة والمياه.
- الصناعة النفطية بمختلف سلاسل التوريد لها من مرحلة الآبار إلى خطوط النقل إلى طرق التصفية غير المنضبطة إلى التخزين وما تشكله هذه الصناعة في الأحوال الاعتيادية من تلوث.
- إزالة الغابات سواء بالقطع أو الحرق مع تراجع الغطاء النباتي مع التأثيرات الناتجة عن التغييرات المناخية وما نتج عن ذلك من تدهور شديد بالغطاء النباتي الطبيعي.
ويرى الشيخ علي أن هناك حاجة لتقييم علمي ودقيق باستعمال تقانات الاستشعار عن بعد والتحقق الحقلي مع جمع وتحليل لعينات من مختلف البيئات الفيزيائية.
بالنسبة لتدهور الترب سواء فيزيائيًا أي الناتج عن ضغوط الحرائق أو سير المركبات الثقيلة وما شابه، فتحتاج إعادة التأهيل الطبيعي الذي تقوم به العوامل المناخية بالتضافر مع الغطاء النباتي وإعادة إحياء التربة إلى سنوات طويلة، أما التلوث الكيماوي للتربة وعلى الرغم من دور الطبيعة في معالجته فإن عمليات المعالجة مكلفة جدًا (على سبيل المثال فإن تكلفة معالجة متر مكعب واحد من الترب الملوثة بالانسكابات النفطية قد تصل إلى 75 دولارًا).
وبالنسبة للغابات قال الشيخ علي لعنب بلدي: “للأسف خسرنا تراثًا ماديًا عمره مئات السنوات من الأشجار في غاباتنا من الساحل إلى جبل الزاوية إلى جبل العرب وصولًا إلى جبل عبد العزيز. سنحتاج إلى عقود طويلة لاسترجاع جزء مما فقدناه والأهم ربما هو ما قد نكون فقدنا من نباتات أو حيوانات برية للأبد من الأصول الوراثية”.
وخوفًا من فقدان التوثيق العلمي للنباتات البرية في سوريا، قام الاستشاري البيئي منذ 2007 بإنشاء قاعدة بيانات متخصصة للتنوع الحيوي النباتي تحت اسم “فلورة سوريا أونلاين” و تعتبر أوسع قاعدة بيانات لتوثيق كل الأنواع البرية النباتية في سوريا.
وقدّرت دراسة للأمم المتحدة منشورة في عام 2020 حاجة سوريا إلى 360 مليون دولار لإيقاف تدهور البيئة في البلاد بحلول العام 2030.