
بات البحث عن فرصة عمل مهمة شاقة أمام أصحاب الخبرات والشهادات العلمية في إدلب - 27 آذار 2025 (محافظة إدلب/ تلجرام)
بات البحث عن فرصة عمل مهمة شاقة أمام أصحاب الخبرات والشهادات العلمية في إدلب - 27 آذار 2025 (محافظة إدلب/ تلجرام)
إدلب – سماح علوش
منذ تخرجها في المعهد التقاني للحاسوب، لم تحظَ يمان بفرصة عمل في مدينة إدلب، تؤمّن لها دخلًا ماليًا يضمن لها العيش بكرامة في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أغلب السوريين، وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد بعد الفوضى الإدارية والمالية والفساد التي خلفها النظام السابق.
تشعر يمان في كثير من الأحيان بالاكتئاب وعدم الرغبة بالخروج والانخراط في المجتمع، لتتجنب أسئلة الناس المحرجة وكلماتهم الجارحة في بعض الأحيان عن جلوسها في المنزل، وعدم إيجادها فرصة عمل، بحسب تعبيرها، رغم محاولاتها المتكررة وملاحقتها لأي إعلان عن عمل بشروط تنطبق على مؤهلاتها وخبراتها.
في سوريا، بات البحث عن فرصة عمل مهمة شاقة تُرهق أصحاب الخبرات والشهادات العلمية، وسط رغبة العديد من خريجي الجامعات المهجرين بالعودة إلى مدنهم وبلداتهم الأم، لكن إيجاد مصدر دخل دائم لهم كان العائق الأكبر.
لا تزال الشابة يمان تبحث عن عمل على أمل العثور عنه، في حالة تشابه الملايين في سوريا، وعشرات الآلاف في إدلب، إذ قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة أشخاص عاطل عن العمل.
ربا، شابة تخرجت في كلية التربية قسم معلم صف عام 2024، وهنا بدأت رحلتها في البحث عن مدرسة في إدلب، لكن آمالها تخيب شيئًا فشيئًا بعد كل مقابلة عمل في المدارس الخاصة، لأنها عجزت عن الحصول على شاغر في المدارس العامة، بحسب تعبيرها، التي من ضمن شروطها أن تكون لدى المتقدمة خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات.
قالت ربا لعنب بلدي، إن الخبرة في التعليم ستتكون وتتبلور من خلال التجارب والفرص التي تتيح للمعلمة أن تطور أدواتها وأسلوبها، لكن ارتفاع نسبة الخريجين الجدد من جامعات الشمال السوري، ووجود العديد من ذوي الخبرات التعليمية ومن ضمنهم المعلمون المفصولون منذ عهد النظام السابق، كانا السبب الأبرز لقلة فرص العمل في مجال التعليم.
وبعد عدة محاولات فاشلة، قررت ربا أن تنشر إعلانات عن طريق مجموعات التواصل الاجتماعي، وتفتح دورات تعليمية للطلاب من منزلها، بأجر قليل بلغ ثمانية دولارات أمريكية (80 ألف ليرة سورية) لكل طالب عن الشهر، إلى أن تجد فرصة أفضل.
أما غنى، فقبلت بالعمل كمعلمة رياض أطفال، وبأجر زهيد لا يتجاوز الـ60 دولارًا أمريكيًا في الشهر، بعد فشلها في العثور على فرصة عمل بما يتناسب مع إجازتها الجامعية في اللغة العربية.
وبحسب قولها، فإن مردودًا قليلًا أفضل من أن تجلس مكتوفة اليدين تنتظر مساعدة أحد، فهي تعيش مع والدتها وأختيها بمساعدة إخوتها الشباب في دفع الإيجار ومصروف المعيشة.
أحمد مهندس ميكانيك، كان يعمل في إحدى المنظمات الإنسانية بعدة مسميات، بحسب العقد الذي يُجدد كل فترة ستة أشهر، لكن منذ بداية العام الحالي، توجهت أنظار معظم المنظمات لإقامة مشاريعها في المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى توقف بعضها عن العمل بشكل كلي، ما أفقده عمله.
وكان للمنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري دور في تأمين فرص عمل لجميع شرائح المجتمع، من موظفين وعمال وسائقين وحرس وغيرهم، لكن بعد توقف عقودهم، أصبحوا عاجزين عن إيجاد عمل بأجر يتناسب مع ارتفاع المعيشة وغلاء الأسعار.
الليرة التركية المتداولة في إدلب وأريافها تواصل انخفاضها لتصل إلى قرابة 40 ليرة لكل دولار أمريكي، ما سبب ارتفاعات متتالية في الأسعار، واضطرار العديد من الأهالي للبحث عن عمل إضافي إلى جانب عملهم الأساسي.
وتأمل الشابات والشبان السوريون، خاصة حديثي التخرج منهم، بأن تأخذ الحكومة الجديدة خطوات فعّالة في إيجاد فرص العمل المناسبة لهم، عبر المشاريع الاستثمارية والشراكات العربية والدولية التي كانت حكرًا على فئة محددة موالية لنظام الأسد المخلوع، مع عودة قطاعي النفط والغاز إلى دورة العمل التي يراها الشارع بطيئة نوعًا ولا تلبي طموحاتهم.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط النظام، لم تعلن الحكومة الحالية عن أي شواغر متاحة في مديرياتها ومؤسساتها، باستثناء تعيينات إدارية لبعض المناصب لتسيير أمورها بشكل مؤقت.
تأمين مصدر دائم للدخل، هو ما يشغل بال جميع اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى سوريا، وبالأخص للمقيمين في تركيا.
يعمل ياسر، وهو خريج كلية الهندسة المعلوماتية، في معمل للأخشاب بإحدى الولايات التركية، بأجر يصل شهريًا إلى 25 ألف ليرة تركية (ما يعادل تقريبًا 650 دولارًا)، لكن ارتفاع تكاليف المعيشة والإيجارات والعمل الشاق المُجهد دفعه للتفكير بقرار العودة والاستقرار في سوريا.
وقع ياسر في دوامة الحسابات والبحث المتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي عن فرص للعمل، وسؤال المقيمين في مناطق الشمال السوري عن واقع المعيشة والأجور، فكانت الإجابات محبطة، وفق تعبيره، وبعضهم نصحه بالتريث قليلًا ريثما تتضح الأمور، ويصبح هناك بصيص أمل ومستقبل أفضل من وضعه الراهن.
وحرّك سقوط النظام السوري رغبة السوريين بالعودة إلى بلدهم، إما للزيارة أو الاستقرار، رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردية، وتحذيرات أممية من أن عودة اللاجئين السوريين بشكل واسع تؤدي إلى تأجيج الصراع في سوريا، وتمثل عبئًا ثقيلًا على البلاد.
وأثّرت سنوات الحرب في سوريا على معظم القطاعات، وأدت إلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تقدّر بنحو 800 مليار دولار أمريكي على مدار 14 عامًا، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتضاعف معدل الفقر ثلاث مرات تقريبًا من 33% قبل 2011، إلى 90% اليوم، كما تضاعف الفقر المدقع ستة أضعاف، من 11 إلى 66%.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى