خطط لمعالجة نقص المعدات والكادر بمستشفى “حلب الجامعي”

  • 2025/04/06
  • 4:28 م
يعاني مستشفى "حلب الجامعي" من نقص في المعدات - 28 آذار 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)

يعاني مستشفى "حلب الجامعي" من نقص في المعدات - 28 آذار 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)

حلب – محمد ديب بظت

يحاول مستشفى “حلب الجامعي” تقديم خدماته الطبية للمرضى بسوية مُرضية، والتغلب على العقبات التي تعترضه، في قطاع طبي متهالك على مستوى سوريا ككل.

منذ سنوات، تعيش المستشفيات والمراكز الطبية أزمة خانقة، محاصرة بنقص حاد في الأدوية، وتدهور فادح في المعدات الطبية، وتآكل مستمر في الكوادر الصحية التي هجرتها الحرب وتدهور الظروف المعيشية.

عنب بلدي وقفت على حال مستشفى “حلب الجامعي” والتقت مدير المستشفى، الدكتور إبراهيم الأسعد، ورئيس قسم فنيي الأشعة وبعض الأطباء المقيمين، وتعرفت إلى أبرز الصعوبات ومطالب الكادر الطبي والإداري والتقني.

منظومة طبية مريضة

إبراهيم الأسعد، أكد أن القطاع الصحي الذي ورثه عن نظام الأسد يعاني من انهيار شبه كامل، نتيجة الفساد المستشري، والترهل الإداري، وتهالك البنية التحتية، إضافة إلى النقص الحاد في الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية، وخاصة أدوية السرطان، ما فاقم معاناة المرضى.

وأوضح مدير المستشفى أن غياب الرقابة الفعلية أدى إلى تفشي الفساد، إذ دفع تدني أجور الكوادر الطبية والإدارية كثيرين إلى اللجوء إلى ممارسات غير مشروعة.

وأضاف الأسعد لعنب بلدي أن حجم الفساد فاق التوقعات، مستشهدًا بصفقات لمواد طبية كان يُفترض دخولها إلى المستشفى، لكنها لم تصل أبدًا، الأمر الذي ينطبق أيضًا على أدوية مرضى السرطان.

تعطيل متعمد لزيادة الأرباح

في سياق متصل، كشف الأسعد عن تعمد تعطيل بعض المعدات الطبية، سعيًا لإجبار المرضى على اللجوء إلى الخدمات الخاصة، أو بهدف تكرار عمليات الصيانة لتحقيق مكاسب مالية.

وأعطى الأسعد مثالًا عن الأعطال المفتعلة، قائلًا إن أحد المصاعد في المستشفى كان يُعطَّل بشكل متكرر عبر التلاعب بحساساته، ما استدعى صيانة دورية بتكلفة بلغت نحو 20 ألف دولار أمريكي في ظل الإدارة السابقة، بينما انخفضت التكلفة إلى 4000 دولار فقط بعد تحرير حلب من قوات النظام السابق، و”تعهيد” الصيانة لجهة جديدة من شمال غربي سوريا.

وأشار الأسعد إلى أن معظم الكوادر المتورطة في الفساد، وعلى رأسهم المدير السابق إبراهيم حديد، غادرت، مؤكدًا ارتباطهم بفروع أمنية مختلفة.

ولفت إلى أن عام 2019 شهد توظيف أعداد كبيرة من العاملين تحت مسمى “فئة خامسة” (عمال تنظيف)، لكنهم وُضعوا في المكاتب بدلًا من أداء مهامهم، ما أدى إلى تدهور مستوى النظافة في المستشفى.

ومع تولي الإدارة الجديدة، أُجبر هؤلاء الموظفون على العودة إلى أعمالهم، ما انعكس إيجابيًا على نظافة المنشأة.

بين القصف والنهب

أوضح الأسعد أن القصف (من روسيا والنظام خلال سيطرة الإدارة السورية الجديدة على حلب) تسبب في دمار واسع طال أكثر من سبعة طوابق، وأدى إلى مغادرة قسم كبير من الكادر، ما أتاح الفرصة لعمليات نهب واسعة.

وأضاف أن السرقة شملت أكثر من 50 جهاز “لابتوب”، بالإضافة إلى معدات طبية ومستهلكات ضرورية، دون أي آلية لاسترجاعها، كما تسببت الضربات بخروج خمسة أقسام استشفائية عن الخدمة، ما أدى إلى تراجع القدرة الاستيعابية للمستشفى.

وبشأن جهود الترميم، أكد الأسعد أن العمل لا يزال مستمرًا، حيث يتولى “الهلال الأحمر” و”الصليب الأحمر” عمليات الإصلاح، متوقعًا انتهاء الأعمال خلال أيام، ما سيؤدي إلى تحسين القدرة الاستيعابية للمستشفى، واستئناف بعض الخدمات المتوقفة.

الهجرة وأزمة التكدس والنقص

وفقًا لمدير المستشفى، تسببت هجرة الكوادر الطبية في مشكلتين رئيستين:

الأولى مرتبطة بسياسات النظام التي اعتمدت على زيادة أعداد الطلاب بشكل كبير في الجامعات، لكن بعد التخرج يواجه كثيرون صعوبات في السفر، ما يؤدي إلى تراكم أعداد كبيرة من الأطباء المقيمين دون توفير فرص عملية كافية لهم.

على سبيل المثال، يوجد حاليًا في مستشفى “حلب الجامعي” 990 طبيبًا مقيمًا، ما يخلق خللًا واضحًا، إذ إن كل طبيب يحتاج إلى عدد معين من العمليات الجراحية ليكتسب الخبرة المطلوبة، لكن بسبب كثرة الأعداد، لا يحصل الجميع على التدريب الكافي، ما ينعكس سلبًا على مستوى الخبرة الطبية.

أما المشكلة الثانية، فتكمن في نقص الكوادر الطبية بعد سنوات التخصص، إذ إن أغلب الأطباء يخططون للهجرة فور تخرجهم، ما يترك فجوة كبيرة في المستشفيات، وهكذا، تتجلى الأزمة في مرحلتين: الأولى خلال فترة التخصص، حيث لا يحصل الأطباء على تدريب كافٍ بسبب الأعداد الكبيرة، والثانية بعد التخرج، عندما يغادر الأطباء البلاد، ما يؤدي إلى نقص حاد في الكوادر المؤهلة.

إلى جانب ذلك، تواجه المستشفيات صعوبات مالية كبيرة، أبرزها ضعف السيولة والرواتب المتدنية للأطباء، حيث لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري للطبيب 400 ألف ليرة سورية، ما يجعل تحسين الوضع المادي ضرورة ملحة.

وتعاني المستشفيات من نقص في توريد المعدات والأجهزة الطبية، التي تعود في معظمها إلى أكثر من 15 عامًا دون تحديث، ما يجعلها غير مواكبة للتطورات الطبية الحديثة.

الفساد والعقوبات.. من يتحمل مسؤولية الانهيار؟

رغم أن العقوبات الاقتصادية كان لها تأثير على القطاع الصحي، فإن الفساد المستشري داخل النظام لعب الدور الأكبر في تفاقم الأزمة، من خلال سوء الإدارة وإهدار الموارد، ما جعل الوضع الصحي أكثر تدهورًا، بحسب الدكتور الأسعد.

وفي سياق الحديث عن أجهزة الأشعة بالمستشفى، كشف مصطفى البج، رئيس فنيي الأشعة، لعنب بلدي، أن المستشفى يمتلك ثلاثة أجهزة طبقي محوري، لكن واحدًا فقط منها يعمل بشكل طبيعي، مشيرًا إلى أن هذه الأجهزة لها عمر افتراضي محدد، إلا أن الأجهزة الموجودة حاليًا باتت عمليًا خارج الخدمة منذ زمن.

وأوضح البج أن شراء جهاز طبقي محوري جديد يعد خيارًا أفضل من إصلاح الأجهزة المعطلة، إذ إن تكلفة صيانتها تعادل تقريبًا سعر جهاز جديد.

وأضاف أن المستشفى يملك سبعة أجهزة للأشعة البسيطة، لكن معظمها خارج الخدمة باستثناء جهاز واحد من نوع “DR”.

وأشار إلى مشكلات في توفير الأفلام والتحميض، لدرجة أن المرضى يضطرون إلى تصوير نتائج الأشعة عبر هواتفهم المحمولة بسبب عدم توفر الأفلام اللازمة.

وبيّن أن جهاز التصوير في قسم الإسعاف يعمل تحت ضغط كبير، إذ يخدم يوميًا نحو 300 مريض، ويجري ما بين 800 إلى 1000 صورة أشعة يوميًا، ما يزيد الحاجة إلى تحديث الأجهزة والبنية التحتية للأشعة في المستشفى.

وفي هذا السياق، أوضح الطبيب عمر هلالي، المقيم في السنة الثالثة بقسم الأشعة، أن الأجهزة تعاني من تآكل شديد، خاصة أجهزة “الإيكو” التي مضى عليها زمن طويل وتحتاج إلى صيانة عاجلة.

وأشار هلالي إلى مشكلة رئيسة أخرى تتعلق بجهاز تصوير الثدي، الذي يعد أداة أساسية في تشخيص سرطان الثدي ومتابعة حالة المريضات من سن 30 إلى 70 عامًا، لافتًا إلى أن تعطل هذا الجهاز يعوق الكشف المبكر عن المرض ويؤثر سلبًا على رعاية المرضى.

كما تطرق إلى الإهمال الإداري في صيانة الأجهزة خلال عهد الإدارات السابقة، إلى جانب المشكلات المرتبطة بسوء التمويل، وضعف التنظيم، وانتشار الفساد، ما أسهم في تفاقم أزمة القطاع الإشعاعي داخل المستشفى.

من جانبه، تحدث حسن علي، طبيب داخلية عامة في سنته الرابعة، عن التحديات التي تواجه قسم الإسعاف، مشيرًا إلى النقص الحاد في الموارد، ما يؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.

كما لفت إلى سوء جودة الطعام المقدّم في المستشفى، موضحًا أنه غالبًا ما يكون من تبرعات، ودعا إلى تحسينه وإضافة مواد غذائية أخرى، مؤكدًا أن من حق الأطباء الحصول على وجبات غذائية لائقة تسهم في دعمهم خلال ساعات عملهم الطويلة.

وتطرق أيضًا إلى مشكلات تتعلق بقدرة المستشفى على استيعاب المرضى، إذ تواجه العديد من الحالات الطارئة صعوبة في الحصول على سرير بسبب امتلاء الأجنحة وعدم توفر أماكن كافية.

ورغم محاولات الإدارة فتح غرف وأجنحة وأسرة جديدة، فإن الوضع ما زال معقدًا، خاصة مع خروج بعض الأقسام عن الخدمة نتيجة القصف الذي تعرض له المستشفى من قبل قوات النظام السابق وحلفائها، ما أدى إلى تراجع القدرة الاستيعابية بشكل كبير.

وخلال سيطرة قوات الإدارة السورية الجديدة على مدينة حلب، واصلت قوات النظام السوري السابق وروسيا تصعيد الهجمات على مناطق شمال غربي سوريا.

في 1 من كانون الأول 2024، استهدفت غارات جوية لنظام الأسد مدخل المستشفى الجامعي في مدينة حلب، ووثقت فرق “الدفاع المدني السوري” مقتل 12 شخصًا وإصابة 23 آخرين.

كما استهدفت الغارات الجوية كنيسة مجاورة للمستشفى، وتعرضت عدة أحياء لغارات جوية خلفت ضحايا في صفوف المدنيين.

وزارة الصحة في حكومة دمشق المؤقتة، أعلنت نهاية عام 2024، أنها وضعت خطط عمل لأربع سنوات، مشيرة إلى أن القطاع الصحي في سوريا تم تدميره تقريبًا.

وقال القائم بأعمال وزارة الصحة حينها، ماهر الشرع، إن لدى الوزارة خطط عمل لثلاثة أشهر وستة أشهر وتسعة أشهر وسنة وسنتين وأربع سنوات، وأنهم بدؤوا العمل الجاد في هذا الصدد.

وتولّى مصعب نزال العلي منصب وزير الصحة في الحكومة السورية الجديدة، خلفًا لماهر الشرع، وقال إن إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الطبية تستدعي جهدًا مكثفًا، وشدد على أهمية تعزيز التعاون مع الأطباء السوريين في الخارج والمنظمات الدولية.

مقالات متعلقة

  1. كوادر طبية تحت ضغط الإدارة التركية في ريف حلب
  2. الكوادر الطبية السورية في المناطق المحررة "تحت النار"
  3. القطاع الطبي في الشمال.. خطوات صعبة إلى الأمام
  4. هجرة الأطباء تقلص إمكانات المستشفيات الحكومية في حلب

خدمات محلية

المزيد من خدمات محلية