تجار “السوداء” يتلاعبون بسعر الدولار تحت أعين “المركزي”

  • 2025/04/06
  • 5:50 م
تاجر عملات في سوق بمدينة منبج في محافظة حلب شمالي سوريا - 4 كانون الثاني 2025 (AFP)

تاجر عملات في سوق بمدينة منبج في محافظة حلب شمالي سوريا - 4 كانون الثاني 2025 (AFP)

عنب بلدي – أمير حقوق

تغيّرات يومية تطول سعر صرف الدولار في السوق السوداء بسوريا، بالتوازي مع ثبات سعر صرفه بنشرات مصرف سوريا المركزي، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الآلية المتبعة.

وأعلن مصرف سوريا المركزي عن إجراءات للحد من الفجوة بين سعر صرف العملات الأجنبية الرسمي وسعر السوق السوداء، محددًا آلية التسعير.

ووفق بيان مصرف سوريا المركزي، في 23 من آذار الماضي، يحدد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية، استنادًا إلى دراسة واقع سعر الصرف في السوق المحلية.

يأتي القرار في إطار السعي لتوحيد نشرات أسعار الصرف، وتلافي الفروق والآثار السلبية الناتجة عن ذلك، ويهدف إلى تقليص الفجوة بين سعرَي الصرف في السوق الرسمية والسوق غير الرسمية، والحد من عمليات المضاربة، بحسب ما صرح به المكتب الإعلامي في مصرف سوريا المركزي لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وأصدر مصرف سوريا المركزي، في 21 من آذار الماضي، قرارًا يقضي بوقف الملاحقة القضائية المدنية بحق الأشخاص المتعاملين بغير الليرة السورية، ومن عمل بالصرافة قبل سقوط نظام الأسد.

وسمحت الحكومة الجديدة بالتعامل بالعملات الأجنبية، التي كان يمنع تداولها ويجرم من يتعامل بغير الليرة السورية، الأمر الذي أدى إلى كثرة المحال و”البسطات” والمراكز التي تصرف الدولار وغيره من العملات الأجنبية.

حبس السيولة

تصدر يوميًا نشرات تحدد سعر صرف الدولار وباقي العملات الأجنبية في أسواق سوريا، عبر تطبيقات إلكترونية وصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي كـ“فيس بوك” و”واتساب” و”تلجرام”.

وتخلق نشرات الصرف هذه حالة من استغراب الناس وإثارة فضولهم، حول من يسعّر الدولار في السوق السوداء، والآليات المتبعة في التسعير.

يرى الأستاذ الجامعي ورئيس فرع نقابة المهن المالية والمحاسبية في درعا، مجدي الجاموس، في حديث لعنب بلدي، أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يحدد على أساس آلية السوق أي “العرض والطلب” في ظل متغيرات، منها السياسات الاقتصادية وبالذات السياسات المالية.

وبحسب توصيفه، فإن ما يؤثر على سعر الصرف بالسوق السوداء اليوم، هو حبس السيولة وعدم الثقة بالقطاع المالي المصرفي بشكل عام، والأسلوب التخزيني للعملاء بالقطع الأجنبي، ومعدلات التضخم الكبيرة التي تؤدي للطلب الكبير على العملات الأجنبية، وتسبب بالتالي تغيرات في سعر الصرف بالسوق السوداء.

شركات “خفية”

أرجح الدكتور الجاموس تذبذب سعر صرف الدولار بالسوق السوداء لسببين، أولهما آلية العرض والطلب وتمويل المستوردات غير النظامية، كالسيارات حاليًا والمنتجات التركية التي تغزو الأسواق السورية، إذ تُمول من عملة أجنبية من نتاج السوق السوداء.

السبب الثاني شركات “خفية” متخصصة بالدولار، كانت موجودة بعهد النظام السابق وما زالت، تقوم بعملية “المضاربة”، ومن مصلحة العاملين بهذه الشركات تذبذب سعر صرف الدولار في الأسواق، إذ تحدد يوميًا مثل البورصة افتتاح سعر صرف الدولار وإغلاقه.

وتستغل هذه الشركات المواقع والمجموعات الإلكترونية التي تحتويها والتي تربطها مع التجار والأشخاص الذين تعتمد عليهم في كل المحافظات.

وتحترف هذه الشركات تسعير وتجارة الدولار، متسببة بهذا التذبذب بالعملة الأجنبية، الأمر الذي ينعكس على ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وفق رأي الدكتور مجدي الجاموس.

ويعتقد أن شركات الصرافة غير المعلن عنها يقف وراءها “خبراء ومتنفذون”، هم من يحددون سعر صرف الدولار، وبعد التحرير زادت أعدادهم بشكل كبير، ويكون التواصل بين جميع التجار والصرافين عبر مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفسر توحيد سعر صرف الدولار في كل المراكز.

ويستغل القائمون على هذه الشركات والتجار الشائعات سواء السلبية أو الإيجابية، لخلق حركة تذبذب كبيرة بتغيير سعر الصرف نحو الانخفاض وشرائهم بهذه القيمة، وبعدها بيعه بقيمة مرتفعة.

متجر لبيع الأجهزة المحمولة في “برج دمشق”، يعمل في تصريف الدولار 9 شباط 2025 (عنب بلدي ـ عمر علاء الدين)

الدولار المعوّم

نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، قال لعنب بلدي، إن تذبذب سعر الصرف عادي وطبيعي، طالما العملة معوّمة وليست ثابتة مثل دول الخليج، إذ تخضع في هذه الحالة لآليات العرض والطلب وإلى خصوصية الاقتصاد وقوته ومتانته.

وتلعب سياسة البنك المركزي دورًا، فترفع أحيانًا نسب الفوائد على الدائن، وبالتالي يتجه الأفراد للادخار، أو تخفض الفائدة على الحسابات الجارية، فيتجه الأفراد لسحب الأموال واستثمارها في أماكن أخرى، وفقًا للحلاق.

واعتبر أن العملة لا يمكن أن تكون ثابتة إلا إذا ثبتتها الحكومة، وتذبذب سعر صرف الدولار يعود لاعتماد الجميع مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر لتحديد سعر الصرف.

وذكر الحلاق أن هناك بعض الجهات والأشخاص يتجهون للأسواق، ليؤثروا على الجو العام عبر رفع أو خفض سعر الصرف، بناء على كتلة نقدية موجودة معهم، إما كتلة نقدية سورية يتم طرحها بالسوق من أجل سحب الدولار، أو كتلة دولار تطرح بالسوق من أجل سحب الليرة السورية من مراكز الصرافة، بالتالي التحكم يكون عن طريق أشخاص، ولا يستند إلى أسلوب علمي ولا واقعي، ولا يمكن التنبؤ به، ونشرات المواقع ربما تتأثر بتأثيرات السوق.

ويرى أن إدارة سعر صرف الدولار في السوق السوداء مجهولة، وتدار من أشخاص ذوي مصلحة، ويرتفع السعر عندما يزيد الطلب.

وحول وجود سعر موحد في السوق السوداء، اعتبر الحلاق أنها مسألة عادية “بوجود مجموعات سعر الصرف على وسائل التواصل الاجتماعي”، لأن جميع الصرافين مشاركون أو فاعلون في هذه المجموعات، ودائمًا ينظرون إلى البورصة التي تؤثر بهم بشكل أو بآخر.

وبالتالي يتبعون مؤشرات معيّنة ليعملوا عليها، والأكيد أن هناك تواصلًا بين القائمين على السوق السوداء، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تؤثر بسرعة على أصحاب القرار.

 “المركزي” لا يقوم بدور الحماية

تختلف تسعيرة صرف العملات الأجنبية بين نشرات مصرف سوريا المركزي ونشرات السوق السوداء، إذ يحافظ المصرف المركزي على ثبات سعر صرف الدولار تقريبًا، عكس نشرات السوق السوداء التي تطرأ عليها تغييرات ملحوظة في اليوم نفسه.

وهنا يرجح الأستاذ الجامعي مجدي الجاموس أن اختلاف التسعير بين المصرف المركزي والسوق السوداء يعود لنقطة مهمة، هي أن المصرف المركزي يعطي السعر الحقيقي والمقدّر للعملة الأجنبية، وينأى بنفسه عن التجارة غير الجيدة.

واعتبر الجاموس أن المصرف المركزي يحافظ على السعر الذي يضعه، لأنه يصعب عليه الدخول بآلية السوق (البيع والشراء)، وأهم نقطة في عمل البنوك المركزية هي التدخل بالأسواق، سواء بالبيع أو بالشراء، للمحافظة على استقرار سعر الصرف، وتسعيرة السوق السوداء تستغل عدم معرفة الناس حقيقة سعر الصرف بالسوق.

ويفترض على المصرف المركزي التدخل لحماية المستثمرين والأفراد والمساهمين، ولكنه نأى بنفسه بعد إصداره نشرات بسعر صرف الدولار الحقيقي.

وأشار إلى ما يعرف بـ”تجارة الأرصدة البنكية”، أي الأشخاص الذين لا يحصلون على أموالهم من البنوك، فيلجؤون لبيع أرصدتهم مقابل سعر صرف مرتفع لمصلحة المشترين، وهذا يعطي هامشًا للتجار بأن يرفعوا سعر الدولار، حسب الطلب، على بيع الأرصدة، وسعر صرف الدولار الواحد للأرصدة البنكية يتجاوز الـ16 ألف ليرة سورية.

أما نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، فأوضح أن الفرق بين تسعيرة المصرف المركزي والسوق السوداء، هو أن المصرف المركزي لا يتبع سياسة تسعير، وإنما سياسة وضع رقم مثبت لا يبيع ولا يشتري.

وقال الحلاق، إنه عند اعتماد سياسة تسعير يجب اتباع مبدأ مثل مبادئ التجارة المعمول بها حول العالم، والمصرف المركزي لا يتدخل بالبيع أو الشراء أو التمليك، إنما فقط بالتسعير، فهو يضع مجرد رقم، ويستقر عليه لحين تبني سياسة تسعير أخرى ضمن علاقات ومدخلات ومخرجات، وهو بذلك يتبنى السعر الذي يناسبه.

سياسة تضعف الثقة بـ”المركزي”

تصريف الدولار في السوق اعتمادًا على سعر نشرات السوق السوداء، بعيدًا عن سعر المصرف المركزي، يتسبب بفقدان الثقة بقدرة المصرف المركزي على ضبط سعر الصرف، ويعتقد بعض الخبراء أن ذلك يشير إلى أن المصرف لا يؤدي دوره المطلوب.

الأستاذ الجامعي مجدي الجاموس، يفسر اعتماد سعر صرف السوق السوداء بأن المصرف المركزي لا يلعب أي دور، وبالتالي يسعّر فقط، وليست لديه قدرة على تمويل الاستثمارات أو المستوردات، أو توفير الكتلة النقدية والاحتياطي النقدي للعملة الأجنبية، لتحقيق نوع من الاستقرار أو الرهبة للسوق السوداء.

وقال إنه قبل التحرير كان تجار السوق السوداء يخافون من أي حركة تدخل للمصرف المركزي، أما الآن “فللأسف المصرف غير قادر”، لذلك فهم مطمئنون في عمليات المضاربة والتجارة.

ويرى الجاموس أن التجار والمسعرين يستغلون ضعف وتهميش دور المصرف المركزي، وضعف السياسات المالية المتبعة سواء من وزارة المالية أو المصرف المركزي، وضعف السيولة في البنوك، فيتاجرون بمخزون الناس من العملات الأجنبية.

فرق تسعير صرف العملات الأجنبية بين المصرف المركزي والسوق السوداء، بتاريخ 23 من آذار 2025

 “دولرة” الاقتصاد وخطرها

نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، قال إن المصرف المركزي لا يثبت السعر ولا يبيع ولا يشتري، فمن الطبيعي أن تخضع الحركة التجارية للمنافسة.

وأغلب الأعمال التجارية تتم بسعر الدولار، لكيلا يهتم التجار بارتفاع أو انخفاض الليرة السورية، ولكن هناك مشكلات مع المستهلك الذي يدفع بالليرة السورية وليس بالدولار، وهناك مشكلة أخرى أن سوريا تتجه لـ”دولرة” الاقتصاد، ولا ينبغي الاتجاه نحو ذلك، بحسب الحلاق.

وأوضح أن لبنان نجح في التجربة لأن المركزي يبيع ويشتري الدولار، أما المصرف المركزي السوري فيجب أن يكون صاحب السلطة في التسعير وإصدار نشرات تسعيرية، من أجل القدرة على البيع والشراء، وهذا يتطلب أن تمتلك خزينته كمية كافية من الدولار.

ويتبنى المصرف المركزي في سوريا سياسة حبس السيولة للتحكم بكمية الكتلة النقدية المتداولة في الأسواق، والحد من تضخم الأسعار، الأمر الذي اعتبر اقتصاديون استمراره بمثابة سياسة مالية تهدم الاقتصاد السوري.

الأكاديمي والخبير الاقتصادي فراس شعبو، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن حبس السيولة يوقف عجلة الإنتاج، وفي علم الاقتصاد نسمي ذلك “قتل الطلب”، أي أن السيولة عندما تسحب من السوق، يوجه الطلب للأولويات فقط.

وأصدر مصرف سوريا المركزي تعميمًا، في 5 من شباط الماضي، حول عمليات بيع القطع الأجنبي للمصارف العاملة المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، يسمح من خلاله لتلك المصارف تنفيذ عمليات بيع القطع الأجنبي للأغراض التجارية وغير التجارية من الموارد الذاتية لها.

مقالات متعلقة

  1. "المركزي السوري" يقلّص عدد نشراته لسعر الصرف أمام الليرة
  2. بعد ثبات لنحو شهر.. "المركزي السوري" يرفع دولار "الحوالات"
  3. توحيد أسعار الصرف.. سياسة "دولار أكثر" لملء خزينة النظام
  4. المصرف المركزي يخفض سعر الصرف الرسمي

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية