دمج الوزارات السورية.. تخفيف الأعباء المالية وزيادة في المسؤوليات

وزير الكهرباء السوري السابق عمر شقروق في جولة ميدانية إلى محطة دير علي - 23 كانون الثاني 2025 (وزارة الكهرباء/ تعديل عنب بلدي)

camera iconوزير الكهرباء السوري السابق عمر شقروق في جولة ميدانية إلى محطة دير علي - 23 كانون الثاني 2025 (وزارة الكهرباء/ تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

تضمن القرار الرئاسي الصادر نهاية آذار الماضي المتعلق بالتشكيل الوزاري للحكومة السورية دمج عدة وزارات، في إعلان لم يتطرق لمبررات أو أسباب الدمج بدقة.

وفق تشكيلة الحكومة الجديدة، قرر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تعيين نضال الشعار وزيرًا للاقتصاد والصناعة، بعد دمج وزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد.

كما جرى تعيين محمد البشير وزيرًا للطاقة، بعد دمج ثلاث وزارات سابقة هي الكهرباء والنفط والثروة المعدنية والموارد المائية.

تثار تساؤلات حول مبررات القرار، خاصة في ظل دمج وزارات حساسة ترتبط بشكل مباشر بالواقع الاقتصادي والخدمي في البلاد، في حين ينتظر الشارع السوري إحداث تغيير إيجابي.

خطوة واقعية

تضمنت تشكيلة الحكومة السورية الجديدة 23 وزيرًا، وبذلك جرى تقليص الوزارات عن سابقاتها في عهد النظام السوري، فمثلًا آخر تشكيلة حكومية في آب 2024 ضمت 29 وزارة، إلا أن الإعلان الحالي دمج عددًا من الوزارات، كما أحدث وزارتين، الأولى للشباب والرياضة، والثانية للطوارئ والكوارث.

وفق تقرير صادر عن مركز “حرمون للدارسات المعاصرة”، في 2 من نيسان الحالي، يلاحظ أن تقليص عدد الوزارات، من 29 إلى 23، عبر عمليات دمج، لا يعكس فقط توجهًا تنظيميًا، بل قد يكون أيضًا استجابة واقعية لشح الموارد وتحديات التمويل، إذ يعد ضغط النفقات الحكومية إحدى الضرورات في ظل ضعف الموازنة العامة وصعوبة الحصول على دعم خارجي في حال عدم رفع العقوبات.

من المرجح أن هذا الدمج يعكس محاولة لتقليل الكلفة التشغيلية وزيادة الكفاءة، إلا أنه قد يفرض تحديات إضافية على الوزراء الذين باتوا يتولون حقائب مزدوجة، في ظل طواقم إدارية محدودة وبيروقراطية معقدة، بحسب التقرير.

مبررات منطقية

الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، يرى أن مسألة دمج الوزارات يمكن أن تنعكس على البلاد بالعديد من المكاسب، مشيرًا إلى وجود العديد من المبررات لاتخاذ هذه الخطوة في الوقت الحالي.

حول مبررات الدمج، أوضح التركاوي لعنب بلدي أنه “في بلد يطمح للحرية، فإن المشاركة المجتمعية هي مطلب رئيس، أي أن كل مواطن مهتم بالشأن العام عليه أن يقوم بدور ولو كان بسيطًا، وهذا الدور يخفف العبء عن الحكومة، ويجعل من القدرة على دفع الملفات العامة أكبر، أي أن حاجتنا للموظفين في القطاع العام ستكون أقل من أي وقت سابق”.

سيؤدي دمج الوزارات إلى تشجيع الاستثمار الخاص، والبحث عن فرص أكبر للقطاع الخاص، تقتضي أن يكون لهذا القطاع دوره، بالتالي يجب الاستفادة من الموارد البشرية في نطاق القطاع الخاص، خاصة أولئك الذين لديهم خبرات حكومية، كما أن رواتب القطاع الخاص ستكون أعلى نسبيًا من القطاع العام، وهذا يعني ضرورة أن يتحول المورد البشري الرئيس لخدمة القطاع الخاص، وأن ينخرط في اقتصاد السوق، وألا يبحث عن الوظيفة العامة وحسب، وفق الباحث.

التركاوي لفت أيضًا إلى أن الموارد الحكومية اليوم ضعيفة، وهذا يعني أن قدرة الحكومة على منح الرواتب والصرف على الموظفين هي أقل من أي وقت سابق، إلا إذا حافظت الحكومة على رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع، وفق تعبيره.

 

بحسب نظرية العائد المتناقص لريكاردو (أحد منظري اقتصاد السوق)، كل زيادة للموارد بعد نقطة معينة، تجعل العائد أو الفائدة متناقصة وليست متزايدة، أي أنه لو كان العمل يكفيه موظفان، فإن زيادة الموظف الثالث لن تحسن في الأداء بل على العكس ستعيده للخلف.

خالد التركاوي  

باحث اقتصادي

منذ مطلع العام الحالي، عمدت الحكومة السورية الجديدة إلى إعادة هيكلة وتنظيم مؤسسات الدولة السورية، وخرج مسؤولون حكوميون للحديث عن أن مئات الآلاف من الموظفين لا يعملون أصلًا، إلى جانب آخرين هم “موظفون أشباح” يتقاضون رواتب دون عمل فعلي.

وبموجب هذه الفرضيات، أبعدت الحكومة عددًا غير معروف بعد من العاملين في مؤسسات الدولة، بين قرارات فصل، وكف يد، وإجازات طويلة الأمد مأجورة أو غير مأجورة، إلى جانب الامتناع عن تجديد عقود المتعاقدين المؤقتين.

الحاجة لإعادة الضبط

بالإضافة إلى تجنب المشكلات الناتجة عن المبررات السابقة، أي التوفير في الموازنة، ودعم السوق وقطاعه الخاص، وزيادة الكفاءة، يمكن أن يحمل قرار دمج الوزارات العديد من المكاسب في سياقات مختلفة.

وأوضح الباحث الاقتصادي خالد التركاوي أن من أبرز هذه المكاسب أن الهيكلية ستكون أكثر وضوحًا بالنسبة للوزير والمدير ورئيس الهيئة وبقية الموظفين، وبالتالي تقليل التعقيدات الإدارية والقانونية، كما يوفر الدمج تنسيقًا أعلى بين الوزراء والوزارات والمديريات، إذ كلما قل العدد ستكون القدرة على التنسيق أكبر من أي وقت سابق.

من إيجابيات الدمج أيضًا، سهولة التخطيط، فالتخطيط في حال وجود ثلاث أو أربع هيئات (كما هو الآن) سيكون أسهل من التخطيط في حالة وجود 70 هيئة كما هو سابقًا، وبالتالي التخطيط والتنسيق والتنفيذ سيكون أفضل، وفق ما يرى التركاوي.

لكن على جانب آخر، التركيبة الجديدة قد تجعل كبار الموظفين الحكوميين أكثر قلقًا من الواقع الجديد، إذ إن تراجع البيروقراطية الإدارية (الحميدة في بعض الأحيان) يجعل القدرة على اتخاذ القرار أقل تريثًا ودراسة، وبالتالي احتمال الخطأ أكبر، كما أن المهام داخل هذه الوزارات والهيئات المدمجة تحتاج لإعادة ضبط، إذ إن العمل الإداري في الشكل الجديد سيأخذ بعض الوقت لترتيبه.

موظفو الوزارات.. إيجابي بعد وقت

في ظل المعطيات والأرقام الحالية، شرح الباحث في الشأن الاقتصادي خالد التركاوي، أن الموظف الحكومي الواحد يكلّف الحكومة حوالي 25 دولارًا كراتب شهري، وحوالي 25 دولارًا كمصاريف أخرى متعلقة بالعمل، هذا يعني أن كل مئة ألف موظف خارج دوائر الدولة سيخفضون حوالي 5 ملايين دولار من المصاريف الحكومية الشهرية، أو ما يساوي 60 مليون دولار سنويًا، أي أننا نتحدث عن 600 مليار ليرة سورية سنويًا عند توفير 5% من موظفي الحكومة (على اعتبار أن عددهم مليونا موظف).

على جانب آخر، وهو الأهم، يعتقد التركاوي أن التقليص والدمج ستكون له انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية، في الجانب السلبي، ستحرم بعض الأسر من رواتب الحكومة، وسيجري تقليل قيمة المشتريات الحكومية من الأسواق، ولكن هذا الأثر قصير الأمد.

الجانب الإيجابي المهم في المدى المتوسط والبعيد، سيحقق انخراط هؤلاء الموظفين في السوق عبر أعمالهم الخاصة أو في مجال القطاع الخاص موارد أكبر للأسر، مثلًا متوسط الرواتب في القطاع الخاص قد يصل إلى خمسة أضعاف رواتب القطاع الحكومي، والإنتاج في القطاع الخاص ينعكس بشكل أكبر وأسرع على الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي.

 

خروج 100 ألف موظف من القطاع الحكومي، سيكون له أثر على التوفير في الموازنة الحكومية، وأثر أكبر على المدى البعيد، عبر مساهمة هؤلاء الموظفين في الناتج المحلي الإجمالي عبر مشاركتهم المباشرة في السوق من خلال مشاريعهم، أو من خلال وجودهم في مؤسسات القطاع الخاص.

خالد التركاوي

باحث اقتصادي

ومطلع العام الحالي، صرح وزير المالية السابق في حكومة دمشق المؤقتة، محمد أبازيد، أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون موظف حكومي يعملون بشكل فعلي، بينما يوجد 400 ألف موظف هم “موظفون أشباح”، بينما قال وزير التنمية الإدارية، محمد السكاف، إن القطاع العام لا يحتاج إلى أكثر من 550 إلى 600 ألف عامل.

وفق الوزير أبازيد، فوجئت الحكومة بأن أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكبر بكثير من الأعداد الفعلية على أرض الواقع، وإضافة إلى الخلل بالقوائم المالية، هناك أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتبهم من المنزل دون أن يسجلوا دوامًا فعليًا في مديرياتهم، “نتيجة اتباع النظام البائد سياسة الواسطات والمحسوبيات”.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة